تحولت معرة النعمان من مدينة مفعمة بالحياة وبالتظاهرات العارمة إلى مدينة أشباح لم يبق فيها سوى جدران لا تزال تحمل شعارات يتيمة رفعها شبان معارضون يوماً ضد النظام.
واليوم أعلنت قوات النظام سيطرتها على معرة النعمان، ثاني أكبر مدن محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، والواقعة على الطريق الدولي بين حلب ودمشق، بعد أكثر من سبع سنوات من سيطرة الفصائل المعارضة.
انضمت معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي في عام 2011 إلى حركة الاحتجاجات ضد النظام. وتحولت تدريجياً إلى أحد رموز التظاهر في محافظة إدلب، وذلك حسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
ومع تحول حركة الاحتجاجات إلى نزاع مسلح، سيطرت الفصائل المعارضة على المدينة في عام 2012.
وحتى بعد سيطرة الفصائل عليها، لم تتوقف التظاهرات في «المعرة» حتى باتت روتيناً أسبوعياً. وقبل كل يوم جمعة، كان ناشطون فيها يتجمعون لتحضير الهتافات وكتابة اللافتات. وفي كل تظاهرة، كانت تعلو لافتات بأسماء قرى الريف المشاركة.
يتذكر الناشط الإعلامي عز الدين الإدلبي ما كانت عليه مدينته سابقاً، ويختصرها بتعبير «مدينة الثورة» في إدلب.
في عام 2015، سيطرت الفصائل المعارضة وهيئة تحرير الشام على كامل محافظة إدلب وتقاسمت النفوذ بينها. إلا أنه وفي مارس (آذار) عام 2019. باتت محافظة إدلب تحت السيطرة الفعلية لهيئة تحرير الشام، قبل أن تتقدم قوات النظام في جنوبها تدريجياً في عمليات عسكرية منفصلة، آخرها في ديسمبر (كانون الأول).
يقول بلال مخزوم، أحد سكان المدينة: «عاشت معرة النعمان 9 سنوات ثورة بكل ما للكلمة من معنى».
وتقع معرة النعمان على الطريق الدولي «إم 5»، الذي يربط حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر أبرز المدن السورية من حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
يرى مراقبون أن قوات النظام تسعى من خلال هجماتها الأخيرة في إدلب إلى استعادة السيطرة تدريجياً على الجزء الذي يعبر إدلب وغرب حلب من هذا الطريق، لتبسط سيطرتها عليه كاملاً.
وخلال هجوم استمر أربعة أشهر وانتهى بهدنة أواخر أغسطس (آب)، سيطرت قوات النظام على بلدة خان شيخون الواقعة أيضاً على الطريق الدولي جنوب معرة النعمان.
وبمجرد سيطرتها على معرة النعمان، تقترب قوات النظام أكثر من تحقيق هدفها.
يطغى الدمار اليوم على مناطق واسعة من معرة النعمان ومبانيها وتبعثرت أسواق كانت تعج يوماً بالزبائن من سوق المجوهرات إلى سوق الغنم وسوق الدجاج وغيرها. وبدت أبنية أخرى مهجورة تماماً ومحال وقد أقفلت واجهاتها.
وبلغ عدد سكان معرة النعمان قبل أربعة أشهر 150 ألفاً إلا أنها باتت اليوم شبه خالية جراء موجات النزوح.
ودفع التصعيد في المنطقة منذ ديسمبر (كانون الأول) بـ358 ألف شخص إلى النزوح وخصوصاً من معرة النعمان، وفق الأمم المتحدة.
يقول حسام (29 عاماً)، أحد سكانها بعد أسبوع على آخر زيارة إليها: «باتت معدومة الحياة، ليست المعرة التي نعرفها، ليست المدينة التي لا تهدأ».
وكان لمعرة النعمان، كما مدن أثرية أخرى، حصتها من دمار طال تراثها. ففي فبراير (شباط) عام 2013، عمد مقاتلون إلى قطع رأس تمثال الشاعر أبو العلاء المعري (973 - 1057).
واتهم ناشطون في حينه جبهة النصرة، وعرضوا صوراً تظهر تمثالاً نصفياً بني اللون مقطوع الرأس وعليه آثار طلقات نارية.
وأبو العلاء هو أحمد بن عبد الله بن سليمان، ولد في معرة النعمان في عام 973، وفقد بصره في سن مبكرة بعد إصابته بالجدري، لكن ذلك لم يحل دون طلبه العلم.
وأبو العلاء من الأبرز بين أقرانه العرب والشعراء العباسيين، وعُرف بالزهد والتقشف وكونه نباتياً، وأطلق عليه لقب «رهين المحبسين»، نظراً إلى فقدانه البصر وبقائه في المنزل أعواماً طويلة.
ومن أشهر قصائده «هذا جناه علي أبي»، وفيها يقول: «اثنان أهل الأرض، ذو عقل بلا دين، وآخر دين لا عقل له».
تقع معرة النعمان في منطقة جبل الزاوية جنوب غربي إدلب، وهي منطقة معروفة بآثارها، حيث توجد قرى أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو).
وأكثر ما تُعرف به معرة النعمان هو متحف الفسيفساء الضخم، وهو عبارة عن خان عثماني يعود للقرن السادس عشر، يضم مئات لوحات الموزاييك التي تعود للعصرين الروماني والبيزنطي.
في عام 2012، التقط مقاتلون معارضون صوراً لهم داخل المتحف إلى جانب لوحة فسيفساء تظهر مشهد صيد.
وفي يونيو (حزيران) عام 2015، قالت جمعية حماية الآثار السورية إن المتحف تعرض لقصف «ببرميلين متفجرين» ما أسفر عن تعرضه لـ«أضرار بالغة».
إلا أن المدير العام السابق للمديرية العام للآثار والمتاحف في سوريا مأمون عبد الكريم يقول لوكالة الصحافة الفرنسية إن لوحات المتحف بخير.
ويوضح أنه «خلال السنوات الماضية، كان هناك تعاون مجتمعي عبر موظفين قدامى في مديرية الآثار، عملوا على تحييد المتحف، واستخدموا طرقاً علمية عبر تغطية اللوحات بالرمال لتجنيبها أي أضرار قد تطالها جراء الانفجارات أو تخفيف الأضرار بالحد الأدنى». وحمت المجموعة نفسها المتحف من السرقة.
ويُعرف أهالي المعرة، وفق قوله، حتى اليوم «بصناعة الفسيفساء والموزاييك الحديثة»، وكانت ترسل إليهم لوحات فسيفساء أثرية لترميمها.
معرة النعمان... من مدينة تاريخية مفعمة بالحياة إلى سكن لأشباح
معرة النعمان... من مدينة تاريخية مفعمة بالحياة إلى سكن لأشباح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة