محاصرة المحتجين للمعابر تدفع النواب للعبور سراً إلى البرلمان

محتج يلقي حجارة باتجاه قوات الأمن وسط بيروت أمس (د.ب.أ)
محتج يلقي حجارة باتجاه قوات الأمن وسط بيروت أمس (د.ب.أ)
TT

محاصرة المحتجين للمعابر تدفع النواب للعبور سراً إلى البرلمان

محتج يلقي حجارة باتجاه قوات الأمن وسط بيروت أمس (د.ب.أ)
محتج يلقي حجارة باتجاه قوات الأمن وسط بيروت أمس (د.ب.أ)

نجح مئات المحتجين، أمس، في محاصرة مبنى المجلس النيابي اللبناني وقطع الطرق المؤدية إليه وسط بيروت، وذلك لمنع النواب من الوصول والمشاركة في إقرار الموازنة، وهو ما فرض على رئيس المجلس نبيه برّي حصر النقاشات بجلسة واحدة انتهت ظهراً بعدما كان مقرراً لها أن تستغرق يومين.
وتزامن انعقاد الجلسة التي حضرها 76 من أصل 128 نائباً، مع تحركات شعبية على الأرض، وإجراءات أمنية مشددة، فرضتها القوى الأمنية لا سيما فرقة مكافحة الشغب، بمؤازرة من وحدات الجيش اللبناني سواء في ساحة النجمة، أو الشوارع والممرات المؤدية إلى مقر البرلمان. ويحتج معارضون على إقرار الموازنة رغم تضمنها أرقاماً يقولون إنها لا تتطابق مع أرقام الواردات والنفقات، وتفتقر إلى إجراءات تخفيف العجز، ولا تضع حداً لتنامي الدين العام.
وتأثرت وقائع الجلسة داخل القاعة العامة بما يجري خارج المجلس، ما دفع بالرئيس برّي إلى منع أي نائب من مغادرة مبنى المجلس، لأنه لن يستطيع العودة إلى داخله. وقال: «عملنا السبعة وذمّتها حتى مكنّا النواب من الوصول إلى المجلس»، ولذلك فإنه يجب عدم السماح بخروجهم خشية ألا يتمكنوا من العودة. ودخل الكثير من النواب مقر المجلس في إطار خطة أمنية محكمة بقيت سريّة لتأمين انعقاد جلسة الموازنة، في وقت حصلت احتكاكات بين متظاهرين ومواكب بعض النواب، قبل أن يتدخّل الجيش ويسهّل اجتياز المشرّعين الحواجز البشرية التي أقامها المحتجون.
وشهدت مداخل مجلس النواب عمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمتظاهرين الذين توزّعوا على كلّ المداخل المؤدية إلى مقرّ البرلمان، سواء من جهة ساحة الشهداء، باب إدريس، مدخل شارع المصارف، لكنّ أكثرها حدّة كانت عند المدخل القريب من مبنى صحيفة «النهار» حيث وقعت مواجهات بين فرقة مكافحة الشغب والمتظاهرين الذين تمكن بعضهم من إزالة السياج الشائك والعوائق الحديدية، ما استدعى تدخلاً فورياً للقوى الأمنية التي أخرجت المحتجين ودفعتهم إلى التراجع عشرات الأمتار، وعندها بدأ المحتجون برشق القوى الأمنية بالحجارة. وأفيد بوقوع عدد من الإصابات، إذ نقلت سيارات الصليب الأحمر ثمانية مصابين إلى المستشفيات، فيما قدّم مسعفون مساعدة لـ19 مصاباً في مكان المواجهات التي أدت إلى اعتقال أربعة أشخاص واقتيادهم إلى ثكنة الحلو التابعة لقوى الأمن الداخلي للتحقيق معهم.
وعبّر محتجون عن غضبهم للتعامل الأمني معهم بـ«طريقة مستفزّة»، مشيرين إلى نصب حواجز على الطريق بين طرابلس بيروت، حيث تم إخضاع القادمين من شمال لبنان إلى العاصمة عبر الحافلات إلى تدقيق بهوياتهم، ونزع أقنعة كان يرتديها بعضهم للوقاية من تأثيرات القنابل المسيلة للدموع والقنابل الدخانية. وأكد بعض المحتجين الاستمرار بـ«الضغط حتى إسقاط حكومة حسّان دياب، التي تشكل استمراراً للحكومة السابقة»، بحسب رأيهم. وطالبوا النواب الذين تغيّبوا عن جلسة إقرار الموازنة بـ«تقديم طعن أمام المجلس الدستوري لإبطالها، لأنها موازنة غير دستورية وستزيد من نسبة العجز في الموازنة، وخالية من أي بنود إصلاحية».
ويتخوّف المحتجون من اعتماد القوّة وسياسة القمع من قبل الحكومة الجديدة، حيال تحركاتهم. إلا أن مصدراً أمنياً نفى استخدام القوّة والعنف مع المتظاهرين بهدف وأد الانتفاضة الشعبية. وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن العناصر الأمنية «نفّذت مهمتها بنجاح في حفظ الأمن وتمكين النواب من الوصول إلى مقرّ المجلس». وقال: «ما زلنا ملتزمين بتعليمات وزير الداخلية (محمد فهمي) والمدير العام لقوى الأمن الداخلي (اللواء عماد عثمان)، الرامية إلى حماية المتظاهرين السلميين، وفي نفس الوقت منع أي محاولة للعبث بالأمن والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة». وأشار المصدر إلى أن «الإصابات التي وقعت في صفوف المحتجين (أمس) حصلت خلال عمليات التدافع وليس نتيجة اعتداء أو ضرب متعمّد لهم»، لافتاً إلى «إصابة بعض عناصر الأمن جراء رشقهم بالحجارة والعوائق الحديدية».
واعتبر الناشط في الحراك الشعبي الدكتور مكرم رباح أن «مشكلة لبنان ليست فقط اقتصادية ومالية، بل في السقوط السياسي الذي أوصل البلد إلى الإفلاس». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «لا خوف على الثورة رغم القمع الذي تتعرّض له». واعترف ضمناً بأن كثيرين انكفأوا وغادروا «ساحات الثورة»، جرّاء الهجوم المضاد عليهم من مناصري «حزب الله» وحلفائه، إلا أنه رأى أن «المواجهة مع المنظومة الفاسدة ليست في الساحات فحسب، بل في المجتمع ككل وحتى في البيوت، والثورة مستمرة حتى تحقيق أهدافها».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.