في المرات السابقة التي كان يجري فيها استهداف السفارة الأميركية في بغداد كانت حملات الإدانة والاستنكار تأتي من الحكومة العراقية أو من الكتل والقوى السياسية التي تصنف على أنها إما صديقة للأميركيين، وإما ذات مواقف محايدة على الأقل. ومع أن استهداف المنطقة الخضراء؛ حيث مقر السفارة الأميركية، لم يتوقف تقريباً حتى بعد حادثة اقتحام السفارة أواخر العام الماضي، ومقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد مطلع هذا العام، فإنه كان إما يمر مرور الكرام، وإما ربما تصدر بيانات خجولة من الحكومة أو بعض الكتل السياسية.
لكن الصواريخ الخمسة التي استهدفت السفارة، أول من أمس، وسقط صاروخ منها وللمرة الأولى داخل السفارة، غيرت مستوى الإدانة ليشمل هذه المرة حتى القوى المصنفة على أنها قريبة من إيران مثل «كتلة الفتح» البرلمانية بجناحيها: «بدر» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، والفصائل الموالية لإيران؛ وفي المقدمة منها «كتائب حزب الله».
المفارقة اللافتة للنظر في مستوى ودلالات بيانات الشجب والاستنكار أنه في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية العراقية في بيانها أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية، فإن القيادي في «العصائب»، جواد الطليباوي، أطلق تسمية «سفارة الشر» على السفارة الأميركية في بغداد.
وفي حين عدّت الخارجية الهجوم مجرد سحابة صيف في سياق العلاقة القوية بين البلدين، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي عدّ القصف إحراجاً وعنصر إضعاف للدولة و«يؤدي إلى الإضرار بالمصالح العليا للبلد وعلاقاته بأصدقائه، مما قد يجر العراق ليكون ساحة حرب، خصوصاً في وقت بدأت فيه الحكومة بإجراءات تنفيذ قرار مجلس النواب بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد».
الجهات التي لها صلات قوية مع إيران داخل الحكومة العراقية عدّت الاستهداف عملاً تخريبياً يعرقل رحيل القوات الأجنبية عن العراق. وهذا ما عبر عنه العامري الذي قال في بيان إن «هذه الأعمال التخريبية هدفها خلق الفتنة وإعاقة مشروع السيادة ورحيل القوات الأجنبية، التي صوت عليها مجلس النواب العراقي»، داعياً الحكومة إلى «العمل الجاد في حماية البعثات الدبلوماسية، وكشف المتورطين بها». أما القيادي في حركة «عصائب أهل الحق» جواد الطليباوي فقد نفى وقوف «فصائل المقاومة» وراء القصف.
«كتائب حزب الله»، من جهتها، أعلنت رفضها العملية رغم أنها عدّت في بيان أنها رد فعل طبيعي من قبل العراقيين وإن كانت «بمثابة إحراج» للحكومة العراقية. كما أعلنت «هيئة الحشد الشعبي» والفصائل المنتمية لها التبرؤ من هذا العمل، مبينة في بيان لها أن «الجماعات التي قامت بهذا العمل تعبر عن نفسها، و(الحشد الشعبي) لا يتبنى أي عملية».
وفي ظل هذه التداعيات، يستمر مسلسل الإدانات من القوى التي تقف دائماً ضد مثل هذه العمليات مثل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وزعيم «جبهة الإنقاذ والتنمية» أسامة النجيفي.
من جهته، يؤكد عضو البرلمان العراقي وعضو لجنة الأمن والدفاع محمد الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «استهداف السفارة الأميركية بين آونة وأخرى بات يمثل مشكلة للجميع، خصوصاً الدولة والمؤسسات التي تريد أن يكون سياق عمل الدولة طبيعياً ولا يتأثر بجهات أو عناصر تحاول خلق مشاكل وأزمات في ظل أوضاع غير طبيعية تمر بها البلاد». ويضيف الكربولي أن «السفارة الأميركية في العراق لا تختلف عن سواها من البعثات الدبلوماسية المحمية بموجب الاتفاقيات الدولية، وبالتالي، فإن أي استهداف لها يؤثر كثيراً في مصداقية العراق كدولة يجب أن تحافظ على تعهداتها بصرف النظر عن وجود مشكلة هنا أو هناك». وأضاف أن «الأهم بالنسبة لنا هو أننا لا نريد أن تتحول السفارة إلى هدف يجري ضربه تحت هذه الذريعة أو تلك ليرد الأميركيون، لأن ذلك يعد إضعافاً لسلطة الدولة»، مبيناً أن «الحكومة يجب أن تتصرف بقوة حيال عمليات انتهاك السيادة من كلا الطرفين؛ الذي يستهدف سفارة دولة أجنبية، أو تلك الدولة حين ترد بحجة الرد على استهدافها وتنتهك سيادة البلد».
أما عضو البرلمان العراقي عن «تحالف الفتح» ووزير الداخلية الأسبق محمد سالم الغبان، فقد أكد من جهته لـ«الشرق الأوسط» أن «استهداف السفارات عمل مرفوض من قبلنا لأن هذا العمل يعدّ اعتداء على سيادة الدولة وتجاوزاً على الأعراف الدبلوماسية ومبادئ العلاقات الدولية». وأضاف الغبان: «إننا نشدد على الحكومة العراقية أن تتخذ كل الإجراءات والسبل لمعرفة الجهات أو الأشخاص الذين يقومون بهذه الاعتداءات وتقديمهم إلى العدالة»، مبيناً أن «هذه الممارسات الفردية التي تقوم بها جهات مجهولة تعقد مسار إنهاء وجود قوات التحالف الدولي، الذي تم تحديده من قبل الحكومة والقوى السياسية وقادة فصائل المقاومة من خلال الطرق السياسية والدبلوماسية والإجراءات الحكومية». وأوضح أنه «في الوقت نفسه نرفض أي إشارات أو تلميحات من الإدارة الأميركية بالرد على ضرب السفارة باستهداف قطعات ومقار (الحشد الشعبي) الذي أكدنا تكراراً ومراراً أنه جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية وملتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، ولا يتحمل مسؤولية أي ممارسات أو أفعال غير قانونية قد ترتكب من بعض الجهات أو الفصائل التي هي في الوقت نفسه لديها مشاركة في (الحشد الشعبي)».
جهات عراقية مقربة من إيران تتبرأ من قصف السفارة الأميركية
بغداد أشادت بـ«العلاقة الاستراتيجية» مع واشنطن
جهات عراقية مقربة من إيران تتبرأ من قصف السفارة الأميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة