جهات عراقية مقربة من إيران تتبرأ من قصف السفارة الأميركية

بغداد أشادت بـ«العلاقة الاستراتيجية» مع واشنطن

TT

جهات عراقية مقربة من إيران تتبرأ من قصف السفارة الأميركية

في المرات السابقة التي كان يجري فيها استهداف السفارة الأميركية في بغداد كانت حملات الإدانة والاستنكار تأتي من الحكومة العراقية أو من الكتل والقوى السياسية التي تصنف على أنها إما صديقة للأميركيين، وإما ذات مواقف محايدة على الأقل. ومع أن استهداف المنطقة الخضراء؛ حيث مقر السفارة الأميركية، لم يتوقف تقريباً حتى بعد حادثة اقتحام السفارة أواخر العام الماضي، ومقتل قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس بغارة أميركية بالقرب من مطار بغداد مطلع هذا العام، فإنه كان إما يمر مرور الكرام، وإما ربما تصدر بيانات خجولة من الحكومة أو بعض الكتل السياسية.
لكن الصواريخ الخمسة التي استهدفت السفارة، أول من أمس، وسقط صاروخ منها وللمرة الأولى داخل السفارة، غيرت مستوى الإدانة ليشمل هذه المرة حتى القوى المصنفة على أنها قريبة من إيران مثل «كتلة الفتح» البرلمانية بجناحيها: «بدر» بزعامة هادي العامري، و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، والفصائل الموالية لإيران؛ وفي المقدمة منها «كتائب حزب الله».
المفارقة اللافتة للنظر في مستوى ودلالات بيانات الشجب والاستنكار أنه في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الخارجية العراقية في بيانها أن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية استراتيجية، فإن القيادي في «العصائب»، جواد الطليباوي، أطلق تسمية «سفارة الشر» على السفارة الأميركية في بغداد.
وفي حين عدّت الخارجية الهجوم مجرد سحابة صيف في سياق العلاقة القوية بين البلدين، فإن رئيس حكومة تصريف الأعمال عادل عبد المهدي عدّ القصف إحراجاً وعنصر إضعاف للدولة و«يؤدي إلى الإضرار بالمصالح العليا للبلد وعلاقاته بأصدقائه، مما قد يجر العراق ليكون ساحة حرب، خصوصاً في وقت بدأت فيه الحكومة بإجراءات تنفيذ قرار مجلس النواب بانسحاب القوات الأجنبية من البلاد».
الجهات التي لها صلات قوية مع إيران داخل الحكومة العراقية عدّت الاستهداف عملاً تخريبياً يعرقل رحيل القوات الأجنبية عن العراق. وهذا ما عبر عنه العامري الذي قال في بيان إن «هذه الأعمال التخريبية هدفها خلق الفتنة وإعاقة مشروع السيادة ورحيل القوات الأجنبية، التي صوت عليها مجلس النواب العراقي»، داعياً الحكومة إلى «العمل الجاد في حماية البعثات الدبلوماسية، وكشف المتورطين بها». أما القيادي في حركة «عصائب أهل الحق» جواد الطليباوي فقد نفى وقوف «فصائل المقاومة» وراء القصف.
«كتائب حزب الله»، من جهتها، أعلنت رفضها العملية رغم أنها عدّت في بيان أنها رد فعل طبيعي من قبل العراقيين وإن كانت «بمثابة إحراج» للحكومة العراقية. كما أعلنت «هيئة الحشد الشعبي» والفصائل المنتمية لها التبرؤ من هذا العمل، مبينة في بيان لها أن «الجماعات التي قامت بهذا العمل تعبر عن نفسها، و(الحشد الشعبي) لا يتبنى أي عملية».
وفي ظل هذه التداعيات، يستمر مسلسل الإدانات من القوى التي تقف دائماً ضد مثل هذه العمليات مثل رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم «تيار الحكمة» عمار الحكيم، وزعيم «جبهة الإنقاذ والتنمية» أسامة النجيفي.
من جهته، يؤكد عضو البرلمان العراقي وعضو لجنة الأمن والدفاع محمد الكربولي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «استهداف السفارة الأميركية بين آونة وأخرى بات يمثل مشكلة للجميع، خصوصاً الدولة والمؤسسات التي تريد أن يكون سياق عمل الدولة طبيعياً ولا يتأثر بجهات أو عناصر تحاول خلق مشاكل وأزمات في ظل أوضاع غير طبيعية تمر بها البلاد». ويضيف الكربولي أن «السفارة الأميركية في العراق لا تختلف عن سواها من البعثات الدبلوماسية المحمية بموجب الاتفاقيات الدولية، وبالتالي، فإن أي استهداف لها يؤثر كثيراً في مصداقية العراق كدولة يجب أن تحافظ على تعهداتها بصرف النظر عن وجود مشكلة هنا أو هناك». وأضاف أن «الأهم بالنسبة لنا هو أننا لا نريد أن تتحول السفارة إلى هدف يجري ضربه تحت هذه الذريعة أو تلك ليرد الأميركيون، لأن ذلك يعد إضعافاً لسلطة الدولة»، مبيناً أن «الحكومة يجب أن تتصرف بقوة حيال عمليات انتهاك السيادة من كلا الطرفين؛ الذي يستهدف سفارة دولة أجنبية، أو تلك الدولة حين ترد بحجة الرد على استهدافها وتنتهك سيادة البلد».
أما عضو البرلمان العراقي عن «تحالف الفتح» ووزير الداخلية الأسبق محمد سالم الغبان، فقد أكد من جهته لـ«الشرق الأوسط» أن «استهداف السفارات عمل مرفوض من قبلنا لأن هذا العمل يعدّ اعتداء على سيادة الدولة وتجاوزاً على الأعراف الدبلوماسية ومبادئ العلاقات الدولية». وأضاف الغبان: «إننا نشدد على الحكومة العراقية أن تتخذ كل الإجراءات والسبل لمعرفة الجهات أو الأشخاص الذين يقومون بهذه الاعتداءات وتقديمهم إلى العدالة»، مبيناً أن «هذه الممارسات الفردية التي تقوم بها جهات مجهولة تعقد مسار إنهاء وجود قوات التحالف الدولي، الذي تم تحديده من قبل الحكومة والقوى السياسية وقادة فصائل المقاومة من خلال الطرق السياسية والدبلوماسية والإجراءات الحكومية». وأوضح أنه «في الوقت نفسه نرفض أي إشارات أو تلميحات من الإدارة الأميركية بالرد على ضرب السفارة باستهداف قطعات ومقار (الحشد الشعبي) الذي أكدنا تكراراً ومراراً أنه جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية وملتزم بأوامر القائد العام للقوات المسلحة، ولا يتحمل مسؤولية أي ممارسات أو أفعال غير قانونية قد ترتكب من بعض الجهات أو الفصائل التي هي في الوقت نفسه لديها مشاركة في (الحشد الشعبي)».


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.