الفروسية في غزة... حين تقفز الفتيات عن حواجز العادات والتقاليد

رياضة تعاني من القيود الإسرائيلية وغياب الداعمين

الفارسة موناليزا برفقة خيلها على شاطئ بحر غزة (الشرق الأوسط)
الفارسة موناليزا برفقة خيلها على شاطئ بحر غزة (الشرق الأوسط)
TT

الفروسية في غزة... حين تقفز الفتيات عن حواجز العادات والتقاليد

الفارسة موناليزا برفقة خيلها على شاطئ بحر غزة (الشرق الأوسط)
الفارسة موناليزا برفقة خيلها على شاطئ بحر غزة (الشرق الأوسط)

«على ظهر الخيل، أطير فرحاً وأشعر بحريةٍ أنتصر من خلالها على كلّ تفاصيل الواقع الصّعب الذي يعيشه قطاع غزّة»، بهذه الكلمات عبّرت الفارسة موناليزا أبو سعدة، عن شعورها حين تمتطي خيلها، وتذهب للتدرب داخل الساحة التابعة لنادي الفارس الرياضي الذي يقع على مقربةٍ من بحر غزّة، وتوضح في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط» أنّ الفروسية علمتها أشياء كثيرة، منها الثقة بالنفس والشجاعة.
ومنذ نحو عام، اعتادت الفتاة على زيارة النادي بصورةٍ شبه أسبوعية، لتقضي وقتاً في التدرب على ركوب الخيول، ولتتعرف على أنواعها وميزات كل نوع وأساليب التعامل معها التي تعتمد على الصمت والإيماءات، ويساعدها في ذلك عدد من المدربين الذين اكتسبوا خبراتهم بالفروسية من التجربة العملية ومواقع الإنترنت، كون إسرائيل تمنع في كثير من الأحيان تنقلهم للخارج لأجل اكتساب المعارف الخاصّة بالمجال.
وتتحدث موناليزا البالغة من العمر (16 سنة) لـ«الشرق الأوسط»، عن بداية علاقتها بالخيول، قائلةً إنّ «الحيوانات بشكلٍ عام كانت في السابق تسبب لي الخوف، ولا أذكر أنّي تعاملت مع إحداها في الصغر، وقرار التدرب على الخيل، كان بصورة أساسية لكسر ذلك الحاجز، وبعد التجربة الأولى أدركت أنّي كنت مخطئة كثيراً في طبيعة فكرتي السابقة عن الحيوانات»، مبيّنةً أنّها وجدت في تلك الرياضة راحة وهدوءاً نفسياً كبيرين.
وحتّى هذه اللحظة لم تمتلك الفتاة خيلاً خاصاً، وهي تستعمل الخيل الخاص بالنادي الذي تتلقى فيه التدريب، كونها لا تزال في مراحل تدريبها المتوسطة، وتنوه بأنّها شاركت خلال الفترة الماضية بعدد من عروض ركوب الخيل التي نُظمت داخل قطاع غزة، مستدركةً أنّها تطمح مستقبلاً في أن تكون قادرةً على المشاركة في بطولات قفز الحواجز وغيرها، وتتمكن من إحراز مراكز متقدمة خلالها، لا سيما أنّها تتدرب على ذلك الأمر حالياً.
وليست موناليزا هي الفتاة الوحيدة في القطاع التي لجأت لهذه الرياضة، فعشرات أخريات، عكفن خلال الفترة الماضية على الالتحاق بالنوادي التي تدرب عليها، والفتاة علا سعدية، شاركت إلى جانب شقيقتها سعدية في تلك التدريبات أيضاً، وشاركتا في البطولات لتطفئا شغف حب الخيل الذي صار مع الوقت صديقاً لهما يفهمهما ويطيع أمرهما.
ولا يتعارض وقت ممارسة رياضة ركوب الخيل مع أجزاء اليوم التي تمنحها الفارسات لمتابعة دروسهن، كون معظمهن يدرسن في المدارس أو الجامعات، وهنّ بذلك يتحدين النظرة المجتمعية التي تواجه الفتيات المقبلات على ممارسة أيّ نوع رياضة، التي غالباً ما تكون سلبية، بسبب الطبيعة الذكورية للشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وأهل غزة بصورةٍ خاصّة، واستطعن كذلك خلال فترة قصيرة كسر تلك النظرة، بما يمتلكنه من قدرات ومواهب أثبتت أنّهن أكبر من أيّ قول أو انتقاد ممكن أن يجري على لسان الناس.
بدوره، يشير الكابتن عبد الرحمن ذياب، وهو من بين الأشخاص الذين يدربون الفرسان والفارسات في نادي الفارس الفلسطيني، إلى أنّ تدريب الفتيات والذكور يتم بشكلٍ متوازٍ، من دون أيّ تفرقة، فالجنسان يمتلكان القدرات نفسها في هذا المجال، شارحاً أنّ فوائد تلك الرياضة هي تنشيط الجسد بشكلٍ عام، وبالأخص الجزء المتعلق بالدماغ، وهي كذلك تعزز الثقة بالنفس وتسهم في تقوية الشخصية. وينوه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأنّ رياضة الفروسية شهدت في القطاع خلال السنوات الماضية، إقبالاً ملموساً من مختلف الفئات المجتمعية، خصوصاً الفتيات، ويرجع السبب في ذلك حسب كلامه، لحالة الانفتاح التي يعيشها الناس، والمرتبطة بالتطور التقني والتكنولوجي، إضافة لدعم العائلات لأبنائهم وتشجعيهم على ممارسة تلك الرياضة، متابعاً: «في هذا الوقت يبلغ عدد الأشخاص المنتمين للنادي نحو 80 فارساً وفارسة، يجيدون التعامل مع كلّ أنواع الخيول، وركوبها».
وتواجه رياضة ركوب الخيل في قطاع غزّة، عدداً من المشكلات؛ أولاها عدم توفر الأماكن المجهزة الواسعة، فالمتوافر هو ساحات تدريب وإسطبلات متواضعة، والسبب في ذلك هو الحصار الإسرائيلي الذي يمنع كثيراً من إدخال المواد اللازمة لإنشاء تلك المساحات، ومشكلة أخرى يتسبب بها الاحتلال، إذ إنّه يمنع استيراد الخيول بشكل موسع، ويفرض قيوداً على ذلك، كما أنّ غياب الداعمين والراعين لتلك الرياضة يجعل منها هامشاً بين الرياضات الأخرى.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».