الجزائر تبحث عن تجاوز «العقدة الفرنسية» في شؤون الحكم والاقتصاد

زيارة إردوغان تمثل للنظام الجديد نافذة لتنويع الشراكات التجارية والسياسية

TT

الجزائر تبحث عن تجاوز «العقدة الفرنسية» في شؤون الحكم والاقتصاد

يسعى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبَون، الذي استلم الحكم قبل شهر ونصف الشهر، إلى البحث عن شراكات اقتصادية وسياسية جديدة خارج العلاقات التقليدية التي تربط بلاده بأوروبا، خصوصاً فرنسا. وشكلت زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إلى الجزائر، أمس، منطلقاً لهذا التوجه الجديد في السياسة الخارجية في عهد خليفة عبد العزيز بوتفليقة، حسب مراقبين.
وروَّجت وسائل الإعلام الحكومية للزيارة، التي تدوم يومين، على نطاق واسع في الأيام الأخيرة من خلال عرض إحصائيات عن «الاقتصاد التركي الرائد في أوروبا»، وعن «النفوذ التركي السياسي الذي يزداد اتساعاً بمنطقة الشرق الأوسط»، و«حنكة إردوغان الدبلوماسية»، و«التأييد الشعبي الكبير، داخلياً، لسياساته». وتعكس هذه النظرة لتركيا، ضمناً، إرادة الفريق الجديد في السلطة الجزائرية التخلص من «الهيمنة الفرنسية» على اقتصاد البلد، وحتى على شكل ونمط تسيير مؤسساته وأجهزته الحكومية، وهي حالة من التبعية تكرست، حسب رجال الحكم الجدد، خلال فترة حكم الرئيس الجديد. يشار إلى أن تبَون كان وزيراً في حكومة بوتفيلقة، لسنوات طويلة، وترأس الحكومة لمدة شهرين فقط في 2017.
وقال أستاذ العلوم السياسية والباحث في القضايا الدولية، قوي بوحنية، بخصوص الزيارة، لـ«الشرق الأوسط»، هناك رغبة من طرف إردوغان لتشكيل حلفي سياسي وأمني غير معلن، تكون الجزائر أحد ركائزه. وتملك أنقرة، حسب الباحث، «تصوراً استراتيجياً نحو أفريقيا، وهي أن تجعل القرن الـ21 قرناً أفريقياً في سياستها الخارجية. وترى أن الجزائر مدخل مهم لهذه الرؤية، واعتقادي أن تبون وإردوغان يتقاطعان في كثير من الآراء والمواقف حول المسائل الاقتصادية والسياسية التي تهم الجزائر وتركيا». ولاحظ قوي أن العقيدة الأمنية للجيش الجزائري التي تقوم على عدم خوض حروب خارج الحدود، ومقومات الدبلوماسية الجزائرية القاضية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان، تجعلان البلدين في خلاف، ولكنه ليس جوهرياً، ولا يمكن أن يكون عائقاً يحول دون تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وذلك في إشارة إلى تباعد المواقف من مسألة التدخل العسكري في ليبيا. وأضاف قوي: «المنطق البراغماتي الاقتصادي التركي يظل محوراً مهماً لهذه الزيارة، والدليل على ذلك حجم الملفات وعدد رجال الأعمال المرافقين لإردوغان».
وبشأن العلاقات مع فرنسا، التي يتوقع أن تشهد تغيراً، قال الباحث: «يخطئ من يعتقد أن العلاقات الجزائرية الفرنسية يحكمها المزاج الشخصي للرؤساء. فهي، خصوصاً من الجانب الفرنسي، قائمة على روابط المصالح، ناهيك عن عقدة الهيمنة الاستعمارية الفرنسية المستحكمة في قطاع من الطبقة السياسية الفرنسية».
من جانبه، كتب وزير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة سابقاً عبد القادر سماري، عن الزيارة، قائلاً إن العلاقات بين الجزائر وتركيا في المجالين السياسي والدبلوماسي «لا يمكن أن تخرج عن التنسيق بخصوص دعم القضية الفلسطينية، وإرساء قواعد للتعاون الاستراتيجي في القضايا الإقليمية والدولية. وفي المجال الثقافي، هناك أمران: حماية ونشر وتوظيف التراث المشترك، وتوسيع مجالات استعمال اللغة العربية. أما في المجال العلمي، فبإمكان البلدين تبادل الخبرات العلمية على جميع المستويات، وتوظيف نتائج البحث العلمي والابتكار لتحقيق التنمية بين الطرفين. في حين أن إصلاح المؤسسات المالية والمصرفية، وتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، هو العمود الفقري في الشق الاقتصادي من العلاقات الثنائية». يشار إلى أن وزير خارجية فرنسا، جان إيف لودريان، زار الجزائر، الثلاثاء الماضي، وتم الاتفاق على إنهاء فتور تشهده العلاقات الثنائية يدوم منذ سنة، بسبب مآخذ على فرنسا بأنها «ضالعة» في الأحداث السياسية الداخلية، وبأنها «كانت تدعم المجموعة الحاكمة سابقاً».
واستقبل تبَون، إردوغان، بالمطار، ظهر أمس، وتوجه الرئيس التركي بعدها إلى «منتدى رجال الأعمال الجزائري التركي» الذي عقد بفندق في العاصمة، حيث ترأس أشغاله مع رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد. والمنتدى عبارة عن فضاء هيكلي يعقد اجتماعات سنوية لبحث التعاون الاقتصادي الثنائي. وجاء في وكالة الأنباء الجزائرية أن «التعاون بين البلدين عرف ديناميكية كبيرة خلال السنوات الأخيرة، بفضل تجسيد عدة مشاريع استثمارية بالشراكة، ورفع قيمة المبادلات التجارية». ويرافق إردوغان في زيارته 156 رجل أعمال يبحثون، حسب الحكومة الجزائرية، «فرصاً جديدة للشراكة والاستثمار في ظل التطورات الإيجابية التي عرفها مؤخراً التشريع الجزائري، لا سيما تعديل قاعدة 49 - 51 في المائة التي تحكم الاستثمارات الأجنبية»، وذلك في إشارة إلى منظومة نصوص كانت تفرض على المستثمر الأجنبي أن يُدخل شريكاً جزائرياً معه في أي مشروع، على ألا تتعدى حصته في رأس المال 49 في المائة».



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.