«بان آراب ميديا»

«بان آراب ميديا»
TT

«بان آراب ميديا»

«بان آراب ميديا»

من بين أكثر الأشياء غرابة بالنسبة إلى باحث لغته الأولى هي العربية، أن يجد صعوبة في توفير معلومات ومقاربات بحثية جادة عن موضوع يقع في صلب الاهتمام العربي بتلك اللغة نفسها، في مقابل فيض مشبع من المقاربات باللغات الأخرى.
ربما يقدم هذا تفسيراً مقنعاً لكتابة عنوان هذا المقال على نحو بات متداولاً بدرجة ملحوظة؛ إذ يُكتب المصطلح الإنجليزي بالحروف العربية، قبل أن يوضع ما بين مزدوجين؛ وهو أمر يحدث في مجال الفكر والبحث عادة عندما تغيب الترجمة المرضية للمصطلح الأجنبي، أو تبقى عاجزة عن الوفاء بالدلالة المكتملة.
لقد قرأت كثيراً في الجوانب المتعلقة بالمسافة ما بين اللغة والدلالة، ووجدت كلاماً مقنعاً لدى نعوم تشومسكي في هذا الصدد؛ فقد ذهب في محاولة تقييمه لدور اللغة في حياة الجماعات الإنسانية إلى أن اللغة ليست فقط وسيلة للتعبير عن الأفكار، بل أيضاً «وسيلة لخلق الأفكار».
يربط هذا التقييم الأخير بين اللغة وطريقة تفكير الجماعات البشرية التي تتواصل بها، وهو الأمر الذي أثبتته سابقاً بحوث ودراسات موثوقة، أجريت في ثلاثينيات القرن الفائت، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك، كما فعلت دراسة العالمين إدوارد سابير وبنجامين لي وورف، التي وجدت أن «اللغة تشكل طريقة تفكيرنا، وتحدد ما يمكن أن نفكر فيه».
من هذا المنطلق، لم يُخلق مرادف لمصطلح «بان آراب ميديا» في منطقتنا، بل ظهر أولاً في الغرب؛ حين فكرت دول لديها مصالح في المنطقة في اتخاذ نقاط ارتكاز إعلامية ودعائية لصيانة تلك المصالح وتعزيزها، عبر إنشاء وسائل إعلام قادرة على مخاطبة الجمهور في مساحة تمتد من مسقط إلى طنجة.
وعندما انتبهت بعض الدول العربية لخطورة عدم امتلاك وسيلة إعلام قادرة على مخاطبة الإقليم والوصول إلى الجمهور في معظم دوله، في ظل امتلاكها مشروعات «فوق محلية»، جاءت إلى هذا المضمار متأخرة، فلم يُصك أبداً المصطلح العربي المقابل لهذا المصطلح المستقر (بان آراب ميديا)، ولم يصبح عنواناً لمحور بحثي مستقر في دواليب الأكاديميات ورفوف المكتبات.
كانت مصر أول دولة عربية تطور وسائل إعلام يمكن أن تندرج تحت العنوان «بان آراب ميديا»، لكنها لم تعد الآن ضمن الدول التي تمتلك وسائل نافذة في هذا الصدد؛ وهو أمر يشير بوضوح إلى السمة الأولى التي تتميز بها الوسائل التي تلعب هذا الدور: «الدور ليس إرثاً مستحقاً، ولا ضمان للاستدامة».
عندما تعاين الفاعلين الرئيسين في ساحة الـ«بان آراب ميديا»، وترى بينهم الأميركي، والروسي، والإيراني، والتركي، والبريطاني، والفرنسي، والألماني، والصيني، والهولندي، وغيرهم، في مقابل العدد المحدود من الدول العربية التي استطاعت إطلاق وسائل قادرة على التمركز الفعال وسط هذا الازدحام، ستدرك السمة الثانية لهذه الوسائل: «يمتلكها الفاعلون، والقادرون على الفعل».
تفيد أي متابعة دقيقة لنادي أصحاب الـ«بان آراب ميديا» أنهم يفضلون دوماً إبقاء المنصات فعالة وقادرة على لعب الأدوار المطلوبة في كافة الأوقات، لكنهم لا يضخون الموارد الفائقة، ويخصصون الجهود الضخمة، ويصلون بحالة الفاعلية إلى طاقتها القصوى إلا في حالات محددة، تتصل بالطلب السياسي، وهنا تظهر السمة الثالثة لهذه الوسائل بوضوح: «أدوات لتمكين مشروعات سياسية، يمكن أن تُحجم المهنية نزوعها الدعائي، من دون أن تهذبه تماماً».
وكما أن الأدوار الإقليمية، والقدرة على التأثير في مجريات السياسة الدولية، ليست قدراً أو هبة لا تُرد، فإن امتلاك وسائل إعلام قادرة على النفاذ والتأثير في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العربي ليس حقاً تاريخياً، وإنما هو فرصة متاحة لكل فاعل سياسي لديه حصة معتبرة من التأثير الإقليمي، وقدرة على تمويل نفقات التمركز المطلوب، وإدارته بجدوى يمكن إدراك عوائدها.
فلماذا نشطّت روسيا ما لديها من «بان آراب ميديا» في عهد بوتين؟ ولماذا ضخت تركيا المزيد من الموارد في هذا الإطار بموازاة صعود «الإخوان» على أسنة رماح «الانتفاضات» قبل عقد من الزمن؟ ولماذا أغلق البريطانيون خدمات في بقاع مختلفة من العالم، وظلوا حريصين على بقاء صوتهم «العربي»؟ ولماذا يستثمر الإيرانيون هنا، بينما تحاصرهم الأزمات المالية، وتعتريهم الضغوط الاقتصادية؟
امتلاك وسائل الإعلام ذات النفاذ والتأثير الإقليميين في المنطقة العربية مقاربة غربية مبكرة عبرت عن حالة سياسية عربية معتلة، وتزايد عدد الفاعلين في هذا النطاق راهناً يعكس هشاشة في منطقتنا وقابلية للاستهداف، وعدم اتساق رسائل الفاعلين العرب ضمن هذا الإطار سيُعمق هذه الهشاشة، ويعزز تلك القابلية.



تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن سياسات «ميتا» لحماية المستخدمين بعد حذف مليوني حساب

شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)
شعار «ميتا» مطبوع بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على لوحة مفاتيح كومبيوتر جوال (رويترز)

أثار قرار شركة «ميتا» بحذف أكثر من مليونَي حساب على منصات «فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«واتساب»، خلال الأشهر الماضية، تساؤلات بشأن سياسات الشركة حول حماية بيانات المستخدمين، لا سيما أن القائمين على القرار برّروا الخطوة بأنها جاءت بهدف «مواجهة عمليات الاحتيال الرقمي». ووفق خبراء تحدَّثوا مع «الشرق الأوسط» فإن «الخطوة تعد تطوراً في سياسات (ميتا) لحماية البيانات».

«ميتا» ذكرت، في تقرير صدر نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن السبب وراء حذف الحسابات هو «رصد عمليات احتيال رقمي كانت قد قامت بها تلك الحسابات». ويُعدّ هذا التقرير الأول الذي تكشف من خلاله «ميتا» عن تفاصيل استراتيجيتها للتصدي للأنشطة الاحتيالية العابرة للحدود. وعدّ مراقبون هذه الخطوة تعزيزاً لاتباع سياسة واضحة تجاه أي اختراق لحماية المستخدمين. وكتبت الشركة عبر مدونتها «لا مكان على (فيسبوك) أو (إنستغرام) أو (واتساب) للمجموعات أو الأفراد الذين يروّجون للعنف، والإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الكراهية».

هيفاء البنا، الصحافية اللبنانية والمدرّبة في الإعلام ومواقع التواصل، رأت في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «ميتا» تعمل على تحديث أدواتها لحماية المستخدمين. وأضافت: «تركز سياسات (ميتا) على الحدِّ من الجريمة المنظمة عبر استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) المتطورة، وتعمل هذه التقنيات على تحليل النشاطات المُريبة على المنصات واكتشاف المحتويات المرتبطة بالجريمة المنظمة».

ووفق البنا فإن «(ميتا) تُراجع وتحدّث سياساتها بشكل دوري، كي تتفادى أي تهديدات تلاحق المستخدمين، وكانت الشركة قد أوضحت أن خوادمها الـ(Servers) المنتشرة في الدول يتم تحديثها بشكل دوري؛ لضمان مواكبة أي تغييرات، ولضمان بيئة أكثر أماناً لمستخدمي منصاتها حول العالم».

وأردفت: «التزاماً بلائحة حماية البيانات العامة، تتعامل (ميتا) مع الأشخاص الذين تُحلّل بياناتهم عبر رموز مشفّرة، وليس عبر أسمائهم الحقيقية، ما يضمن الحفاظ على خصوصياتهم»، مشيرة إلى أن حماية بيانات المستخدمين لا تتوقف على «ميتا» فقط.

إذ شدّدت الإعلامية والمدرّبة اللبنانية على تدابير يجب أن يتخذها المستخدم نفسه لحماية بياناته، إذ توصي مثلاً «بتفعيل خاصية (التحقق بخطوتين/ Two-Factor Authentication)؛ لضمان أمان الحسابات، ويمكن أيضاً استخدام تطبيقات مثل (Google Authentication)، التي تولّد رموزاً سرية تُستخدم للدخول والتحقق من هوية المستخدم، وكذا يمكن استخدام خاصية الإبلاغ التي توفّرها (ميتا) بسرية تامة، حيث يصار إلى التعامل مع هذه البلاغات من خلال فرق مختصة أو تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لضمان بيئة آمنة للجميع».

معتز نادي، المدرّب المتخصص في الإعلام الرقمي، عدّ خلال حوار مع «الشرق الأوسط» تحرّكات «ميتا» الأخيرة انعكاساً لـ«تفاقم مشكلة الاحتيال عبر الإنترنت وزيادة التهديدات السيبرانية التي تواجه المستخدمين». ورأى أن «تحديات (ميتا)» تصطدم بتطور الاحتيال، وازدياد عدد المستخدمين بما يتجاوز نحو مليارَي مستخدم، وتشديد الرقابة الرقمية التي تضعها في مرمى نيران الانتقادات، خصوصاً مع انتقاد خوارزمياتها الكثير من الأحداث السياسية التي شهدها العالم أخيراً.

وحول جدية «ميتا» في حماية بيانات المستخدمين، قال معتز نادي: «بنظرة إلى المستقبل، سيكون الأمان الرقمي بحاجة إلى مجاراة التطور من حيث تقنيات الذكاء الاصطناعي، والعمل على تثقيف المستخدمين عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لمنع أي اختراق لخصوصياتهم».