«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز (7): آلام ألمودوفار تحصد 7 «غويات»

احتمالات الفوز بأوسكار أفضل فيلم تميل صوب «1917»

فوز أنطونيو بانديراس بجائزة غوبا عن «ألم ومجد»
فوز أنطونيو بانديراس بجائزة غوبا عن «ألم ومجد»
TT

«الشرق الأوسط» في موسم الجوائز (7): آلام ألمودوفار تحصد 7 «غويات»

فوز أنطونيو بانديراس بجائزة غوبا عن «ألم ومجد»
فوز أنطونيو بانديراس بجائزة غوبا عن «ألم ومجد»

إنه حقاً موسم الجوائز. وها هي تهطل على الفائزين بها في كل مكان ومع كل مناسبة سينمائية. مثل مطر يبدأ رذاذاً ثم يشتد انهماراً بدأ الموسم بجوائز «غولدن غلوبس» وجوائز مؤسسات نقدية أميركية وعالمية، ثم ازداد تنوّعاً وتعدداً وما زال حتى هذا الأسبوع، قبل نحو عشرين يوماً من حفل الأوسكار المقبل.
وهذه بعض العناوين البارزة في هذا المجال:
> مدير التصوير روجر ديكنز هو من فاز قبل يومين (ليل الجمعة الماضي) بجائزة أفضل مدير تصوير لعام 2019 وذلك عن عمله في فيلم «1917». وهذه هي خامس مرّة يفوز بها ديكنز بهذه الجائزة الفنية التي توزعها «جمعية مديري التصوير الأميركية» كل سنة فقد نالها عن «ذا شوشانك ردمشن» و«الرجل الذي لم يكن هناك» و«سكايفول» ثم «بلايد رَنر 2049» قبل سنتين.
> مساء أول من أمس (السبت) تم توزيع جوائز «غويا» الرابعة والثلاثين، وهي الجوائز الموازية إسبانياً لجوائز «الأوسكار» الأميركية فحقق فيلم «ألم ومجد» (المرشح لأوسكار أفضل فيلم عالمي) سبعة انتصارات: هو أفضل فيلم إسباني، ومخرجه بدرو ألمودوفار هو أفضل مخرج. أنطونيو بانديراس (الذي لعب البطولة في هذه الدراما الشخصية) فاز بجائزة أفضل ممثل كما فاز الفيلم ذاته بجوائز أفضل موسيقى وأفضل توليف (مونتاج) وأفضل ممثلة مساندة (جوليتا سيرانو).
> في الليلة ذاتها، وفي حفلة آخر من حفلات لوس أنجليس العامرة، أعلنت جوائز «جمعية المخرجين الأميركية» فمنحت «1917» أصواتها ليفوز بذلك بالجائزة الثمينة التي قد تفتح له الطريق أمام إحدى جوائز الأوسكار أو عدد منها.
هذه المناسبة شهدت منافسة شديدة بين الأفلام المرشحة. لجانب «1917» كان هناك «الآيرلندي» لمارتن سكورسيزي و«طفيلي» لبونغ دجون هو و«ذات مرّة في هوليوود» لكونتِن تارنتينو، و«جوجو رابِت» لتايكا وايتيتي وكلها خسرت رهاناتها. لم يفت المخرج البريطاني سام مندس أن يذكر في كلمة قبوله الجائزة، منافسيه فقال:
«أشكر كونتن تارنتينو على تحقيق فيلم مليء بالحب لتلك الفترة ولتلك الشخصيات وللأفلام» وأشكر بونغ دجون هو لصنعه أفضل فيلم شاهدته في حياتي حول ماذا يعني أن تكون فقيراً. أشكر تايكا وايتيتي لفيلمه الذي برهن أن التاريخ يمكن سرده بحكمة ومرح. طبعاً أشكر ماتن سكورسيزي الذي وضع كل شيء على الطاولة في ذلك المكان المقفر حيث تنتظر لشخصياته الخلاص. إنه ماستر».
هذه بعض الجوائز التي احتشدت خلال الأيام الثلاثة الماضية لجانب أخرى لا تٌنسى ولو أنها تمر تحت رادار معظم الصحافة غير المتخصصة مثل جائزة «جمعية سينما أوديو» التي منحت «فورد ضد فيراري» جائزتها لهذا العام ومثل جائزة «آني» لسينما الأنيميشن التي منحت فيلم «كلاوس» سبع جوائز بينها جائزة أفضل فيلم، ومثل مهرجان سانتا باربرا الذي فاز فيه «ابن صائد الطيور» لرتشارد هوبرت بجائزة الجمهور.
- صعود وهبوط
هذه الجوائز والأفلام الفائزة بها تشبه فقاعات الماء المغلية بانتظار إسدال الستار على الموسم خلال حفلة الأوسكار التي ستتم في التاسع من الشهر المقبل. والمعاني المستجدة من كل ذلك تتعدد على نحو كبير يشمل كل تلك الأقسام والمسابقات التي يجمعها الأوسكار تحت مظلته.
الحال أن كل هذه الجوائز المسبقة للأوسكار تزيد من دراية المقترعين لهذه الجائزة الكبرى وتؤثر عليهم على أكثر من نحو.
يؤكد ذلك تقدم وتراجع الأفلام في سباقها كما حال سباق السيارات مثلاً. فحتى أسابيع قليلة خلت بدا أن «طفيلي» يقود الأفلام التسعة المرشّحة لأوسكار أفضل فيلم. بعده مباشرة ارتفعت نغمة احتمال فوز «حكاية زواج» وقبلهما كان الرهان كبيراً على «الآيرلندي» من دون أن ينقطع الحديث عن ذلك الفرس الأسود «جوجو رابِت». الآن يبدو «1917» هو الفيلم الأكثر ترجيحاً.
في سباق المخرجين وبعد ارتفاع، ثم هبوط، أسهم كونتن تارنتينو ومارتن سكورسيزي عاد الحديث حول تود فيليبس صاحب «جوكر» ولم ينقطع عن بونغ دجون هو «طفيلي» والآن، أي منذ فوز «1917» بجوائز التصوير والإخراج يرتفع اسم سام مندِز.
كذلك يرتفع أكثر فأكثر اسم واكين فينكس عن «جوكر» واسم أنطونيو بانديراس عن «ألم ومجد» ويتراجع الحديث عن أدام درايفر («حكاية زواج») وليوناردو ديكابريو («ذات مرة في هوليوود»).
الحديث عن الممثلات يضع الاحتمالات تحت ضوء مختلف. من البداية حامت الشبهات فوق رينيه زلويغر عن «جودي» وتبعثرت حول الباقيات: تشارليز ثيرون («بومشل») وسكارلت جوهانسن («حكاية زواج») وسينثيا إريفو («هارييت») وساوريس رونان («نساء صغيرات»).
والواقع أن هناك الكثير مما يمكن إلقاء الضوء عليه معززاً بالاحتمالات وببعض الدلائل. على سبيل المثال نجد أن «طفيلي» الذي يتحدث عن عائلة فقيرة تتاح لها فرصة العمل لدى عائلة ثرية إذا ما كذّبت وادعت أنه لا قرابة بين أفرادها، يشبه بضعة أفلام من الأمس لم تحتو على ممثلين مرشحين للأوسكار. آخر هذه الأفلام كان «سلامدوغ مليونير» سنة 2009 الذي قاد بطولته ممثل هندي لم يكن معروفاً لأحد حينها هو دف باتل. لم يتم ترشيحه بين عداد الممثلين لكن «سلامدوغ مليونير» ذاته فاز بأوسكار أفضل فيلم. ليس أنه من الشروط أن يدخل أي فيلم أكثر من جائزة رئيسية لكن غالبية الأفلام التي تندرج في سباق الأوسكار تفضي إلى دخول من فيها إلى سباقات أخرى كالإخراج والتمثيل والتصوير والكتابة.
«طفيلي» هذه السنة لا يقف وحده في خانة الأفلام التي لا ممثلين لديه يدلفون في سباق التمثيل. هذا حال «جوجو رابِت» و«1917» و«فورد ضد فيراري» أيضاً. الحال مقلوب بالنسبة لمعظم الممثلين والممثلات: أنطونيو بانديراس لاعب أساسي اليوم في ترشيح الممثلين لأوسكار 2020 عن «ألم ومجد» المرشح كأفضل فيلم عالمي (أو أجنبي كما كان أسمه السابق). واكين فينكس عن «جوكر» المدرج في عداد الأفلام المتسابقة كذلك حال ليوناردو ديكابريو وجوناثان برايس وأدام درايفز.
في خانة الممثلات فإن كل المشتركات (ثيرون، زلويغر، جوهانسن، رونان، إريفو) لديهن أفلام في السباق الأساسي (أفضل فيلم) باستثناء سينثيا إريفو عن «هارييت».
- احتمالات سام مندِس
«1917» في الواقع يبرز بين الأعمال المرشحة لأفضل فيلم أكثر مما فعل لحين قوزه قبل أسبوع بجوائز «نقابة المنتجين». تعزيز حظوظ هذا الفيلم الحربي في الأوسكار ليست مبنية فقط على استحقاقه وجودته بل أيضاً على حقيقة أن عدد المنتمين إلى نقابة المنتجين لا يقل كثيراً عن عدد المنتمين إلى أكاديمية العلوم والفنون السينمائية موزعة الأوسكار (نحو 8 آلاف في النقابة مقابل 9 آلاف في الأكاديمية).
بالتالي الفيلم الفائز في جوائز النقابة غالباً ما ينتهي فائزاً بجائزة الأوسكار. وهذا كان الحال في السنوات العشر الأخيرة باستثناء مرتين.
المرّة الأولى كانت عندما منحت «نقابة المنتجين الأميركية» جائزتها لفيلم The Big Short سنة 1917 بينما اختار الأوسكار فيلم «سبوتلايت» لمنحه جائزته. المرّة الثانية قبل ثلاث سنوات: «لا لا لاند» فاز بجائزة النقابة لكنه خسر أمام «مونلايت» على منصة الأوسكار.
على أن احتمال فوز «1917» بأوسكار أفضل فيلم وأوسكار أفضل مخرج أقوى من المثالين المذكورين في هذا الإطار. السبب هو أن الأفلام الأخرى التي لا نجوم مرشحين فيها لجوائز التمثيل (تحديداً «طفيلي» و«فورد ضد فيراري») لديها مشاكل أخرى مهمّة قد تحول دون نيل أوسكار أفضل فيلم.
حالة «طفيلي» تشبه حالة «روما» في العام الماضي عندما نال ألفونسو كوارون أوسكار أفضل مخرج، لكنه لم ينل أوسكار أفضل فيلم. هذا يمكن له أن يتكرر، بل ومن المرجح أن يتكرر هذا العام بناء على حقيقة أخرى وهي أن كل فيلم غير أميركي تم انتدابه لدخول قائمة الترشيحات الأميركية لم يفز بأوسكار أفضل فيلم بل تم تحبيذ فيلم أميركي عليه.
بالنسبة لهذا الفيلم ولفيلم جيمس مانغولد «فورد ضد فيراري» فإن هناك 11 فيلماً فقط في تاريخ الأوسكار فازت بأوسكار أفضل فيلم من دون أن يكون لديها ترشيحات أساسية أخرى ومنها «قلب شجاع» (1995) و«سيد الخواتم: عودة الملك» لبيتر جاكسون (2003) كما «سلامدوغ مليونير» كما ذكرنا.
أهمية وجود ممثلين مرشّحين عن الأفلام المتنافسة للأوسكار لا يمكن التقليل منها. هناك 8469 عضواً مقترعاً في أكاديمية العلوم والفنون السينمائية بينهم 1324 ممثلاً وممثلة. لكن، وكما في الحالات المذكورة أعلاه، هناك اختراقات قد تسحب بساط الممتنعين من الممثلين عن منح أصواتهم لفيلم خال من الممثلين والممثلات المرشحين من بينها حقيقة النجاح الكبير الذي ما زال فيلم سام مندِس يحققه تجارياً. لقد لحق بقطار الترشيحات في آخر لحظة، لكنه حضر في الوقت المناسب ليؤدي ظهوره بين الروّاد وبالحجم الكبير الذي طالما تم تقديره من قِبل المقترعين.
هذا كله من الدوافع التي تجعل هذا الناقد يتوقع لفيلم «1917» خطف الأوسكار عنوة عن باقي منافسيه... بالإضافة إلى حقيقة أنه فيلم بالغ الجودة وجديد في كيفية معالجته لحكاية قوامها شخصان لديهما رسالة ينقلانها من جبهة إلى أخرى قبل فوات الأوان.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».