هزة أرضية وانخفاض الحرارة في يوم واحد

اللبنانيون يقاربون بينها وبين برامج تلفزيونية وشخصيات سياسية

الثلوج تغطّي محمية غابة الأرز بالقرب من منطقة بشرّي بشمال لبنان (إ.ف.ب)
الثلوج تغطّي محمية غابة الأرز بالقرب من منطقة بشرّي بشمال لبنان (إ.ف.ب)
TT

هزة أرضية وانخفاض الحرارة في يوم واحد

الثلوج تغطّي محمية غابة الأرز بالقرب من منطقة بشرّي بشمال لبنان (إ.ف.ب)
الثلوج تغطّي محمية غابة الأرز بالقرب من منطقة بشرّي بشمال لبنان (إ.ف.ب)

شعر اللبنانيون مساء أوّل من أمس، بهزة أرضية، لا سيما سكان بيروت وطرابلس وصيدا ومنطقة كسروان. وأفادت المعلومات بأنّ لبنان تأثر بالزلزال الذي ضرب تركيا وبلغت قوته 6.8 درجة على مقياس ريختر.
وفي الوقت نفسه، كان اللبنانيون منشغلين بكيفية إيجاد وسائل فعالة للتدفئة في ظل انخفاض درجات الحرارة التي لامست الصفر وما دون في بعض المناطق الجبلية و6 درجات في بيروت وضواحيها. وبين الهزة الأرضية من ناحية وانخفاض درجات الحرارة من ناحية أخرى، عملت شريحة من اللبنانيين إلى مقارنة ما يعيشونه بفعل العوامل الطبيعية وما يشهدونه على الأرض في موضوع الحالة السياسية. وراجت على مواقع التواصل الاجتماعي التعليقات حول الموضوعين تحت عنواني هاشتاغ «هزة أرضية» وهاشتاغ «برد اليوم». وراحت نسبة كبيرة منهم تقارب ما بين هذه العوامل الطبيعية وبعض البرامج التلفزيونية والشخصيات اللبنانية السياسية التي تصدرت أخبارها اليوم نفسه.
ونال «فليسقط حكم الفاسد» على قناة «الجديد» لمقدمه رياض قبيسي الحصة الكبرى من البرامج التلفزيونية التي كانت تعرض مساء الجمعة. فغرّد أحدهم عبر موقع «تويتر» يقول: «حلقة الليلة من (يسقط حكم الفاسد)، عملت هزة أرضية». والمعروف أن هذا البرنامج يتناول ملفات الفساد في عدد من الدوائر اللبنانية الرسمية.
بينما نشر ناشطون آخرون على المواقع الإلكترونية صوراً تبرز وسائل التدفئة التي يستخدمونها في ظل انخفاض درجات الحرارة. فعبر بعضهم عن ذلك وهم يرتدون ملابس صوف يغمرون بها أجسادهم من رؤوسهم حتى أخمص أقدامهم. فيما قدّم آخرون وبشكل ساخر عدد طبقات الأغطية الصوف على أسرتهم عند اللجوء إلى النوم. والتقط آخرون صوراً لوسائل التدفئة التي يجلسون قربها للتّخلص من الشعور بالبرد كالمدفأة الأنيقة على الحطب و«دفايات الغاز»، إضافة إلى سخانات بدائية وضعوها في الهواء الطلق تتألف من عبوات حديدة من التنك تشتعل فيها قطع الخشب.
وربط بعض اللبنانيين ما بين المقابلة التلفزيونية التي أجرتها محطة «سي إن بي سي» الإخبارية الأميركية مع وزير الخارجية السابق جبران باسيل على هامش انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا. وعلّق أحدهم: «كيف ما بدو يصير هزة أرضية بعد هذه المقابلة المحرجة للوزير باسيل؟». بينما قارن آخرون نسبة الذكاء في أجوبة الوزير السابق على الصحافية الأميركية هادي غامبل التي أجرت اللقاء بانخفاض درجات الحرارة التي يشهدها لبنان. وغرّد أحدهم: «هذه المقابلة واحدة من أسباب برد اليوم». غامزا من قناة الأسئلة الساخنة التي طرحتها المذيعة عليه والتي حاول الوزير باسيل تلقفها ببرودة.
واغتنم بعض اللبنانيين رواج «هزة أرضية» و«برد اليوم» لتمرير حالات إنسانية بحاجة للمساعدة. فغرّد البعض تحت هذين العنوانين معلنين حالات الحاجة للتبرع بالدم في بعض المستشفيات. فيما دعت نسبة أخرى للتبرع بأغطية صوف لأشخاص يعانون من الفقر ويفتقدون وسائل التدفئة اللازمة في بيوتهم.
وفي حديث مع رشيد جمعة أحد المسؤولين في مركز بحنس لرصد الهزات والزلازل الأرضية في لبنان، أشار إلى أنّ الهزة الأرضية التي شعر بها اللبنانيون مساء الجمعة 24 الحالي، جاءت نتيجة الزلزال الذي ضرب تركيا. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «في تمام الساعة الثامنة إلّا خمس دقائق شعر بعض اللبنانيين في مناطق متفرقة بهزة أرضية خفيفة. ونحن لا نستطيع تحديدها بشكل دقيق لأنّ عواملها ترتبط ارتباطاً مباشرا بتركيا وهم فقط الذين يستطيعون ذكر الفالق الأرضي التركي الذي مرت به». وتابع: «لا دخل بتاتا لدرجات الحرارة المنخفضة التي يشهدها طقس لبنان حالياً والهزات الأرضية التي تحدث. فهذه الأخيرة تجري على عمق 5 أو 10 كيلومترات في باطن الأرض، نتيجة عوامل أخرى لا علاقة لها بالطقس». ويختم جمعة في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «فلا الحر ولا البرد يتسببان بالهزات الأرضية، كما لا نستطيع توقع أي هزات أرضية في المستقبل».
ومن ناحيته، فقد أكد رئيس مصلحة الأرصاد الجوية في مطار بيروت مارك وهيبة أنّ لبنان شهد أول من أمس، أقصى درجات انخفاض الحرارة في بيروت وفي الجبال. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هو طقس فصل الشتاء الذي اعتدنا عليه في هذه الأوقات من السنة. وقد شهدت بعض المناطق في الشمال على ارتفاع يتراوح ما بين 600 و650 مترا عن سطح البحر، كبلدة القبيات، تساقط الثلوج. كما غطت الثلوج مناطق جبلية أخرى التي ستساهم في استقطاب هواة رياضة التزلج، لا سيما أنّ الطقس سيشهد ارتفاعا في درجات الحرارة خلال الأيام القليلة المقبلة لتصل إلى 15 درجة مئوية اليوم الأحد».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».