محمد الطوبي... الشاعر المغربي المنسيّ

عد الأكثر اشتغالاً على تحديث البنية الجمالية

محمد الطوبي... الشاعر المغربي المنسيّ
TT

محمد الطوبي... الشاعر المغربي المنسيّ

محمد الطوبي... الشاعر المغربي المنسيّ

في السابع من يناير (كانون الثاني) 2004 غيّب الموت شاعراً من شعراء المغرب الكبار، شاعر بروح ملتهبة ترك بصمة خاصة جداً على صفحات الكتابة الشعرية المعاصرة في العالم العربي ككل، أقول العالم العربي لأن محمد طوبي لم يكن شاعراً مغربياً بالمعنى القُطري الضيّق، ولم يكن شاعراً «مؤسّساتياً» حتى ننسبه لجهة رسمية ما، لقد كان على العكس من ذلك كله شاعراً حُرّاً ممتدّ الوجدان وخفيف الحضور.
برَع الطوبي في القصيدتين العمودية والتفعيلية في وقت كان فيه صوت الحداثة أقوى، وظلّ الطوبي في كل دواوينه - وهي كثيرة - وفيّاً للإيقاع الموسيقي محافظاً على جرس العَروض في قصائده المُرسلة بحُريّة كأنها شلال من التفاصيل الصغيرة التي تصبح بقدرة اللغة عنصراً مركزياً يرسم لوحة من خرافات الأدب البهيجة. لقد كان شعر الطوبي ذا منحى تصويري موغل في المجاز البعيد، سطور قصائده الطويلة كانت تخلو تماماً من أي هامش للخَطَابة، لا صوت يعلو على همس الرَّمز ونبضات الاشتياق المجروح بالحرمان والفضول.
وبالقياس إلى الفترة التي كان ينشر فيها الطوبي قصائده منذ مطلع الثمانينات، يمكننا القول إنه الشاعر المغربي الأكثر اشتغالاً على تحديث البنية الجمالية داخل القصيدة الإيقاعية الموزونة، لقد سبق محمد الطوبي زمنه الشّعري بالنظر إلى هذا الجهد الجمالي الرفيع، وظل في النهاية حيّاً ونشيطاً كأرواح الشعراء الحقيقيين متعالياً على حاجز الموت وعصياً على التجاوز.
من المعروف أن تجربة حركة قصيدة الشعر في العراق كانت مؤثرة للغاية في تشكيل الكتابات الشعرية التي تلَتْ تلك المرحلة، فقد أصبحت القصيدة العراقية والعمودية منها على وجه خاص تحمل سمات محددة يسهل على أي متلقٍّ أن يميزها بها عن غيرها، أبرز تلك السمات هي اللغة المنزاحة عن التقليد والمفردات الجديدة التي اجتهد الشعراء في استضافتها داخل متون قصائدهم... هذا التأثير امتدّ حتى اليوم، وما تزال قصائد شعراء العراق موسومة بهذا الطابع الحداثي اللافت والذي يرسمه عقل إبداعي قلِقٌ ومنشغل بالابتكار. وإذا كانت حركة قصيدة الشعر في العراق قد انبثقت في التسعينات من رحم هيمنة متصاعدة للنثر الشعري على المشهد، لتعيد النبض إلى القوالب التقليدية عبر إعادة الحياة للمجاز فيها. فإن الطوبي قد اشتغل في السياق ذاته وقبل تلك الفترة على تحديث نصّه الشعري بحيث جعله يمتص موجات الحداثة القادمة من أجناس الإبداع الأخرى، معتمداً على طاقة المجاز ومقاوِماً حِدّة الموسيقى التي في أحيانٍ كثيرة تحدِثُ طنيناً زائداً في الإيقاع يربك لوحة القصيدة، لهذا كانت قصيدة الطوبي إيقاعية جداً... وحديثة جداً!
حديثنا عن حركة قصيدة الشعر في العراق يقودنا إلى الوقوف عند التشابه الكبير بين العناصر التي ميّزتها - لا سيما اللغة - وبين ملامح اللغة الشعرية عند الطوبي. من الصعب الجزم بأنّ هذه العلاقة تأسّست على قاعدة القراءة والاطّلاع المتبادل، لكنّ ذلك قد يكون مفهوماً أكثر إذا انتبهنا إلى علاقة الطوبي بالمشهد الثقافي في المشرق، والتي تميزت بحضور خاص للشاعر في محافل ثقافية عربية بعينها، أهمها مهرجان المربد أبرز مهرجانات العراق الشعرية والتي كانت تستضيف الطوبي بانتظام وكان فيها ضيفاً من الصف الأول له حظه الوفير من التقدير والحفاوة. لم تكن العلاقة بين الجانبين تحمل بُعداً اجتماعياً صرفاً... بل يمكننا القول إن روح العراق كانت تسكن قلب الطوبي وشعره، وكانَ النّفس المغربي في قصائده يلهب عواطف شعراء العراق الحاضرين في المربد، كان الطوبي يحملهم بذاتيّتِه المفرطة والمعجونة بطين الكون إلى زمان الوصل الأول بين المغرب والأندلس، لقد كان للتجربتين نفس المشارب... وسلكتا معاً نفس المسارات.
«في وقتكِ الّليلكي هذا انخطافي»، هذا الديوان الذي نشره الشاعر عام 1987 كان أوّل ثمرة قطفتُها من بستانه المليء بقصائد الذات المُعَذَّبة والعاشقة، وكان أوّل ما لفت انتباهي في هذا الديوان هو شكله، لقد كُتبتْ كل قصائده بخط اليد... محمد الطوبي لم يكن شاعراً فحسب، بل كان كذلك خطّاطاً ماهراً، وقد حرص على أن يستضيف هذا العنصر الجمالي الأخّاذ في ساحة الشِّعر التي اختارها لنفسه كي تكون فضاءً صوفياً تخلد فيه الروح إلى نفسها رغم كل ما في الأمر من قلق ومن حزن سرمدي لا حدود للألم فيه.
كان الطوبي يقول إن الشاعر لا يحزن لكونه شاعراً، بل لكونه عاش على الأرجح في الوقت الخطأ!
لم ينل الطوبي في اعتقادي ما يستحقه من اهتمام في بلده كما لم يجد ما كان يصبو إليه من الانتشار في البلدان العربية الأخرى، لم تخلّد محافل الشعر المغربية ذكراه كما يليق ولم تُدَرّس قصائده في مناهج التعليم المعتمدة رغم كونها تستحق، فهي تؤرخ لمرحلة مهمة من مراحل القصيدة الشعرية في المغرب، لكن العديد من الشعراء اليوم من جيل الشباب تحديداً باتواْ يحفظون قصائد الشاعر المنسي ويقرأون نتاجه بفضول ويتأثرون به إيجاباً.
من يقرأ قصائد الطوبي ستلفحه لا محالة نار تلك الذاتية الحارّة وسيلتهب في روحه المجاز الذي كان سقف المنتهى وبريد الوصول إلى سماءِ اللذة، كان الطوبي يقول:
أُسَمّي الفَجْرَ فاتِحَة اعترافي
صباحُكِ طَلْقَة وأنَا الْمُصَابُ!
أنَا المفتُونُ يسطعُ في ضُلوعي
سيَاجُ قرُنفُلٍ ودمي شِهابُ
فَأرسُمُ من ذراعيْكِ احتمَالي
رصيفاً ليسَ يَطْويهِ اغتِرَابُ
لنَا غَدُنَا... سنابِلُ مِهرجانٍ
وَليسَ لَنَا على الماضي حِسَابُ!
من يفتح صفحات الطوبي وهي المخطوطة بكفّ يده والمكتوبة بحبر الروح سيشعر وكأنه اكتشف شيئاً ثميناً ومُهمَلاً، لذلك ربما كان الطوبي شاعراً كبيراً ولذلك عاش ومات منسيّاً.

- كاتب وشاعر من المغرب



التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)
أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)
TT

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)
أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى، وأعربوا عن رغبتهم في تعزيز أثر هذه الشراكة من خلال التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة.

جاءت تلك التأكيدات في بيان مشترك صادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية، المنبثقة من الاتفاق الحكومي المشترك في 10 أبريل (نيسان) 2018، والمتعلق بالتنمية الثقافية والبيئية والسياحية والبشرية والاقتصادية، وتعزيز التراث في محافظة العُلا.

ناقش أعضاء اللجنة من الحكومتين المشاريع الكبيرة الحالية والمستقبلية للتعاون السعودي - الفرنسي في العُلا (واس)

وناقش أعضاء اللجنة من الحكومتين المشاريع الكبيرة الحالية والمستقبلية للتعاون السعودي - الفرنسي في العُلا. وأشادوا بتقدم مشروع «فيلا الحجر» وهي مؤسسة ثقافية سعودية - فرنسية مشتركة مخصصة للفنون والثقافة لكلا البلدين، كما ورد في الاتفاق الحكومي المشترك الموقع في 4 ديسمبر (كانون أول) 2021.

كما رحبت اللجنة بنجاح البرنامج الأثري الذي جمع بين ما يقارب 150 باحثاً وعالم آثار فرنسياً منذ عام 2018. وأثنى أعضاؤها خلال الاجتماع على إطلاق الشراكة بين الهيئة الملكية لمحافظة العُلا وجامعة باريس 1 بانتيون سوربون.

وأعرب أعضاء اللجنة عن تقديرهم لمشاركة الشركات الفرنسية في نجاح هذه الشراكة، لا سيما من خلال مشروع ترام العُلا الذي تنفذه شركة «ألستوم»، ومشروع منتجع «شرعان» الذي صممه المعماري الفرنسي جان نوفيل وفريقه، والذي سيتم بناؤه من قبل مجموعة «بويغ».

وترأس الاجتماع الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة السعودي ومحافظ الهيئة الملكية لمحافظة العُلا، وجان نويل بارو، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي.

وقال الأمير بدر بن عبد الله عبر حسابه الشخصي على منصة «إكس»: «بين الرياض وباريس شراكة ثقافية عميقة»، مشيراً إلى بحثه مع رشيدة داتي في سبل تعزيزها.

شارك في الاجتماع الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، والمهندس خالد الفالح وزير الاستثمار، بالإضافة إلى عبير العقل الرئيس التنفيذي المكلف للهيئة الملكية لمحافظة العُلا.

كما حضر الاجتماع من الجانب الفرنسي رشيدة داتي وزيرة الثقافة، وأنطوان أرمان وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية، وجان إيف لودريان رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العُلا.