مصر الجديدة... حي الرؤساء الراقي يفتقد ملامحه

بعض سكانه ينتقدون إعادة تخطيط الشوارع وتدشين كباري

جانب من زراعة النباتات في شوارع مصر الجديدة بعد قطع الأشجار المعمرة وإزالة خطوط الترام
جانب من زراعة النباتات في شوارع مصر الجديدة بعد قطع الأشجار المعمرة وإزالة خطوط الترام
TT

مصر الجديدة... حي الرؤساء الراقي يفتقد ملامحه

جانب من زراعة النباتات في شوارع مصر الجديدة بعد قطع الأشجار المعمرة وإزالة خطوط الترام
جانب من زراعة النباتات في شوارع مصر الجديدة بعد قطع الأشجار المعمرة وإزالة خطوط الترام

إن لم يسبق لك زيارة حي مصر الجديدة (شرق القاهرة)، منذ منتصف العام الماضي فقط، فلا تفاجأ إن زرته الآن واكتشفت أن ملامحه المميزة تغيرت بعد اختفاء الجزر الخضراء من الشوارع الهادئة، واقتلعت مئات الأشجار، وزرعت أعمدة كباري خرسانية بدلاً منها، وهو ما أثار الجدل بين سكان الحي من جهة، والمسؤولين من جهة أخرى، فبينما رأى الفريق الأول أن التطوير حوَّل الحي الراقي إلى حي صاخب ومنطقة عبور مزدحمة مكتظة بالجسور وعوادم السيارات، يرى الفريق الثاني أن أعمال التطوير سوف تسهم في حدوث سيولة مرورية وسرعة تنقل بين أحياء شرق القاهرة.
ويضم الحي عدداً من المعالم والمناطق المميزة، من بينها قصر رئاسة الجمهورية (مقر الحكم) وهو القصر الذي يستقبل فيه رئيس الجمهورية المصري الوفود الرسمية الزائرة، بالإضافة إلى «الميريلاند» التاريخية الشهيرة، وقصر البارون إمبان، قصر العروبة، قصر الاتحادية الرئاسي، الكلية الحربية، مطار القاهرة الدولي، المعبد اليهودي بالكوربة، محكمة مصر الجديدة، مكتبة مصر الجديدة، ملاهي السندباد، منطقة روكسي، حديقة ابن سندر، ميدان تريومف، ميدان هليوبوليس، ميدان الجامع، ميدان المحكمة، ميدان الحجاز، ميدان سانت فاطيما، ميدان سفير، ميدان الإسماعيلية.
ويتضمن مشروع التطوير إنشاء 5 كباري بـطابع معماري مميز، يتماهى مع طبيعة الحي الراقي، ويهدف المشروع إلى أن تكون الحركة المرورية من وإلى مصر الجديدة حركة حرة، بلا تقاطعات أو توقف.
وينتقد الكثير من السكان مشروع التطوير لتسببه في تغيير ملامح الحي، وإزالة المساحات الخضراء منه، تقول دينا عبد الخالق، صحافية مصرية مقيمة بحي مصر الجديدة، لـ«الشرق الأوسط»: «رغم أن الكباري الجديدة سهّلت الوصول لأماكن بعيدة، فإن مشروع التطوير به عيوب كبيرة، أبرزها، تجريف الحدائق الخضراء وقطع الأشجار المعمرة التي تتميز بها مصر الجديدة، والتي كانت عبارة عن متنفس مهم لسكان الحي ومصدر مهم للأكسجين، بالإضافة إلى أن الشوارع الواسعة لا توجد بها إشارات مرورية أو أماكن عبور للمشاة، مما يتسبب في وقوع حوادث مرورية».
ويعد حي مصر الجديدة الذي وضع حجر أساسه وشيّده المعماري البلجيكي البارون إمبان، على الطراز الأوروبي، في بدايات القرن الماضي، أحد أرقى أحياء القاهرة، ويبلغ عمره أكثر من مائة عام، ويتميز بكونه واجهة القاهرة من الجهة الشرقية، وأول حي يستقبل القادمين من أنحاء العالم، لوجود مطار القاهرة الدولي به، وأحد مداخل العاصمة للقادمين من الإسماعيلية والسويس.
ويقول المهندس المعماري، محمد عبد المحسن، المقيم بحي مصر الجديدة، لـ«الشرق الأوسط»: «المشروع لا يمكن وصفه بأنه مشروع للتطوير، بعد تسببه في تشويه تاريخ أحد أشهر وأرقى أحياء مصر، فاستبدال الكباري الخرسانية بالأشجار الخضراء ينم عن ضيق أفق أصحاب المشروع الذين يختصرون التطوير في إزالة خطوط الترام، والجزر الخضراء، وتوسعة الطرق، من دون مراعاة طبيعة الحي المميزة».
ويجري إنشاء كوبري بتقاطع شارع الميرغني مع شارع أبو بكر الصديق، وكوبري تقاطع الميرغني مع السبع عمارات، وكوبري تقاطع شارع النزهة مع صلاح سالم وكوبري تقاطع شارعي أبو بكر الصديق، مع عثمان بن عفان، وأخيراً كوبري ميدان المحكمة.
ويرى خبراء الإدارة المحلية والتخطيط، من بينهم الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة المحلية أنه كان من الأفضل منع سير الميكروباصات في شوارع الحي، والاكتفاء بالحافلات الحكومية على غرار دول عربية وأجنبية، بدلاً من توسعة الشوارع دون جدوى، فبينما تم تسهيل حركة المرور من الحي إلى العاصمة الجديدة والعكس، تسبب المشروع في ازدحام داخلي داخل الحي العريق».
ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «القانون المصري يشترط الحصول على موافقة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في بعض المناطق التي يصدر قرار بتطوير وتغيير ملامحها، فهل أصدر الجهاز بالفعل موافقة على مشروع تطوير مصر الجديدة، لا نعلم».
في المقابل، يحاول المسؤولون المصريون طمأنة سكان الحي والمهتمين بالتراث، عبر إصدار تصريحات دورية، أو من خلال عقد جلسات حوار مجتمعي مع عدد من ممثلي الحي ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية، كان من بينها لقاء عقدته وزيرة البيئة ياسمين فؤاد الأسبوع الماضي، مع عدد من ممثلي الحي، وقالت الوزيرة: «إن المشروع يستهدف إظهارها بالشكل الحضاري عقب الانتهاء من أعمال البنية التحتية لمشروعات الدولة للمنفعة العامة».
وأضافت أن «المرحلة الأولى من حملة تجميل الحي استهدفت تشجير ميدان تريومف، عبر توفير ألفي متر نجيلة جاهزة وكذلك ثلاثمائة نبات «إيفوربيا» حمراء لزراعتها بالميدان، كما جرى دهان عدد من عمارات الميدان لتحسين المظهر الجمالي للمكان مع الحفاظ على معالمه الرئيسية، إضافة إلى دعم الميدان بعدد من صناديق القمامة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».