مستقبل الجلود والفرو على المحك

بعد إعلان بيوت أزياء كبيرة استغناءها عنهما واضطرارها للبحث عن مواد بديلة

الفرو بالنسبة لـ«فندي» مضاد للموضة السريعة  -  التحدي كبير للبيوت التي تأسست على الجلود مثل «لويس فويتون»
الفرو بالنسبة لـ«فندي» مضاد للموضة السريعة - التحدي كبير للبيوت التي تأسست على الجلود مثل «لويس فويتون»
TT

مستقبل الجلود والفرو على المحك

الفرو بالنسبة لـ«فندي» مضاد للموضة السريعة  -  التحدي كبير للبيوت التي تأسست على الجلود مثل «لويس فويتون»
الفرو بالنسبة لـ«فندي» مضاد للموضة السريعة - التحدي كبير للبيوت التي تأسست على الجلود مثل «لويس فويتون»

صدق من قال: «كل يغني على ليلاه». ففي أسبوع لم يكن فيه أي حديث للصحافة البريطانية والعالمية سوى أحداث سقوط الطائرة الإيرانية وحريق أستراليا وزعزعة الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل للأعراف والتقاليد البريطانية العريقة بإعلانهما قرار الانفصال عن العائلة البريطانية المالكة والاستقلال ماديا، في بادرة غير مسبوقة، أهدت منظمة «بيتا» المناهضة لاستعمال الجلود الطبيعية، دوقة كامبريدج، كايت ميدلتون، حقيبة يد من العلامة الفرنسية: «أشوكا باي». كانت المناسبة عيد ميلادها الـ38 الذي مر هذه السنة مرور الكرام بعد أن خطفت قضية هاري وميغان الاهتمام والأضواء.
كانت الهدية رسالة مباشرة لها بُعد «بيئي» مهم، فـ«أشوكا باي» من العلامات «النباتية»، وسعرها لا يتعدى الـ200 جنيه إسترليني، ما يعادل 240 يورو، وهو سعر معقول مقارنة بما تطرحه باقي بيوت الأزياء الكبيرة. لكن الأهم من كل هذا أن الحقيبة مصنوعة من قشور التفاح.
وهذا ما سلطت عليه الضوء منظمة بيتا في تغريدتها ومدونتها الخاصة بقولها إنها تأمل أن تشجع الهدية الدوقة على «اتخاذ قرارات رحيمة بالحيوانات وبدائل معاصرة فيما يتعلق باختيارها لأزيائها... فهذا سيشجع غيرها على الاقتداء بها».
وكما لم تختر منظمة «بيتا» الحقيبة اعتباطا، فإنها لم تختر دوقة كامبريدج صُدفة. فقد أطلقت هذه الأخيرة وزوجها الأمير ويليام مؤخرا مبادرة مهمة باسم «جائزة إيرثشوت» Earthshot Prize تشجع على إيجاد حلول عاجلة لأزمة البيئة التي نعيشها، بما فيها صناعة الجلود الطبيعية، المتهمة بأنها سبب في هذه الأزمة. وجاء في مدونة «بيتا» أن الحقيبة مصنوعة كاملة من مواد نباتية، وبالتالي لا تضر بالبيئة مثل الجلود التي تتسبب في انبعاثات الكربون الناتجة عن تربية الأبقار والأغنام والحيوانات الأخرى في مزارع خاصة، وفي وجود المدابغ السامة التي تلوث المجاري المائية القريبة وتعرض العمال لكميات زائدة من المواد الكيميائية مثل الزرنيخ.
لكن في خضم كل النقاشات حول الموضة المستدامة وضرورة البحث عن مواد جديدة تُغني عن استعمال جلود الحيوانات، خصوصا المترفة مثل جلود الثعابين والتماسيح، يُلح سؤال مهم عن مدى تأثير هذه الموجة على بيوت أزياء بنت سمعتها وشهرتها على هذه الجلود وكيف ستواجهها؟ «لويس فويتون» و«هيرميس» فقط من هذه البيوت، فضلا عن دار «فندي» التي تعتمد على الفرو إلى حد أن وجودها لصيق به.
ناديج فاني سيولسكي، مصممة «هيرميس» لا تنكر أن الوضع صعب ويحتاج إلى التعامل معه بشفافية.
فالجلد رمز من رموز الدار، وواحد من جيناتها الوراثية التي لا يمكن أن تستغني عنها. ما يشفع لها أن الكل يعرف أنها تتقن صياغته ودباغته وتتفنن فيه بأشكال تجعل المرأة تحلم بقطعة، مهما كانت صغيرة، تحمل توقيعها. وربما هذا هو الحل بالنسبة للدار الفرنسية التي انطلقت بصناعة السروج منذ أكثر من قرن: أن تقدم قطعا فريدة بجودة عالية وتصاميم راقية، تجعلها تبقى معنا للأبد، بل يمكن توريثها لأجيال قادمة، لأنه كلما زاد عمرها زاد جمالها. فالجلود الطبيعية، حسب رأيها، تتنفس وتزيد جمالا مع الوقت، كما أنها على عكس ما يتصور البعض مستدامة من ناحية أنها لا تخضع للموضة السريعة. فقطعة واحدة باهظة الثمن يمكن أن تُغني عن عشر، وهو ما يجنب البيئة الكثير من الأضرار الناجمة عن شراء قطع كثيرة بأسعار زهيدة. في تشكيلتها لربيع وصيف 2020 كانت 70 في المائة من القطع المعروضة من الجلود الطبيعية، الـ30 في المائة الأخرى كانت من صوف الكشمير أو الصوف أو القطن. واللافت أنه كان من الصعب التفريق بينها كون الجلود اكتسبت نعومة تجعلها تبدو من بعيد وكأنها حرير. ورغم أن مصممتها نادجي، تعشق الألوان والتلاعب بها، فإنها كبحت جماح رغبتها، واكتفت بألوان طبيعية مثل الأخضر الكاكي والزيتوني والأحمر الغامق والأسود وما شابه من درجات كلاسيكية تناسب كل مكان وزمان. وخلافا لغيرها من بيوت الأزياء الذين اقتصرت اقتراحاتهم على قطع جلدية محدودة، في الإكسسوارات غالبا، فإن «هيرميس» قدمت طبقا دسما من الجلود من خلال فساتين منسدلة وأخرى قصيرة. هذا عدا عن معاطف بالجُملة وقمصان وبنطلونات. ما ساعد المصممة على طرح هذا الكم من دون أن تفقد التشكيلة مصداقيتها أو تثير حفيظة المناهضين لاستعمال الجلود، أنها لعبت على مفهوم أن قطعة واحدة تكفي وعلى كونها استثمارا طويل المدى.
مثل الجلود الطبيعية، تواجه صناعة الفرو أيضا نفس التحديات، وربما أكثر، لا سيما بعد إعلان الكثير من بيوت الأزياء امتناعها عن استعماله في تشكيلاتها. كل من «شانيل» و«بيربري» و«غوتشي» و«برادا» إضافة إلى «فارفيتش» ومجموعة «يوكس نيت أبورتيه» أعلنت نيتها هذه في عام 2019. لكن صناع الفرو لم يسكتوا أو يقفوا مكتوفي الأيادي. هم أيضا واجهوا التحدي بعدم التنازل عن أسعارهم الباهظة، وبالرفع من مستوى الحرفية اليدوية إلى جانب تطوير أدواتهم وتقنياتهم. تبريرهم أنها كلما كانت بجودة عالية تدوم أطول، وكلما كانت غالية فإن المرأة لن تتخلص منها بسرعة. بالعكس ستقدرها وتحافظ عليها كما لو كانت قطعة مجوهرات. المصممة الدنماركية أستريد أندرسون، التي قدمت تشكيلة رجالية خلال أسبوع لندن الأخير مستعملة الفرو بالتعاون مع شركة «ساغا» قالت إن العقلية الدنماركية كانت دائما تميل إلى الاستدامة «فثقافتنا مبنية على شراء قطع أقل وبجودة عالية. وأنا أؤمن بأن الفرو من أكثر الخامات استدامة. والدتي مثلا لا تزال تستعمل معطفها المصنوع من الفرو الذي اشترته منذ 25 عاما إلى حد الآن. مشكلة الموضة ليست في الفرو بل في الموضة السريعة، من دون أن ننسى تأثيرات صناعة الفرو الاصطناعي على البيئة». وتضيف أندرسون أن الموضوع قد يكون حساسا، لكن تحكمه العاطفة أحيانا، وهذا ما يدفع إلى فتح حوارات صادقة في هذا الشأن. مصممون آخرون يوافقون أندرسون الرأي بأنه لا يجب النظر إلى الأمر من زاوية واحدة. فالفرو، حسبما تؤكد سيلفيا فندي من «أكثر الخامات الطبيعية الموجودة، كما أنه قوي يصمد طويلا من دون أي حاجة حتى لغسله». وتتابع: «عندما ترث أي واحدة منا معطفا من جدتها، فإنها يمكن إعادة تصميمه بسهولة ليناسب مقاسها وأسلوبها». وتُلمح سيلفيا هنا أنه من الصعب على أي واحدة منا التخلص من معطف فرو مهما كان قديما. السبب طبعا خامته هذه.
بدوره أدلى المصمم الأميركي مايكل كورس بدلوه في الموضوع قائلا إن الجهود لا تتوقف على تطوير صناعة الموضة ككل. فصناعة الفرو تقوم منذ فترة على الاستثمار في برامج لزيادة الوعي بتعاملها مع الجلود بطرق رحيمة أكثر مما يتصور البعض. وأوضح: «لقد أصبحت هناك الكثير من التقنيات المدهشة التي تتيح لي كمصمم إبداع أشكال مترفة من دون التنازل عن الجودة أو الأناقة. فزبون اليوم يريد خيارات أكثر ويريد أن يعرف كل شيء عنها من مصادرها إلى مكان إنتاجها».
ورغم أن الكثير من الزبائن ينددون باستعمال الفرو وجلود التماسيح والثعابين ويطالبون بشطبها من قاموس الموضة، فإن نسبة لا يستهان بها لا تزال تؤمن بجمال هذه الخامات، وربما تحلم بها ولا تتأخر على اقتنائها في حال سمحت لها الإمكانيات بذلك.
بيوت الأزياء التي امتنعت عنه تعرف هذا الأمر، لهذا تجتهد في إيجاد بدائل لا تقل جمالا وبهاء، مثل الفرو الصناعي والجلد النباتي. وحسب مؤسسة «يورومونيتور العالمية» فإن إنتاج كل من الفرو الطبيعي والصناعي زادت بنسبة 120 في المائة في عام 2019 لتقدر قيمتها بـ25 مليار دولار. كما بينت دراسة أخرى أن المنتجات النباتية في المخازن الأميركية والبريطانية ارتفعت بنسبة 258 في المائة لا سيما فيما يخص صناعة الأحذية وباقي الإكسسوارات.
بيد أنه لا بد من الإشارة إلى أن الفرو الطبيعي لا يزال يحقق مبيعات تقدر بـ22 مليار يورو، وهو رقم لا يستهان به إذا أخذنا بعين الاعتبار أن صناعة الترف عموما تقدر بـ281 مليار يورو، رغم تراجع مبيعاته في السنوات الأخيرة. فشركة «ساغا» الدنماركية، مثلا تسجل انخفاضا سنويا بنسبة 13 في المائة منذ عام 2018، ولا يعيد صناع الموضة سبب هذا التراجع إلى زيادة الوعي أو إلى مقاطعة الفرو، بل إلى تذبذب السوق وتباطؤ نموها لا سيما في الصين، التي تُعتبر من أهم الأسواق. فهي تستورد نحو 80 في المائة من الفرو الإيطالي.
الحاصل في الوقت الحالي أن الكل متحفز، ما يضع صناع الفرو في حالة استنفار وفي موقف دفاع عن مصائرهم. المصمم إيف سالومون، يقول إن المشكلة التي تعاني منها البيئة اليوم ليست الفرو بل البلاستيك «الذي أعتقد بأنه يجب الحديث عنه أكثر. فالفرو خامة مترفة لكن طبيعية مقارنة بالصناعي وهو ما ينعكس على مظهره». ويضيف سالومون الذي تعاون مع المصمم الأميركي أندريه وولكر على تشكيلة مصنوعة من خامات فائضة لم تستعمل، بأننا «حاربنا من أجل الحصول على حرية القرار والاختيار ولا يمكن أن نتنازل على كل هذا الآن».
في الجهة المقابلة، هناك صناع الفرو الصناعي الذين يحاولون الترويج لمنتجاتهم على أنها «مستدامة» ويمكن أن تُغني عن الفر الطبيعي بخفتها ودفئها وجمال مظهرها، ليبقى القرار في يد المستهلك، الذي لا يزال الكثير منهم يعشقون خامته الطبيعية ويلتمسون لها الأعذار بأنها «مستدامة»، لأنها تبقى إلى الأبد، وتتحول إلى قطع «فينتاج». وهذا ما يوافقهم عليه صناعه بالقول إنه، إلى جانب ذلك، قابل للتحلل ولا تدخل في معالجته مواد كيميائية قاسية، وهو ما يعتبر من أهم ميزات الفرو الطبيعي مقارنة بالفرو الصناعي الذي لا يزال يستعمل غالبا من مواد الاصطناعية مثل البوليستر.
لكن حتى تربية الحيوانات التي يتحدث عنها صناع الجلود، تُثير قضايا بيئية مثل انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن إمدادات الأعلاف والسماد فضلا عن حاجتها إلى إيجاد طريقة لانبعاث كميات أقل من ثاني أكسيد الكربون في الإنتاج وما شابه من أمور تحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث. فالحقيبة التي أهدتها «بيتا» إلى دوقة كامبريدج لا تفتقد إلى الأناقة والجمال، لكن قد لا يستسيغ البعض خامتها، لسبب مهم أنه لم يتعود عليها كخامة مترفة.


مقالات ذات صلة

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

لمسات الموضة توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كيف جمع حذاء بسيط 6 مؤثرين سعوديين؟

كشفت «بيركنشتوك» عن حملتها الجديدة التي تتوجه بها إلى المملكة السعودية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الملك تشارلز الثالث يتوسط أمير قطر الشيخ تميم بن حمد وزوجته الشيخة جواهر والأمير ويليام وكاثرين ميدلتون (رويترز)

اختيار أميرة ويلز له... مواكبة للموضة أم لفتة دبلوماسية للعلم القطري؟

لا يختلف اثنان أن الإقبال على درجة الأحمر «العنابي» تحديداً زاد بشكل لافت هذا الموسم.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة تفننت الورشات المكسيكية في صياغة الإكسسوارات والمجوهرات والتطريز (كارولينا هيريرا)

دار «كارولينا هيريرا» تُطرِز أخطاء الماضي في لوحات تتوهج بالألوان

بعد اتهام الحكومة المكسيكية له بالانتحال الثقافي في عام 2020، يعود مصمم غوردن ويس مصمم دار «كارولينا هيريرا» بوجهة نظر جديدة تعاون فيها مع فنانات محليات

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الممثلة والعارضة زانغ جينيي في حملة «بيربري» الأخيرة (بيربري)

هل يمكن أن تستعيد «بيربري» بريقها وزبائنها؟

التقرير السنوي لحالة الموضة عام 2025، والذي تعاون فيه موقع «بي أو. ف» Business of Fashion مع شركة «ماكنزي آند كو» للأبحاث وأحوال الأسواق العالمية، أفاد بأن…

«الشرق الأوسط» (لندن)

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
TT

المحلات الشعبية تستعين بالنجوم لاستقطاب الزبائن

تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)
تُرسِخ تجربة العارضة كايت موس مع محلات «زارا» التغير الذي طرأ على عالم الموضة (زارا)

إذا كنتِ مداومة على التسوق في محلات «زارا» لأسعارها ونوعية ما تطرحه، فإنكِ قد تتفاجئين أن تعاونها الأخير مع العارضة البريطانية المخضرمة كايت موس سيُكلَفكِ أكثر مما تعودت عليه. فهناك معطف قصير على شكل جاكيت من الجلد مثلاً يقدر سعره بـ999 دولاراً أميركياً، هذا عدا عن قطع أخرى تتراوح بين الـ200 و300 دولار.

تفوح من تصاميم كايت موس رائحة السبعينات (زارا)

ليست هذه المرة الأولى التي تخوض فيها كايت موس تجربة التصميم. كانت لها تجربة سابقة مع محلات «توب شوب» في بداية الألفية. لكنها المرة الأولى التي تتعاون فيها مع «زارا». ويبدو أن تعاون المحلات مع المشاهير سيزيد سخونة بالنظر إلى التحركات التي نتابعها منذ أكثر من عقد من الزمن. فعندما عيَنت دار «لوي فويتون» المنتج والمغني والفنان فاريل ويليامز مديراً إبداعياً لخطها الرجالي في شهر فبراير (شباط) من عام 2023، خلفاً لمصممها الراحل فرجيل أبلو؛ كان الخبر مثيراً للجدل والإعجاب في الوقت ذاته. الجدل لأنه لا يتمتع بأي مؤهلات أكاديمية؛ كونه لم يدرس فنون التصميم وتقنياته في معهد خاص ولا تدرب على يد مصمم مخضرم، والإعجاب لشجاعة هذه الخطوة، لا سيما أن دار «لوي فويتون» هي الدجاجة التي تبيض ذهباً لمجموعة «إل في إم إتش».

فاريل ويليامز مع فريق عمله يُحيّي ضيوفه بعد عرضه لربيع وصيف 2024 (أ.ف.ب)

بتعيينه مديراً إبداعياً بشكل رسمي، وصلت التعاونات بين بيوت الأزياء الكبيرة والنجوم المؤثرين إلى درجة غير مسبوقة. السبب الرئيسي بالنسبة لمجموعة «إل في إم إتش» أن جاذبية فاريل تكمن في نجوميته وعدد متابعيه والمعجبين بأسلوبه ونجاحه. فهي تتمتع بماكينة ضخمة وفريق عمل محترف يمكنها أن تُسخِرهما له، لتحقيق المطلوب.

صفقة «لوي فويتون» وفاريل ويليامز ليست الأولى وإن كانت الأكثر جرأة. سبقتها علاقة ناجحة بدأت في عام 2003 بين لاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان وشركة «نايكي» أثمرت عدة منتجات لا تزال تثير الرغبة فيها وتحقق إيرادات عالية إلى الآن.

كان من الطبيعي أن تلفت هذه التعاونات شركات أخرى وأيضاً المحلات الشعبية، التي تعاني منذ فترة ركوداً، وتشجعها على خوض التجربة ذاتها. أملها أن تعمَّ الفائدة على الجميع: تحقق لها الأرباح باستقطاب شرائح أكبر من الزبائن، وطبعاً مردوداً مادياً لا يستهان به تحصل عليه النجمات أو عارضات الأزياء المتعاونات، فيما يفوز المستهلك بأزياء وإكسسوارات لا تفتقر للأناقة بأسعار متاحة للغالبية.

الجديد في هذه التعاونات أنها تطورت بشكل كبير. لم يعد يقتصر دور النجم فيها على أنه وجه يُمثلها، أو الظهور في حملات ترويجية، بل أصبح جزءاً من عملية الإبداع، بغضّ النظر عن إنْ كان يُتقن استعمال المقص والإبرة أم لا. المهم أن يكون له أسلوب مميز، ورؤية خاصة يُدلي بها لفريق عمل محترف يقوم بترجمتها على أرض الواقع. أما الأهم فهو أن تكون له شعبية في مجال تخصصه. حتى الآن يُعد التعاون بين شركة «نايكي» ولاعب السلة الشهير مايكل جوردان، الأنجح منذ عام 2003، ليصبح نموذجاً تحتذي به بقية العلامات التجارية والنجوم في الوقت ذاته. معظم النجوم حالياً يحلمون بتحقيق ما حققه جوردان، بعد أن أصبح رجل أعمال من الطراز الأول.

من تصاميم فكتوريا بيكهام لمحلات «مانغو»... (مانغو)

المغنية ريهانا مثلاً تعاونت مع شركة «بوما». وقَّعت عقداً لمدة خمس سنوات جُدِّد العام الماضي، نظراً إلى النقلة التي حققتها للشركة الألمانية. فالشركة كانت تمر بمشكلات لسنوات وبدأ وهجها يخفت، لتأتي ريهانا وترد لها سحرها وأهميتها الثقافية في السوق العالمية.

المغنية ريتا أورا، أيضاً تطرح منذ بضعة مواسم، تصاميم باسمها لمحلات «بريمارك» الشعبية. هذا عدا عن التعاونات السنوية التي بدأتها محلات «إتش آند إم» مع مصممين كبار منذ أكثر من عقد ولم يخفت وهجها لحد الآن. بالعكس لا تزال تحقق للمتاجر السويدية الأرباح. محلات «مانغو» هي الأخرى اتَّبعت هذا التقليد وبدأت التعاون مع أسماء مهمة مثل فيكتوريا بيكهام، التي طرحت في شهر أبريل (نيسان) الماضي تشكيلة تحمل بصماتها، تزامناً مع مرور 40 عاماً على إطلاقها. قبلها، تعاونت العلامة مع كل من SIMONMILLER وكاميل شاريير وبيرنيل تيسبايك.

سترة مخملية مع كنزة من الحرير بياقة على شكل ربطة عنق مزيَّنة بالكشاكش وبنطلون واسع من الدنيم (ماركس آند سبنسر)

سيينا ميلر و«ماركس آند سبنسر»

من هذا المنظور، لم يكن إعلان متاجر «ماركس آند سبنسر» عن تعاونها الثاني مع سيينا ميلر، الممثلة البريطانية وأيقونة الموضة، جديداً أو مفاجئاً. مثل كايت موس، تشتهر بأسلوبها الخاص الذي عشقته مجلات الموضة وتداولته بشكل كبير منذ بداية ظهورها. فهي واحدة ممن كان لهن تأثير في نشر أسلوب «البوهو» في بداية الألفية، كما أن تشكيلتها الأولى في بداية العام الحالي، حققت نجاحاً شجع على إعادة الكرَّة.

فستان طويل من الساتان المزيَّن بثنيات عند محيط الخصر يسهم في نحت الجسم (ماركس آند سبنسر)

موسم الأعياد والحفلات

بينما تزامن طرح تشكيلة «مانغو + فيكتوريا بيكهام» مع مرور 40 عاماً على انطلاقة العلامة، فإن توقيت التشكيلة الثانية لسيينا ميلر التي طُرحت في الأسواق في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، أيضاً له دلالته، بحكم أننا على أبواب نهاية العام. فهذه تحتاج إلى أزياء وإكسسوارات أنيقة للحفلات. لم يكن الأمر صعباً على سيينا. فإلى جانب أنها تتمتع بأسلوب شخصي متميِز، فإنها تعرف كيف تحتفل بكل المناسبات بحكم شخصيتها المتفتحة على الحياة الاجتماعية.

وتعليقاً على هذا الموضوع، أعربت الممثلة عن سعادتها بالنجاح الذي حققته قائلةً: «أحببت العمل على التشكيلة الأولى ويملؤني الحماس لخوض التجربة مرة أخرى. فالتشكيلة الثانية تتسم بطابع مفعم بالمرح والأجواء الاحتفالية، إذ تضم قطعاً أنيقة بخطوط واضحة وأخرى مزينة بالفرو الاصطناعي، بالإضافة إلى فساتين الحفلات والتصاميم المزينة بالطبعات والنقشات الجريئة والإكسسوارات التي يسهل تنسيق بعضها مع بعض، إلى جانب سراويل الدنيم المفضلة لديّ التي تأتي ضمن لونين مختلفين».

فستان ماركس سهرة طويل من الحرير بأطراف مزينة بالدانتيل (ماركس آند سبنسر)

دمج بين الفينتاج والبوهو

تشمل التشكيلة وهي مخصصة للحفلات 23 قطعة، تستمد إلهامها من أسلوب سيينا الخاص في التنسيق إضافةً إلى أزياء مزينة بالترتر استوحتها من قطع «فينتاج» تمتلكها وجمَعتها عبر السنوات من أسواق «بورتوبيلو» في لندن، استعملت فيها هنا أقمشة كلاسيكية بملمس فاخر. لكن معظمها يتسم بقصَّات انسيابية تستحضر أسلوب «البوهو» الذي اشتهرت به.

مثلاً يبرز فستان طويل من الحرير ومزيَّن بأطراف من الدانتيل من بين القطع المفضلة لدى سيينا، في إشارةٍ إلى ميلها إلى كل ما هو «فينتاج»، كما يبرز فستانٌ بقصة قصيرة مزين بنقشة الشيفرون والترتر اللامع، وهو تصميمٌ يجسد تأثرها بأزياء الشخصية الخيالية التي ابتكرها المغني الراحل ديفيد بوي باسم «زيجي ستاردست» في ذلك الوقت.

طُرحت مجموعة من الإكسسوارات بألوان متنوعة لتكمل الأزياء وتضفي إطلالة متناسقة على صاحبتها (ماركس آند سبنسر)

إلى جانب الفساتين المنسابة، لم يتم تجاهُل شريحة تميل إلى دمج القطع المنفصلة بأسلوب يتماشى مع ذوقها وحياتها. لهؤلاء طُرحت مجموعة من الإكسسوارات والقطع المخصصة للحفلات، مثل كنزة من الدانتيل وبنطلونات واسعة بالأبيض والأسود، هذا عدا عن السترات المفصلة وقمصان الحرير التي يمكن تنسيقها بسهولة لحضور أي مناسبة مع أحذية وصنادل من الساتان بألوان شهية.

أرقام المبيعات تقول إن الإقبال على تشكيلات أيقونات الموضة جيد، بدليل أن ما طرحته كايت موس لمحلات «زارا» منذ أسابيع يشهد إقبالاً مدهشاً؛ كونه يتزامن أيضاً مع قرب حلول أعياد رأس السنة. ما نجحت فيه موس وميلر أنهما ركَزا على بيع أسلوبهما الخاص. رائحة السبعينات والـ«بوهو» يفوح منها، إلا أنها تتوجه إلى شابة في مقتبل العمر، سواء تعلق الأمر بفستان سهرة طويل أو جاكيت «توكسيدو» أو بنطلون واسع أو حذاء من الجلد.

رغم ما لهذه التعاونات من إيجابيات على كل الأطراف إلا أنها لا تخلو من بعض المطبات، عندما يكون النجم مثيراً للجدل. ليس أدلَّ على هذا من علاقة «أديداس» وعلامة «ييزي» لكيني ويست وما تعرضت له من هجوم بسبب تصريحات هذا الأخير، واتهامه بمعاداة السامية. لكن بالنسبة إلى ريهانا وفيكتوريا بيكهام وسيينا ميلر وكايت موس ومثيلاتهن، فإن الأمر مضمون، لعدم وجود أي تصريحات سياسية لهن أو مواقف قد تثير حفيظة أحد. كل اهتمامهن منصبٌّ على الأناقة وبيع الجمال.