الجزائر وفرنسا تتفقان على وضع حد لـ«جفاء علاقاتهما الثنائية»

الجزائر وفرنسا تتفقان على وضع حد لـ«جفاء علاقاتهما الثنائية»
TT

الجزائر وفرنسا تتفقان على وضع حد لـ«جفاء علاقاتهما الثنائية»

الجزائر وفرنسا تتفقان على وضع حد لـ«جفاء علاقاتهما الثنائية»

أفادت مصادر دبلوماسية جزائرية بأن الجزائر وفرنسا اتفقتا على تبادل زيارات مسؤولين على أعلى مستوى لإنهاء جفاء ميّز العلاقات الثنائية خلال عام 2019، وذلك بسبب اتهامها بـ«التورط» في الأحداث التي أعقبت استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (مطلع أبريل «نيسان» الماضي). وطلبت الجزائر من باريس «مرونة أكبر» في معالجة ملف تنقل الأشخاص إلى فرنسا.
وأكدت المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن الاتفاق بين البلدين على تبادل الزيارات خلال العام الجاري، تم خلال زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، إلى الجزائر أمس، والتي تدوم يوماً واحداً.
وعرفت العلاقات الثنائية بين البلدين فترة جفاء منذ اندلاع الغضب الشعبي ضد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. فخلال الأشهر الأولى من الحراك الشعبي، الذي بدأ في 22 من فبراير (شباط) الماضي، اتهم المتظاهرون فرنسا بـ«السكوت» عن اعتقال المئات منهم «حفاظاً على مصالحها وعلاقتها بالنظام». وقد هاجم رئيس أركان الجيش السابق الفريق أحمد قايد صالح، الذي توفي الشهر الماضي، السلطات الفرنسية عدة مرات، دون ذكرها بالاسم، بتقديم دعم مالي لمتظاهرين من أنصار تنظيم يطالب بانفصال منطقة القبائل (شرق العاصمة).
وفي هذا السياق، قال دبلوماسي فرنسي، رفض نشر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد كانت اتهامات الطرفين لنا غير صحيحة ومن دون أساس. لم يكن ممكناً أن نعبّر عن موقفنا مما كان يجري من أحداث لإدراكنا أن السلطات الجزائرية تتعامل بحساسية شديدة مع كل ما تراه شأناً داخلياً. وفي كل الأحوال، فموقفنا من الحراك وتعامل السلطات معه، ومن الانتخابات الرئاسية التي جرت الشهر الماضي، هو أن فرنسا تدعم تطلع الشعب الجزائري للديمقراطية، واستقرار الجزائر قضية في غاية الأهمية بالنسبة لنا».
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية عن وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، تأكيده خلال اجتماعه مع لودريان، أمس، «ضرورة معالجة ملف تنقل الأشخاص بين الجزائر وفرنسا بمرونة وسلاسة أكبر من الجانب الفرنسي، وبطريقة تليق بمستوى وحجم العلاقات بين البلدين». في إشارة إلى ملف تأشيرة الدخول إلى فرنسا المثير للجدل، والذي تضبطه آليات «شنغن»، واتفاق ثنائي حول تنقل الأشخاص، يعود إلى عام 1968، وهو الاتفاق الذي تطالب الجزائر بإعادة النظر فيه.
تجدر الإشارة إلى أن فرنسا قلّصت عدد التأشيرات لفائدة الجزائريين بشكل كبير في العامين الماضيين، وهو ما أثار حفيظة السلطات. وقالت قنصلية فرنسا بالجزائر العاصمة، الأسبوع الماضي، إنها مقيدة من طرف «فضاء شنغن» بشأن هذه القضية.
وقال بوقادوم للصحافة بعد محادثاته مع نظيره الفرنسي، إنها «سمحت بتناول «العديد من الملفات تهمّ العلاقات الثنائية بين الجزائر وفرنسا في مختلف أوجهها، لا سيما في المجالين الاقتصادي والسياسي»، مؤكداً أن الطرفين «اتفقا على تفعيل مختلف آليات التعاون المشتركة بين البلدين».
وأضاف بوقادوم أن الجانبين قررا تفعيل اللجنة الاقتصادية المشتركة الجزائرية - الفرنسية، وكذا اللجنة الحكومية رفيعة المستوى، التي يرأسها مناصفةً رئيسا الوزراء بالبلدين. كما قررا، حسبه، «مواصلة الحوار الاستراتيجي والمشاورات السياسية على مستوى وزارتي خارجية البلدين». أما في المجال الاقتصادي فقد أشار بوقادوم إلى أنه «تم التطرق إلى الاستثمارات الفرنسية بالجزائر»، مضيفاً أنه «لاحظ استعداداً كبيراً لدى السيد لودريان لدعم رجال الأعمال الفرنسيين، وتشجيعهم على النظر إلى الجزائر كوجهة اقتصادية، بأكثر جدية».
من جهته، صرّح لودريان بأن «وجهات النظر بين فرنسا والجزائر حول القضايا الجارية في العالم متطابقة، ويشكل التشاور فيما بيننا أولوية». موضحاً أن الجزائر «تعد قوة توازن وسلم. فهي تتمسك باحترام سيادة الدول وبالحوار السياسي»، في إشارة ضمناً إلى الأزمة الليبية، والجهود الدولية المبذولة للتقريب بين الأطراف المتنازعة.
وحسب رئيس الدبلوماسية الفرنسية، فإن الجزائر «بلد يتم الإصغاء له ويحظى بالاحترام، ويمكننا بناءً على هذا الأساس أن نقيم معاً علاقة جد قوية».
يشار إلى أن رئيس الدولة عبد المجيد تبون استقبل لودريان، كما استقبله رئيس الوزراء عبد العزيز جراد. وقالت وزارة الخارجية في بيان إن الطرفين «ناقشا خلال المحادثات التي جمعتهما وضعية علاقات التعاون بين الجزائر وفرنسا، وسبل ووسائل تدعيمها. إضافة إلى استعراضهما بعمق القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وعلى وجه الخصوص الوضع في ليبيا ومالي».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم