نساء منسيات في مخيم الهول بسوريا يناشدن حكومة فرنسا مساعدتهن

في خطوة تعكس مدى حساسية ملف عودة الدواعش الأجانب إلى أوروبا

مخيم الهول في شمال شرقي سوريا يؤوي آلاف الأطفال والنساء من عائلات الأجانب الذين قاتلوا في صفوف «داعش» (أ.ف.ب)
مخيم الهول في شمال شرقي سوريا يؤوي آلاف الأطفال والنساء من عائلات الأجانب الذين قاتلوا في صفوف «داعش» (أ.ف.ب)
TT

نساء منسيات في مخيم الهول بسوريا يناشدن حكومة فرنسا مساعدتهن

مخيم الهول في شمال شرقي سوريا يؤوي آلاف الأطفال والنساء من عائلات الأجانب الذين قاتلوا في صفوف «داعش» (أ.ف.ب)
مخيم الهول في شمال شرقي سوريا يؤوي آلاف الأطفال والنساء من عائلات الأجانب الذين قاتلوا في صفوف «داعش» (أ.ف.ب)

منذ سقوط «الخلافة» التي أعلنها «داعش» في عام 2014، في العراق وسوريا، يجد المجتمع الدولي نفسه أمام معضلة إعادة عائلات المسلحين الذين عملوا في التنظيم الإرهابي المحتجزين في هذين البلدين. ودعا محققون من الأمم المتحدة الدول المعنية إلى إعادة أولاد هؤلاء مع أمهاتهم. وتجري عمليات الإعادة إلى دول مثل النمسا وألمانيا وفرنسا والنرويج ببطء شديد. ويوم الاثنين، أعلن «حزب التقدم» اليميني الشعبوي انسحابه من الحكومة النرويجية احتجاجاً على إعادة امرأة مع طفليها، متهمة بأنها عملت في صفوف «داعش»، من سوريا إلى النرويج، متسبباً في انهيار الائتلاف الحاكم في النرويج، في خطوة تعكس مدى حساسية ملف إعادة عائلات المقاتلين المتطرفين الأجانب إلى أوروبا.
وفي مخيم الهول المكتظ، أحد أكبر المخيمات الثلاثة التي تدار من قبل الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرقي سوريا، وتؤوي 12 ألف طفل وامرأة من عائلات الأجانب الذين قاتلوا في صفوف «داعش» قبل دحر التنظيم الإرهابي، يلهو الأطفال بين الخيم وسط ما يشبه مستنقع طين، ونساء منقبات يهرعن للحصول على مساعدات إنسانية، بينما تنتظر أخريات أمام عيادات طبية، فيما يقصد عدد منهن السوق لشراء احتياجاتهن.
وتعيش الأجنبيات مع أطفالهن في قسم خاص يخضع لحراسة أمنية مشددة، حتى أن عناصر الأمن الكردي يرافقن النساء متى رغبن بزيارة العيادات الطبية.
وتعيش «أم محمد» مع أطفالها في مخيم الهول. وعلى غرار عشرات الآلاف من النازحين وعائلات المسلحين في المخيم، تعاني من ظروف معيشية صعبة، خصوصاً خلال فصل الشتاء، إذ تُغرق الأمطار الخيم، وتنخفض درجات الحرارة إلى حدّ كبير، في غياب وسائل كافية للتدفئة. وتنتشر آلاف الخيم البيضاء بعضها قرب بعض في المخيم. كما توجد أعمدة للطاقة الشمسية، وخزانات مياه في كل ناحية، وفي بعض الزوايا أسواق خضراوات ومواد غذائية وثياب مزدحمة بالناس. وتناشد الشابة الفرنسية «أم محمد» حكومة بلادها منحها فرصة جديدة مع أطفالها الأربعة، عبر إعادتهم إلى فرنسا التي غادرتها قبل سنوات نحو أرض «الخلافة» المزعومة التي أعلنها تنظيم داعش. وتقول «أم محمد» (30 عاماً)، مستخدمة اسماً مستعاراً، لوكالة الصحافة الفرنسية، داخل القسم المخصص للعائلات في المخيم: «أوجه رسالة إلى فرنسا، نطلب منهم أن يمنحونا فرصة أخرى لأننا تعبنا كثيراً، ونودّ بالفعل أن يلتحق أطفالنا بالمدارس».
وتوضح السيدة المنقبة أنّ زوجها (الفرنسي أيضاً) قتل «قبل فترة طويلة في هجين»، إحدى أبرز البلدات التي كانت تحت سيطرة التنظيم المتطرف في شرق سوريا قبل طرده منها نهاية عام 2018.
وتضيف «أم محمد» باللغة الفرنسية: «نودّ أن تعيدنا الحكومة الفرنسية، وأنا أعلم أن عدداً كبيراً يرغب في ذلك؛ هذا واضح»، مشيرة إلى أن «ثمّة جزءاً آخر لا يريد ذلك، وهذه مشكلته». وتتابع بانفعال: «فلنحاكم في فرنسا، وينتهي الأمر»، قبل أن تضيف بحزم: «لم أقتل أحداً (...) ليست لديهم أدلة أساساً لمحاكمتي، لأنني لم أفعل شيئاً».
وقصدت «أم محمد» سوريا رغبة منها في أن «تعيش الإسلام الحقيقي، وتتمكن من ارتداء النقاب بحرية»، إلا أنها اكتشفت بعد وصولها أن «الوضع هنا أكثر صعوبة مما كان عليه في فرنسا».
ولا تخفي الشابة الفرنسية «نور» (23 عاماً)، التي تمتنع عن ذكر اسمها الكامل لوكالة الصحافة الفرنسية، رغبتها بالعودة إلى بلدها أيضاً، إذ إن «الحياة في المخيم ليست الأفضل (...) نعيش في خيم وسط البرد، والناس مرضى (...) لا يحق لنا استخدام الهاتف أو التواصل مع عائلاتنا». إلا أن عودتها مشروطة بعدم فصلها عن أطفالها، إذ تقول: «نرغب في ألا يتم فصلنا عن أطفالنا، وأن نبقى معاً. أما إذا كان الهدف إبعادنا عنهم، فلا أجد فائدة في ترحيلنا».
وتقرّ الشابة المنقّبة بأن «مشقات» عدة ستواجهها في حال عودتها إلى فرنسا قبل أن تبدأ «حياة جديدة»، وترفض سجنها «لعشر سنوات» بعيداً عن أطفالها، وتقول: «قمنا بمغامرة... نريد العودة فقط. لا أريد البقاء في هذا المخيم، هذا كل ما في الأمر؛ أرغب في أن أعيش حياة طبيعية».
وأعلنت فرنسا، تحت ضغط من الرأي العام، أنها ستكتفي على الأرجح بإعادة الأطفال اليتامى من أبناء المسلحين الفرنسيين، ولم تقبل حتى الآن باستعادة الأطفال الفرنسيين إلا بعد درس «كل حالة على حدة». وفي يونيو (حزيران)، استعادت فرنسا 12 طفلاً، معظمهم يتامى. وتقدر فرنسا وجود نحو 450 فرنسياً محتجزين أو يقبعون في مخيمات النزوح لدى الأكراد في سوريا.
ومنذ إعلانهم القضاء على «خلافة» التنظيم المتطرف في مارس (آذار)، يطالب الأكراد الدول المعنية باستعادة مواطنيهم المحتجزين لديهم، أو إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المحتجزين. إلا أن غالبية الدول، خصوصاً الأوروبية، تصر على عدم استعادة مواطنيها.
وقالت وزيرة العدل الفرنسية نيكول بيلوبي في 11 يناير (كانون الثاني): «إذا لم تكن هناك إمكانية لمحاكمتهم في المكان، فأنا لا أرى حلاً آخر سوى إعادة هؤلاء الناس إلى فرنسا»، في تصريحات بدت وكأنها تخالف موقف باريس المعلن. وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لاحقاً ضرورة محاكمة هؤلاء في «مكان ارتكاب جرمهم».
وفي القسم المخصص لـ«المهاجرات»، وهي التسمية التي تطلق على الأجنبيات من زوجات مقاتلي التنظيم، تمتنع نسوة كثيرات عن التحدث إلى وسائل الإعلام، إذ تسعى بعض النساء إلى منعهن، متحججات بتطبيق قواعد تنظيم داعش بعدم التحدث إلى الصحافيين. باقتضاب، تجيب «أمل» التي تستخدم اسماً مستعاراً على أسئلة «الصحافة الفرنسية» في أثناء تجولها في السوق لشراء ثياب لأطفالها، بينما تستخدم عكازين للسير جراء إصابتها في رجلها بقصف على بلدة الباغوز، آخر بلدة كان يسيطر عليها التنظيم في سوريا قبل أن تطرده منها «قوات سوريا الديمقراطية»، وعمودها الفقري «وحدات حماية الشعب» الكردية، بدعم أميركي. ولدى سؤالها عن فرنسا، تجيب السيدة: «ليس لديّ ما أقوله، هذا كل ما في الأمر؛ سأسكت». وترفض أن تكشف أي تفاصيل عن زوجها الذي قتل خلال المعارك ضد التنظيم، أو عن جنسيته، مشيرة إلى أنه ليس فرنسياً. وتضيف باختصار: «فرنسا لا تريدنا (...) لا تريد (داعش)»، مضيفة: «أنا لا أريد أن يحاكمني أحد».


مقالات ذات صلة

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
آسيا اللفتنانت جنرال فيض حميد (منصة إكس)

بدء محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية

بدأ الجيش الباكستاني محاكمة الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الباكستانية، في خطوة من المحتمل أن تؤدي إلى تفاقم التحديات القانونية ضد رئيس الوزراء السابق المسجون.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أوروبا أمرت النيابة العامة الفيدرالية بألمانيا باعتقال رجل يشتبه في كونه عضواً بجماعة «حزب الله» اللبنانية بهانوفر حيث يُعتقد أنه يعمل لصالحها داخل ألمانيا (د.ب.أ)

ألمانيا: إيداع سوري مشتبه في تعاطفه مع «داعش» بالحبس الاحتياطي

بعد عملية واسعة النطاق نفذتها الشرطة البافارية الأحد تم إيداع شخص يشتبه في أنه من المتعاطفين مع «تنظيم داعش» قيد الحبس الاحتياطي.

«الشرق الأوسط» (ميونيخ - شتوتغارت )
آسيا شرطي يراقب أفراداً من الأقلية المسيحية الباكستانية وهم يستعرضون مهاراتهم في الاحتفال بأعياد الميلاد على أحد الطرق في كراتشي بباكستان 8 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

باكستان: مقتل شخصين يحملان متفجرات بانفجار قرب مركز للشرطة

انفجرت عبوة ناسفة كان يحملها مسلحان مشتبه بهما على دراجة نارية في جنوب غربي باكستان، بالقرب من مركز للشرطة، الاثنين.

«الشرق الأوسط» (كويتا (باكستان))
أفريقيا وزير الدفاع الجديد تعهّد بالقضاء على الإرهاب في وقت قريب (وكالة أنباء بوركينا فاسو)

بوركينا فاسو: حكومة جديدة شعارها «الحرب على الإرهاب»

أعلن العسكريون الذين يحكمون بوركينا فاسو عن حكومة جديدة، مهمتها الأولى «القضاء على الإرهاب»، وأسندوا قيادتها إلى وزير أول شاب كان إلى وقت قريب مجرد صحافي.

الشيخ محمد (نواكشوط)

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يعلن عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.