«ويبقى الوطن»... فسحة موسيقية في الجامعة اليسوعية

هدفها تزويد اللبناني بجرعة هدوء

المايسترو أندريه الحاج يقدم حفل «ويبقى الوطن» في 23 الحالي بالجامعة اليسوعية
المايسترو أندريه الحاج يقدم حفل «ويبقى الوطن» في 23 الحالي بالجامعة اليسوعية
TT

«ويبقى الوطن»... فسحة موسيقية في الجامعة اليسوعية

المايسترو أندريه الحاج يقدم حفل «ويبقى الوطن» في 23 الحالي بالجامعة اليسوعية
المايسترو أندريه الحاج يقدم حفل «ويبقى الوطن» في 23 الحالي بالجامعة اليسوعية

لم يسبق أن قدّم المايسترو أندريه الحاج حفلاً موسيقياً يغيب عنه الإيقاع وتحضر فيه وبقوة مقطوعات كلاسيكية بحتة لموسيقيين لبنانيين. فهو اعتاد على إقامة حفلات موسيقية يكرم فيها عمالقة غناء من لبنان، أمثال زكي ناصيف، ووديع الصافي، وصباح، وملحم بركات، وغيرهم. لكن هذه المرة وفي ظل الأحداث والمشاغبات التي يشهدها لبنان ومواكبة للحراك المدني الذي انطلق منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغب في التحول إلى وجهة موسيقية جديدة.
ففي حفل «ويبقى الوطن» الذي يقيمه في 23 الحالي على مسرح بيار أبو خاطر في حرم كلية العلوم الإنسانية في الجامعة اليسوعية في بيروت، قرر قائد الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى المايسترو أندريه الحاج تكريم وطنه لبنان انطلاقاً من مقولة «نستمر رغم كل الظروف».
«لقد رغبت في كسر أجواء اللااستقرار التي نعيشها في ظل الأحداث الميدانية والاقتصادية المخيمة على لبنان». يقول المايسترو الحاج في حديثه لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «قررنا كمؤلفين وعازفين موسيقيين أن نلعب دورنا كما يجب. وتقصدت إقامة حفل موسيقي من هذا النوع احتراماً لنبض الشارع. ففي ظل ما نمر به، لا يصلح الاحتفال بموسيقى فاقعة ونافرة. من هنا جاءتني فكرة تقديم حفل يقتصر على الموسيقى الكلاسيكية التي تبعث على السكينة والهدوء في النفس».
ويتضمن هذا الحفل الذي يستغرق نحو 50 دقيقة مقطوعات موسيقية كلاسيكية لمؤلفين لبنانيين، أمثال الراحلين وليد غلمية والأخوين رحباني، وكذلك إلى جيل من الشباب الذي لفت العالم بموسيقاه.
وسيكون الحفل مشبعاً بموسيقى هادئة تصلح لكل الظروف. فتتحول إلى علاج من نوع آخر يرتكز على الموسيقى وينعكس على سامعها صفاءً وسكينة هو في حاجة إليها في أيامنا الحالية.
«إنه بمثابة تحدٍ جديد وصعب أخوضه هذه المرة والذي لم يسبق أن جرى في لبنان». يوضح المايسترو أندريه الحاج في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط». فحسب رأيه، هناك تعطش من قبل الناس في لبنان، وفي هذه الأوقات بالذات إلى نوع موسيقى يضفي عليهم راحة نفسية يحتاجون إليها.
«لقد تفاجأت بالإقبال الذي يبديه الناس لحضور هذا الحفل. فهم مشتاقون، كما أوضح لي غالبيتهم بأخذ فكرة استراحة والانفصال عن الواقع الذي يعيشونه من خلال فسحة موسيقية كلاسيكية».
ومن المقطوعات الموسيقية التي يتضمنها حفل «ويبقى الوطن»، واحدة لزياد الرحباني «آثار على الرمال»، التي رافقت أحد المسلسلات اللبنانية في منتصف السبعينات كشارة موسيقية. ولاقت يومها نجاحاً كبيراً ولا تزال أصداؤها تتردد حتى اليوم.
ومن الأعمال الأخرى التي يشهدها الحفل ودائماً مع زياد الرحباني «قديش كان في ناس» التي غنتها والدته فيروز في إحدى مسرحياتها. وتقدم الأوركسترا الفيلارمونية الوطنية معزوفات أخرى كـ«رقصة الغيرة» للرحابنة و«الفصل الأخير» لوليد غلمية. كما سيفتتح الحفل بمقطوعة «لونغا نوا آثر» لجيلبير يمين. وبالتالي، سيطل برنامج الحفل من خلال مقطوعات أخرى على أمال عالبال للراحل فؤاد عواد «لونغا حجاز»، ومازن صالحة «مع عودي» ولوليد نهرا «بين النور والروح».
ويعلق أندريه الحاج على هذا النوع من الحفلات التي لم تجرِ العادة على تقديمها في لبنان «كان على جيل العمالقة من الموسيقيين اللبنانيين أن يعوّدوا الناس على سماع هذا النوع من الموسيقى منذ بداياتهم كي يطالبوا بها باستمرار، فلا تمر مرور الكرام على الساحة الوطنية. فالمسرح الموسيقي، برأيي، هو ضرورة نحتاج إليها في ثقافتنا الفنية تماماً كالأعمال المسرحية الغنائية الاستعراضية. فيا ليتهم فكروا أن يقدموها ولو مرة واحدة كل شهر أو في مواسم متتالية».
وهل تخطط أنت شخصياً لتقديم هذا النوع من الحفلات على مدار السنة؟ يرد: «كل شيء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأوضاع التي نعيشها، فلولا ما نعيشه اليوم من أحداث وتقلبات سياسية واقتصادية في بلادنا، لما فكرت بهذا الاتجاه. وأتمنى أن يحدد لهذه الموسيقى مساحات كبيرة نستطلع فيها الجديد والقديم لتكون بمثابة غذاء روحي نتلقفه بين الحين والآخر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».