«أم الأشجار»... غرست أكثر من 8400 شتلة في 7 عقود

الناشطة الهندية تعدت الـ107 أعوام وأُدرجت قصتها في المناهج التعليمية

كانت تسقي وترعى عددًا لا يحصى من الأشجار وكانت تستمتع برؤيتها تنمو يوماً بعد آخر ليقرر الناس منحها لقب «أم الأشجار»
كانت تسقي وترعى عددًا لا يحصى من الأشجار وكانت تستمتع برؤيتها تنمو يوماً بعد آخر ليقرر الناس منحها لقب «أم الأشجار»
TT

«أم الأشجار»... غرست أكثر من 8400 شتلة في 7 عقود

كانت تسقي وترعى عددًا لا يحصى من الأشجار وكانت تستمتع برؤيتها تنمو يوماً بعد آخر ليقرر الناس منحها لقب «أم الأشجار»
كانت تسقي وترعى عددًا لا يحصى من الأشجار وكانت تستمتع برؤيتها تنمو يوماً بعد آخر ليقرر الناس منحها لقب «أم الأشجار»

قامت داعية البيئة في ولاية كارناتاكا الهندية الجنوبية، سالومارادا ثيماكا، بزراعة أكثر من 400 شجرة من أشجار «تين الهند»، وأكثر من 8 آلاف شجرة أخرى، بجهدها الفردي، خلال الـ68 عاماً الماضية، واليوم تخطى عمر بعض الأشجار التي زرعتها 70 عاماً.
لم تتلق الناشطة البيئية أي تعليم رسمي، ورغم ذلك فهي خبيرة بيئية علمت نفسها بنفسها، ولذلك فهي مثال رائع أظهر للعالم كيف يمكن للمرأة غير المتعلمة أن تحدث فارقاً كبيراً في مجتمعها، بما حققته بمثابرة وعمل شاق بلا كلل.
نالت جهود سالومارلدا ثيماكا العديد من الجوائز وشهادات التقدير كداعية بيئية، كان أبرزها تأسيس جمعية باسمها، وإقامة احتفاليات متكررة كصدى لدعوتها لغرس الأشجار في جميع أنحاء الهند.
كما نالت الناشطة البيئية اعترافاً دولياً من قبل «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) التي أدرجتها ضمن أكثر النساء نفوذاً وإلهاماً في العالم عام 2016. ونالت مؤخراً أعلى وسام مدني في الهند هو وسام «Padamshree» من الرئيس الهندي عن خدماتها الجليلة للبيئة.
حتى بعد أن بلغت سنها هذه فهي لا تزال تتلقى الدعوات لحضور العديد من فعاليات التشجير، وتقطع مسافة نحو 10 آلاف كيلومتر شهرياً لزراعة أشجار جديدة أو رعاية أشجار قديمة. وعلى الرغم من أنها لم تلتحق بالمدرسة، فقد أدرجت سيرتها في المناهج الدراسية في الهند، ناهيك عن قصيدة شعرية مقررة على طلبة المدارس في مدحها.

كيف كانت البداية؟
تزوجت في سن مبكرة من راعي ماشية يدعى تشيكايا، وخرج الزوجان سعياً للقمة العيش، ليعملا في حراثة الأرض وقطع الحجارة. لم تتمكن من الحمل لفترة طويلة وكانت مثاراً للسخرية من أقرانها. وبدلاً من الاستسلام لأحزانهما قرر الزوجان فعل شيء مختلف. تسترجع ثيماكا ذكريات الماضي قائلة: «كنا نقضي أمسياتنا وحيدين، إذ لم نرزق بأطفال. لكن زوجي كان رجلاً لطيفاً رغم كل الضغوط عليه للبحث عن زوجة أخرى، لكنه كان دائم الرفض، وظل يفكر في شيء ما يشغل حياتنا. وذات يوم، قرر كلاهما ببساطة زراعة الأشجار. لا شيء غير عادي في الأمر». لكن على عكس معظم الأشخاص الذين زرعوا تلك الأشجار في الحدائق، فقد اختار الزوجان تظليل الطريق الترابية التي تربط بين بلدتي هلكال وكودار بصفين متراصين من الأشجار على الجانبين، وتقول: «كانت طريقاً جافة ساخنة بفعل حرارة الشمس، وكان على القرويين الذهاب إلى كودار مراراً وتكراراً. لذلك رأينا أنه سيكون من الرائع أن نزرع الأشجار لتظليل الطريق».
بدءاً بزراعة الأشجار في حضانة للأطفال الصغار لتصبح زراعة ورعاية الأشجار مهمتهما الأساسية، وجنباً إلى جنب مع زوجها، كانت تسقي وترعى عدداً لا يحصى من الأشجار، وكانت تستمتع برؤيتها تنمو يوماً بعد آخر، ليقرر الناس منحها لقب «أم الأشجار».
«كان زوجي يحفر العديد من الحفر الصغيرة، وكان علينا أن نغرس فيها الشتلات، ونحيطها بالأغصان والفروع لحمايتها، ثم ذهبنا إلى صانع الأواني الطينية واشترينا أنيتين لاستخدامهما في جلب الماء من البئر. كنا حريصين على أن نسقي الأشجار كل يوم حتى يشتد عودها، ثم كل ثلاثة أيام لمدة عام، ثم كل أسبوع إلى أن تبلغ العاشرة من العمر»، على حد تعبيرها. وكانت ثيماكا تنطلق كل صباح وقد وضعت قدراً على رأسها، والآخر على يدها، وقدرين آخرين مثبتين على طرفي عصا طويلة على كتفيها بعد ملئها مراراً من الآبار والبرك على طول الطريق، لتملأ القدر بالماء نحو 40 إلى 50 مرة يومياً لتسقي به الأشجار. عندما سألناها عن عدد الأشجار التي زرعاها، أجابت قائلة: «لم نعدهم. لم يخبرني زوجي أبداً بعددهم. لقد نمت لتوها وأصبح حجمها كبيراً لدرجة أن ثلاثة أشخاص لا يستطيعون معانقة شجرة واحدة». أصبحت «أم الأشجار» معروفة بعد حصولها على جائزة «المواطن المثالي» لعام 1996 وجائزة «غودفري فيليبس» عام 2006.

سر حياتها الطويلة الصحية
من يري ثيماكا لا بد أن يلحظ الابتسامة التي لا تفارق وجنتيها، رغم تقدمها في العمر، ورغم الزمن الذي أبى إلا أن يترك أثره عليها. هي لا تزرع الشجر بأمر من أحد، ولا حتى بغرض حماية البيئة، فكل تلك الأسباب أمور ثانوية بالنسبة لها. فلدى سؤالها عن السبب في مواظبتها على زراعة الأشجار، كأنها ناسك واظب على العبادة، فإن إجابتها دائماً واحدة: «هذا ما يمنحني السعادة. قدري ألا يكون لدي أطفال. ولهذا السبب، خططنا لزراعة الأشجار وتربيتها لكي نراها تنمو كنعمة من النعم أمامنا. لقد تعاملنا مع الأشجار كأطفالنا. كل شجرة هي طفل بالنسبة لي. أحب أن أزرعها وأعتني بها حتى تنضج وتنمو أمامي كما ينمو الطفل».
وحسب ابنها بالتبني أومش، فإن «أم الأشجار» تستقبل عشرات الزوار كل يوم، وتلتقي بكل من يرغب في رؤيتها، ولا تتواني عن المشاركة في أعمال الخير ومساعدة الآخرين. فبعد أن بلغت هذا العمر، فإنها تستيقظ في معظم الأيام الساعة الخامسة صباحاً، وفي السابعة تتناول فنجاناً من القهوة. وفي التاسعة صباحاً، وكذلك الساعة 7.30 مساءً، تجلس لتشاهد حلقات «كانادا» في التلفزيون حتى العاشرة، وأحياناً بعد ذلك. ورغم ذلك، فإن لديها طاقة ووقتاً طويلاً لتقضيه في «رعاية أطفالها» من الأشجار.
حظيت «أم الأشجار»، ببساطتها، على إعجاب وتصفيق الحضور عندما قامت في حفل توزيع الجوائز بمنح بركتها للرئيس الهندي رام ناث كونفيند، الذي يصغرها بنحو 33 عاماً، وذلك بلمس رأسه في قصر الرئاسة الذي يراعي البروتوكول الصارم.
كان الرئيس يقف منتظراً قدومها، وبعد أن تسلمت الجائزة بيد واحدة، باركته بيدها الأخرى، وهو ما قوبل بابتسامة عريضة وتصفيق من جميع الحاضرين، بمن فيهم رئيس الوزراء الهندي.
وظهر الرئيس الهندي متأثراً بهذه الإيماءة التي أشار إليها في تغريدة لاحقاً عندما قال: «حظيت بشرف كبير في حفل توزيع الجوائز، بأن أشارك في تكريم بعض من أفضل من أنجبتهم الهند. لكنني اليوم تأثرت بشدة عندما باركتني السيدة سالومارادا ثيماكا، الناشطة والمدافعة عن البيئة من ولاية كارناتاكا، التي بلغت عامها 107 من العمر لتصبح أكبر الحاصلين على جائزة بادما هذا العام». وأضاف أن سالومارادا ثيماكا تمثل نموذجاً في العزيمة والإصرار والمثابرة للمواطن الهندي، خصوصاً من النساء في بلادنا.
نصيحة ثيماكا للأطفال دائماً هي أن «البيئة ستظل السيف الذي أقاتل به من أجل حياة أفضل. أحرص على أن تكون البيئة هي سيفك أيضاً. نحن نفقد أشجارنا وبحيراتنا في المدينة، بسبب إهمال السلطات. فبحيراتنا تتضاءل والأشجار تقطع لتحل مكانها مبانٍ شاهقة. أنت المستقبل وعليك منع حدوث ذلك».
في سن 107 أعوام، بالتأكيد لم تعد «أم الأشجار» قادرة على العمل الشاق، لكن يديها وعزيمتها باتا يشكلان جزءاً مهماً من جهود البلاد في سبيل الحفاظ على بيئة خضراء.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».