جوائز أدبية باسم إحسان عبد القدوس في ذكرى رحيله

إصدار طبعات جديدة لأعماله في معرض القاهرة للكتاب

جانب من حفل توزيع جوائز مسابقة إحسان عبد القدوس (الشرق الأوسط)
جانب من حفل توزيع جوائز مسابقة إحسان عبد القدوس (الشرق الأوسط)
TT

جوائز أدبية باسم إحسان عبد القدوس في ذكرى رحيله

جانب من حفل توزيع جوائز مسابقة إحسان عبد القدوس (الشرق الأوسط)
جانب من حفل توزيع جوائز مسابقة إحسان عبد القدوس (الشرق الأوسط)

احتفلت مؤسسة «روز اليوسف» المصرية بالذكرى الثلاثين لرحيل الكاتب إحسان عبد القدوس، ومرور أكثر من 100 عام على ميلاده، عبر استضافتها حفل توزيع جوائز «مسابقة إحسان عبد القدوس الأدبية»، التي أطلقتها أسرته وخصصت لها جوائز مادية في القصة القصيرة، والرواية، والمقال النقدي، ونُظم الحفل بقاعة تحمل اسم عبد القدوس بالطابق السادس بالمؤسسة، تتزين بأفيشات أفلامه وصوره الشخصية مع صور والدته السيدة فاطمة اليوسف، الشهيرة بـ«روز اليوسف» مؤسِسة الدار.
وقال عبد الصادق الشوربجي رئيس مجلس إدارة «روز اليوسف» على هامش الاحتفال إن «المؤسسة سوف تنظم احتفالاً كبيراً بذكرى مئوية ميلاد إحسان عبد القدوس، بجانب إصدار كتاب ضخم بعنوان (أسطورة إحسان) وطرحه للمرة الأولى بمعرض القاهرة الدولي للكتاب».
وتم كشف الستار خلال الاحتفال عن تمثال نصفي للكاتب الراحل من تصميم الفنان محمد ثابت، تم وضعه بمكان بارز بالمؤسسة التي تقع بشارع القصر العيني (وسط القاهرة).
وعبد القدوس واحد من أعلام الصحافة المصرية والأدب العربي، إذ أصدر نحو 600 عمل بين القصة القصيرة والرواية، وترجمت بعض أعماله إلى لغات أجنبية، وقدمت السينما المصرية نحو 47 فيلماً مأخوذاً عن رواياته. كما أنه تولى رئاسة تحرير مجلة «روز اليوسف» وعمره 26 عاماً فقط، نجح خلالها بالقفز بأرقام توزيعها، كما ترأس تحرير صحيفة «أخبار اليوم» المصرية خلال الفترة من 1971 وحتى 1974.
وعن علاقة إحسان عبد القدوس، بوالدته السيدة روز اليوسف، قال الصحافي محمد عبد القدوس، خلال الحفل، إن «والده وصفها بالمعجزة، خصوصاً بعد وصولها إلى الإسكندرية من دون أي أقارب، قبل أن تبدأ مشوارها كممثلة مسرحية، وحينما قررت إصدار مجلة (روز اليوسف) اجتمعت مع بعض مساعديها الذين اقترحوا أسماء كثيرة للمجلة، ففاجأتهم بقولها سأصدر المجلة باسمي (روز اليوسف)، وسوف تكتسب شهرتها من شهرتي كممثلة، وأبدى الجميع دهشتهم لهذا القرار، لكن رهانها كان سليماً فقد نفد العدد الأول بعد طرحه وتوالى نجاحها».
وأرسل عدد من نجوم الفن رسائل حب للكاتب الراحل عبر فيلم قصير، تم عرضه خلال الحفل، تحدثوا فيه عن أهمية مؤلفاته ورواياته التي تحولت إلى أعمال سينمائية مهمة، فقالت نبيلة عبيد: «بالتأكيد نفتقدك كأديب وإنسان... أشعر بالامتنان لكل ما قدمته لي من روايات مهمة في مشواري»، وقال حسن يوسف: «ما زلت أحبك كما رأيتك أول مرة»، ووجه سمير صبري الشكر له على ما أنجزه لازدهار السينما، وقالت نادية لطفي: «لا يزال حبك يشعرنا بالدفء».
وأعلنت الدكتورة رشا سمير، المشرفة على صالون إحسان الثقافي نتيجة المسابقة التي فاز فيها 15 مؤلفاً في مجال القصة القصيرة، والرواية، والمقال النقدي، وفازت بالمركز الأول في مجال القصة القصيرة الشاعرة عزة بدر عن قصة «طيور المحبة»، وقالت بدر «الشرق الأوسط»: «رغم حصولي على جوائز عدة خلال السنوات الماضية، فإن لهذه الجائزة مكانة خاصة كونها تحمل اسم إحسان عبد القدوس، الذي تميز بدعمه لقضايا المرأة في كتاباته وأعماله المتنوعة».
وفاز بالمركز الأول في الرواية خيري حداد، عن روايته «حسناوات الموصل»، وفازت د.أميمة منير جادو بالمركز الأول في المقال النقدي عن مقال «التابوهات المحرمة»، وقال د.يوسف نوفل رئيس لجنة تحكيم الجوائز إن «جائزة إحسان باتت تجتذب مشاهير الكتاب والمبدعين من مختلف الأعمار، لأنها لا تشترط الآن أعماراً محددة للمتقدمين»، وذكر أنه «تقدم للمسابقة هذا العام 40 رواية و140 قصة قصيرة و15 مقالاً نقدياً».
ووفق المهندس أحمد عبد القدوس، نجل الكاتب الراحل، فإنه «سوف يتم إصدار طبعات جديدة لأعماله في معرض القاهرة للكتاب العام الجاري»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «من المقرر الاحتفاء بوالدي أيضاً في سينما (زاوية) بوسط القاهرة عبر (أسبوع أفلام إحسان عبد القدوس)». وعبر عن سعادته بحضور عدد كبير من الأدباء والإعلاميين والمثقفين المصريين في حفل «روز اليوسف».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)