ما الذي يمكن أن نراه من الماضي حين نحاول استعادة أحداثه من الذاكرة... وكيف يمكننا استخلاص لحظة بعينها من بين عشرات السنوات المتعاقبة في حياتنا... وهل يمكن وصف ما تحمله الحياة من تجاعيد زمنية؟، أسئلة حاول الفنان التشكيلي المصري السبعيني أحمد فريد الإجابة عنها عبر لوحاته المعروضة حالياً بغاليري «سفر خان»، تحت عنوان «تراكم»، والذي يعد المعرض السابع له في مصر، بعد تنظيمه عدداً من المعارض السابقة في أميركا وإيطاليا.
تعتمد فلسفة المعرض الذي يستمر حتى 14 فبراير (شباط) المقبل، على التراكم الزمني والثقافي وكيف يتسنى للإنسان إعادة وصف الأحداث، كل ذلك بأسلوب تجريدي بألوان متنوعة وحادة في مجملها. يظهر باللوحات تفاصيل خاصة بالمدن والبحار والحروب دون وضع توصيف أو أسماء لها، إذ تعمد فريد ذلك، قائلاً في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط»: «أردت أن يرى كل مشاهد ما يعكس جزءاً من عالمه دون توجيه مني».
يعتمد فريد على مزج كثيف للطبقات اللونية، لتبدو اللوحة بارزة وموحية ومبهجة في آن واحد، لذلك كان تهامس الحضور المستمر حول ماهية كل لوحة، يضفي حيوية على مشهد افتتاح المعرض، فاللوحات تعكس زخماً إيجابياً ولكل لوحة عالمها الخاص.
أمام لوحة تشبه فوضى الميادين في المدن الكبرى، يكثر بها كتل لونية سوداء وزرقاء، وقف فريد، مؤكداً أنه استغرق العمل عليها ثلاث سنوات كاملة، وهي أقدم لوحه بمعرضه.
أما اللوحة التي يبرز فيها اللون الأحمر الصارخ لتبدو كانفجار كبير، كانت سبباً في توقف عدد من الزائرين أمامها بسبب المزج اللوني والطبقات المتقنة، عن ذلك تقول الفنانة التشكيلية المصرية نهى دياب لـ«الشرق الأوسط»: «لفريد إحساس عالٍ باللون، وقدرة كبيرة على مزج الألوان». وأضافت: «لوحات فريد تنبض بالحياة دائماً، وتقبل التأويل في كل مرة تتم مشاهدتها».
في كل لوحات المعرض، يلحظ الزائر عناصر للهدم والبناء بفعل التراكمات الثقافية وعوامل الزمن ربما يعكس ذلك خلاصة تجربة فريد في الحياة، الذي يهوى إثارة الدهشة لدى مشاهدي لوحاته.
ما يثير الإعجاب أيضاً أن فريد يعد حديث العهد نسبياً بمجال الفن التشكيلي، إذ قرر احتراف الفن في الثانية والخمسين من عمره، قبلها لم يسبق له الرسم في حياته، وإن ظل متابعاً جيداً للحركة الفنية بحكم سفره وإقامته في إيطاليا سنوات عدة.
يؤكد فريد أنه لم يتردد في عرض أولى محاولاته في الرسم أمام جمهور، وكان يمارس الفن في البداية بشكل تلقائي، قبل أن يتجه إلى الدراسة المتخصصة بأكاديمية فلورنسا للفنون، مؤكداً أن ما شجعه على ذلك البيئة المرحبة بالتعلم في جميع المراحل العمرية، حيث توجد معاهد متخصصة لتعليم الكبار.
بعد ذلك استمرت محاولات فريد في الفن التشكيلي وبيعت أول لوحة له في مزاد عالمي بصالة كريستيز ببريطانيا بنحو 20 ألف دولار أميركي، ومع ذلك لا ينتظر فريد مقابلاً مادياً لأعماله، مؤكداً أنه عكس الفنانين الشباب، بعد تحقيقه اكتفاءً مادياً مناسباً، وبات يخضع للقيم الفنية فقط.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بدأ فريد في تقديم دورة قصيرة متخصصة لطلاب الدراسات العليا بأكاديمية فلورنسا للفنون أيضاً، يتناول مسيرته الفنية وتجربته في مجال الفن التشكيلي، عن ذلك يقول فريد إن «تجربته تلهم الطلاب أن كل شيء ممكن، فلا موانع في وجه المبدع الحقيقي».
تأثر فريد في لوحاته بالمدرسة التجريدية التعبيرية، التي ظهرت في نيويورك خلال الخمسينات من القرن الماضي، لكن هذا لم يمنعه من وضع لمسته المميزة، وفق ما تؤكده الفنانة التشكيلية المصرية هويدا سليم قائلة: «أعرف لوحات فريد بمجرد رؤيتها بسبب أسلوبه المختلف في مزج الألوان والتعبير بها».
استعادة الأحداث التاريخية في معرض «تراكم» بالقاهرة
25 لوحة تجريدية للفنان أحمد فريد
استعادة الأحداث التاريخية في معرض «تراكم» بالقاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة