قال الممثل اللبناني المخضرم وحيد جلال، إن لديه مآخذ كثيرة على أعمال الدراما اليوم، وهو ما دفعه إلى رفض أكثر من عرض للمشاركة فيها. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك برأيي انحدار ملحوظ في هذه الأعمال خصوصاً لناحية الموضوعات التي تتناولها. وهذا الأمر جعلني أرفض نحو 12 عرضاً تمثيلياً لأنها لم تقنعني. فأنا أنتمي إلى جيل من الممثلين المحترفين ولم أرغب أن يشار إليّ بالأصابع ويقولون: شو هالآخرة يا وحيد؟». ويتابع في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا اليوم أعيش لحظات جميلة في حياتي من خلال تكريمات عديدة تقيمها لي دول عربية أمثال إمارة دبي والمملكة العربية السعودية التي كرّمتني مؤخراً كأحد عمالقة الدوبلاج للأفلام الكرتونية في لبنان والعالم العربي. ولا يمكنك أن تعرفي مدى السعادة التي تغمرني عندما يجري تكريمي أو يقترب أحدهم مني ويقول لي: والدتي ربّتني على صوتك، وأنا بالتالي أقوم بالمثل مع ابني. فهذه المشاعر المرهفة التي يقابلني بها الناس تُشعرني بالفخر والاعتزاز». لا يعتب وحيد جلال على منتجي الدراما اليوم لأنهم لا يستعينون به في دور معين بعدما كان يعد أحد أبطال الشاشة المعروفين أيام الأبيض والأسود وفي زمن الفن الجميل: «لا أتابع كثيراً التلفزيونات وبرامجها ولكني أشغل نفسي بأمور كثيرة تخوّلني التطور والنقد. فأنا مكتفٍ مادياً ومعنوياً والحمد الله ولا أنوي أن أخطو أي خطوة ناقصة تسيء إلى تاريخي الفني الطويل».
ويعد وحيد جلال أحد الممثلين الذي ترك أثره على أجيال متلاحقة منذ السبعينات والثمانينات إنْ في العملين الدراميين «حكمت المحكمة» و«المفتش» أو من خلال دبلجته بصوته الرخيم أفلام كرتون كالقبطان جون سيلفر في «جزيرة الكنز» وكذلك في أفلام «زينة ونحول» التي لا تزال حتى اليوم تتذكرها أجيال تربّت عليها. وتميز بحضور صوته الطيّع بحيث كان في استطاعته التلاعب به حسب الشخصية التي يلعبها عن طريق الدوبلاج. وعن سبب تغيير اسمه من عبد الواحد عبد الفتاح زنتوت إلى وحيد جلال يقول: «لقد شعرت بأن اسمي لا يتناسب مع العصر الذي أعيش به سيما وأني عانيت من التنمر بسببه في المدرسة. فكانوا ينادونني أحياناً بعبد الاثنين والثلاثة وما إلى هنالك من تسميات ساخرة. وعندما دخلت مجال الفن وكنت يومها لا أزال في السابعة عشرة من عمري قررت تبديله بوحيد الذي يختصر (عبد الواحد) ومن ثم أرفقته بـ(جلال) إذ وجدته اسماً فنياً رناناً».
يحنّ وحيد جلال إلى أيام زمن الفن الجميل التي حسب رأيه لا يمكن مقارنتها بالساحة الفنية اليوم: «التمثيل كما الغناء، فإذا كنا لا نطرب لفنان ما، ونردد مع غنائه (الآه) تلو الأخرى فهذا يعني أننا أمام مغنٍّ عادي. وكذلك بالنسبة إلى الممثل، إذ يجب أن يسرقنا منذ اللحظة الأولى في أدائه، وهو أمر لا نصادفه كثيراً في أعمال الدراما اليوم. فهناك أشياء كثيرة تنقصنا في هذا الإطار بدءاً من الموضوعات التي نتناولها مروراً بأسلوب الكتابة ووصولاً إلى الحوار والنص المهيمنين على العمل. فموضوعات اليوم تتراوح ما بين الخيانة الزوجية والمخدرات والقتل والأسلحة. أما في الماضي فكانت أعمالاً كـ«حكمت المحكمة» لكاتبها الصحافي فاضل سعيد عقل. فكان ينسخ واقعاً معيشاً من مصادر يحتكّ بها مباشرةً لينقلها إلى الشاشة الصغيرة، وكذلك مسلسل «المفتش»، فهما دفعا بالمشاهدين الشباب إلى التحول لدراسة المحاماة أو دخول مدرسة الشرطة. فكانت الأعمال الدرامية تزوّد المشاهد برسائل توعوية مباشرة تولد لديهم الأمل لا الإحباط».
ولكن الممثلين اللبنانيين كما المخرجين والكتاب اليوم بات اسمهم منتشراً ومطلوباً في مختلف الإنتاجات العربية؟ «هو أمر جيد بالطبع وأتمنى التطور والازدهار لهم يوماً بعد يوم وأكثر فأكثر. فنحن أيضاً انطلقنا من تلفزيون لبنان الذي كان الوحيد على الساحة الإعلامية المرئية العربية. وكانوا يطلبوننا في سوريا والأردن وغيرها. ولكن كان هناك احترام كبير يكنّه الكاتب والمخرج للمشاهد. أما اليوم فتغيب هذه القيمة عن بعض الأعمال وتحل العبارات البذيئة بديلاً عنها. فهل هذا يلمع صورة الممثل أو يعلّم المشاهد دروساً تفيده؟ فمع الأسف كل الفنون تشهد تراجعاً وليس في لبنان فقط بل في مختلف الدول العربية كمصر وكذلك في أميركا».
ويتذكر وحيد جلال زملاءه في السبعينات والثمانينات «كما ميشلين ضو وشقيقتها ليلى. كان هناك إيلي صنيفر وليلى كرم وناديا حمدي ووفاء طربيه وغيرهم. كنا مندفعين نحب نجاح بعضنا ولا نشعر بالحسد أو الغيرة من هذا وذاك. لقد شكّلنا ركيزة أساسية في عالم الدراما تتوارثها الأجيال حتى اليوم».
ولكن إلى ماذا يحنّ وحيد جلال اليوم؟ «أحن إلى جمهور أيام زمان الذي كان يقدّر الفن وأهله. وعندما طالعني أحد سائقي التاكسي ليقول لي إنه كان من متابعيَّ مع أفراد عائلته مجتمعين أمام الشاشة الصغيرة أغتبط، سيما وأن هذا السائق أسرّ لي أنه يملّ حالياً وهو يجلس أمام الشاشة الصغيرة ممسكاً بجهاز (ريموت كنترول) ليتنقل بين قناة وأخرى خوفاً على مشاعر حفيدته من خروج عبارة غير مستحبة تسمعها بالغلط».
وعما إذا كان يعد نفسه صاحب صوت إذاعي لن يتكرر، يرد في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «هناك من يلقبني بـ(أسطورة الصوت) ولكن الصوت يولد مع صاحبه، وأنا شخصياً معجب بصوت وحيد جلال. وهو عطية من رب العالمين. ولكن بالتأكيد علينا الاهتمام به وصقله بالغناء والتمرين المستمر والإلقاء واللفظ السليم كي لا يصدأ. وقوام الصوت وتران، وعلينا الحفاظ عليهما باستمرار وإلا فقدنا قدرتنا على التمتع به». ولماذا لم تفتتح مدرسة أو أكاديمية تدرّس فيهما أصول الإلقاء واستخدام الصوت؟ «أولاً، لأنني لا أملك الإمكانيات المادية اللازمة وبالتالي كان على المهتمين بالأمر أن يرسلوا ورائي للقيام بهذه المهمة». ويبدي وحيد جلال تحفظه على أصوات المذيعين اليوم في العالم العربي وكذلك على أسلوب لفظهم العبارات بالعربية: «كثيرون منهم يطلون على قنوات فضائية عربية يسيئون إلى لغتنا الأم فلا يجيدونها على الأصول، لا بل يرتكبون أخطاء كثيرة في حقها. وأنصحهم بأن يُكثروا من القراءة خصوصاً بصوت مرتفع بعيد تسجيلهم لصوتهم. فكل ذلك يسهم في صقل لغتهم وفي طريقة إلقائهم. كما أن القراءة بنظري تُبعد عنا أمراضاً عقلية كثيرة فتبعد عنا التشتت الفكري والنسيان. وهذه الهواية هي المحببة إلى قلبي وعادةً ما أقرأ بالإنجليزية كتباً سياسية واقتصادية والكثير من قصص حياة شخصيات مشهورة».
وحيد جلال: مآخذي كثيرة على أعمال الدراما اليوم
تم تكريمه مؤخراً كأحد عمالقة الدوبلاج في العالم العربي
وحيد جلال: مآخذي كثيرة على أعمال الدراما اليوم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة