السناري... عندما يفتح التاريخ بواباته للفن والحياة

أحد مداخله المصنوعة من الحجر وتحده مشربيات خشبية
أحد مداخله المصنوعة من الحجر وتحده مشربيات خشبية
TT

السناري... عندما يفتح التاريخ بواباته للفن والحياة

أحد مداخله المصنوعة من الحجر وتحده مشربيات خشبية
أحد مداخله المصنوعة من الحجر وتحده مشربيات خشبية

حارة ضيقة تفصل بين نهر طريق الناصرية في حي السيدة زينب بالقاهرة وبيت «السناري» الأثري. بيت ما إن تقف على أعتابه الحجرية حتى تشعر أنّك قد جاورت زمناً آخر، وتركت زمنك في الخارج.
ورغم اعتباره مكاناً أثرياً، فإنّ بيت السّناري لم يتحوّل إلى متحف مغلق، بل إلى مكان لاستضافة الأنشطة الثّقافية في مصر، بعد أن انتقلت ملكيته إلى مكتبة الإسكندرية.
ولا تستقيم قصة بيت السناري من دون المرور على سيرة صاحبه، وهو الأمير إبراهيم السناري الذي نُسب البيت لاسمه. وقد رصد شيخ المؤرخين الجبرتي سيرته في أحد مؤلفاته، ذاكراً أنه من أهالي دنقلة في السودان، ونال من الصعود درجات حتى عُيّن «كتخدا»، أي ما يوازي درجة «محافظ» في لغة اليوم، وصار من أثرياء القاهرة، وكانت له عدة بيوت، أبرزها البيت الذي خلّد اسمه بعد أن أنفق أموالاً طائلة على بنائه.
وفارق إبراهيم السناري الحياة في مشهد درامي مُفجع، بعد أن دُعي مع عدد من الأمراء للحضور إلى الإسكندرية عام 1801، من قبل حسين باشا القبطان العثماني، وكانت خدعة منه لقتلهم جميعاً، فدفن السناري هناك بعيداً عن بيته.
ويرجع تاريخ إنشاء «بيت السناري» لعام 1794. وقبل عدة أعوام على رحيل صاحبه، كان الفرنسيون قد صادروه في عام 1798، وجعلوا منه مقراً لأعضاء لجنة العُلوم والفنون، وخُصّص بعدها لإقامة مصورّي ومهندسي وعلماء الحملة الفرنسية. وورد في كتاب «وصف مصر» أنّ كثيراً من الرّسوم والأبحاث التي أنجزها الرسّام الشهير هياسنته ريغو الذي جاء إلى مصر مع الحملة الفرنسية، تمت في بيت السناري.
ويبدو الأثر الفرنسي جلياً على تاريخ البيت وموقعه، حتى أنّ الحارة التي تؤدي إلى بيت السناري يُطلق عليها حتى اليوم حارة «منج»، نسبة إلى أحد علماء الحملة الفرنسية الذي أقام في هذا البيت. ومن ثمّ، تناوب فنانو وعلماء الحملة الفرنسية على الإقامة في البيت، حتى أخلي في عام 1933. وقد نقل إليه المجمع العلمي المصري 2012 بعد احتراق مقره القديم.
والقيمة التاريخية الكبيرة للبيت ترجع لالتقاء علماء وفنانين من الشرق والغرب في باحته، كما أنّه يتّسم كذلك بقيمة معمارية لا تفقد أصالتها مع الأيام. فمدخل البيت الكبير المُطل على حارة «منج» مصنوع من الحجر، وتحده «مشربيات» خشبية تأخذك إلى ممر على هيئة كهف يؤدي بالزائر إلى فناء البيت الفسيح الذي تُزينه نافورة، وتُطل عليه غرف البيت العلوية بنوافذها الخشبية الكبيرة الشّاهدة على فنون هذا العصر المعمارية، وتصعد إلى الغرف العلوية عبر درج حجري أملس يُحاكي تاريخ البيت القديم.
ومنذ أن توّلت مكتبة الإسكندرية الإشراف عليه، وبدأت في إدارته بشكل يتكامل مع سياستها وأهدافها بنشر الثّقافة والوعي الجماهيري، ينظم البيت برنامجاً شهرياً يضمّ أنشطة للأطفال، بالإضافة إلى الحفلات الشّهرية والنّدوات التثقيفية والمعارض الفنية والمحاضرات العلمية، لا سيما في أساسيات ترميم الآثار والخط العربي، وفنون العمارة الإسلامية والقبطية، وصناعة الجلود، وفنون الزّجاج، وغيرها من الأنشطة التي تجعله بيتاً من التاريخ يفتح بواباته للفن والحياة.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».