الشارع التونسي يتوسم «أمنا» في الانتخابات التشريعية

اختلاف في مقاييس الاختيار.. وإجماع على أهمية الشفافية

الشارع التونسي يتوسم «أمنا»  في الانتخابات التشريعية
TT

الشارع التونسي يتوسم «أمنا» في الانتخابات التشريعية

الشارع التونسي يتوسم «أمنا»  في الانتخابات التشريعية

في مطعم في منطقة لافايات وسط العاصمة التونسية أتم أحد الزبائن تناول طعام الغداء، وبعد أن دفع ثمن الأكل وهمّ بالمغادرة توجه إليه صاحب المطعم بالقول: «لا تنسَ يوم الأحد».. ابتسم الزبون واكتفى بالرد: «إن شاء الله»، ومضى في حال سبيله.
فهم كل من كان في المطعم أن الحديث يتعلق بالانتخابات التشريعية التي ستجري غدا في تونس. اقتربت من صاحب المطعم ويدعى رمزي معلى وسألته ماذا الذي قصده بالتحديد بقوله للحريف.. وما إذا كان يوصيه بأن ينتخب حزبا معينا أو هو يحثه فقط على المشاركة في الانتخابات.. ابتسم وقال: «بالطبع كنت أوصيه بالذهاب للتصويت... أنا أفعل هذا منذ أيام مع كل الزبائن حتى تكون المشاركة في الانتخابات واسعة». وأضاف: «أنا أرفض أن يتدخل أي كان في اختياري، وفي المقابل لا أسمح لنفسي بأن أتدخل في اختيار الآخرين أو حتى مجرد توجيههم نحو اختيار معين». سألت رمزي إن كان يتوقع مشاركة هامة في الانتخابات فأجاب: «أغلب زبائني في المطعم إن لم يكن جميعهم أكدوا لي أنهم سيقومون بالتصويت يوم الأحد»، علما بأن أغلب رواد هذا المطعم هم من الموظفين وليسوا من الطبقات الشعبية التونسية... أثار الحوار الذي جرى بيني وبين رمزي انتباه بقية الزبائن في المطعم، وعلق أحدهم: «سنعطي فرصة أخرى للسياسيين وسنرى إن كانوا سيكونون في المستوى».. عدت لأسأل رمزي: «ماذا ينتظر من البرلمان الجديد؟، فأجاب: «فقط أن يكون (حنين) على الشعب التونسي». وكلمة «حنين» في اللهجة التونسية تعني «حنون»، أي رؤوف بأحوال الشعب التونسي.
غير بعيد عن هذا المطعم وفي السوق المركزية لمنطقة لافايات حيث يوجد أيضا فضاء تجاري كبير، كان أحد المقاهي من جهة المدخل الرئيسي للسوق المركزي يعج بالرواد، أغلبهم من الموظفين الذين أتموا تناول الغداء وجلسوا لاحتساء كوب من الشاي قبل العودة إلى مكاتبهم لمواصلة العمل في فترة الدوام المسائية.. كان أغلب النقاشات يدور حول تطورات عملية محاصرة قوات الأمن لمجموعة مسلحة في منزل بمنطقة وادي الليل من محافظة منوبة (30 كلم غرب العاصمة)، خصوصا بعد قيام قوات الأمن باقتحام المنزل الذي كان به مسلحان و6 نساء وطفلان، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من بينهم نساء وأطفال. وبدا واضحا أن هذه الحادثة ألقت بظلالها على الشارع التونسي واستحوذت على أغلب الاهتمامات والنقاشات، بل إنها أنست الكثير من التونسيين أنهم مقبلون على انتخابات بعد 48 ساعة فقط. وقد ساهمت هذه الحادثة في إثارة الجدل من حيث تأثيرها على مشاركة التونسيين في الانتخابات، فهناك من يرى أنها قد تتسبب في عزوف بعض التونسيين عن التصويت مخافة حدوث عمليات إرهابية يوم الاقتراع، في حين يرى البعض الآخر أنها قد تدفع بالتونسيين إلى المشاركة الواسعة في انتخابات بعد غد الأحد، وذلك كردّ على التهديدات الإرهابية.
كانت الحركة في السوق المركزية رتيبة وكان عدد الزبائن قليلا.. على حافة مصطبة أحد باعة الخضر والغلال كانت هناك مجموعة مطبوعات لقائمة انتخابية. سألت البائع إن كانت هذه المطبوعات للحزب الذي سينتخبه أو أنه يقوم بالدعاية لقائمة ما، فأجاب: «مرّ هذا الصباح بعض الشباب ووزعوا المطبوعات كالعادة.. منذ مدة يزورنا كل يوم الشباب ويوزعون مطبوعاتهم ويحدثوننا عن مرشحيهم.. ولا خيار لنا إلا أن نجاملهم ونستمع إليهم ونتسلم المطبوعات». سألت البائع إن كان يعتزم التصويت فأجابني: «يوم الأحد هو يوم عمل بالنسبة إلي، وهو اليوم الذي يقتني فيه التونسيون عادة حاجاتهم من الخضر والغلال لأسبوع كامل»، وأضاف: «في انتخابات 2011 كان الإقبال على السوق ضعيفا جدا كامل يوم الاقتراع، ولا أعرف بالنسبة إلى هذه الانتخابات.. سنرى.. إن وجدت الوقت سأذهب لأنتخب رغم يقيني أن الأمور لن تتغير كثيرا».
في شارع فلسطين المؤدي من منطقة لافايات إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة وقفت مريم - موظفة في وكالة أسفار – بصحبة زميلتها إيناس – موظفة ببنك - أمام أحد الفضاءات المخصصة لمعلقات القوائم المرشحة لدائرة تونس 1، وكانت بعض المعلقات ممزقة لا تكاد تتبين من محتوياتها شيئا.. سألت مريم إن كانت بصدد الاطلاع على برامج الأحزاب لتحديد اختيارها فأجابت: «أنا لا أنتخب في دائرة تونس 1، بل في دائرة أريانة حيث أقطن.. أردت فقط أن أطلع على رؤساء قوائم تونس 1 لأنني لا أعرفهم كلهم.. ولكن أغلب المعلقات ممزقة وهذا سلوك مؤسف حقا وغير لائق.».. وحول ما إذا كانت تتوقع مشاركة واسعة في الانتخابات قالت مريم: «أعتقد أن نسبة المشاركة تبقى لغزا.. أنا عن نفسي حاولت أن أحث أغلب من أعرفهم على المشاركة في الانتخابات سواء من حيث نقاشاتي مع الناس مباشرة أو من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أقوم كل يوم بتوجيه مئات الرسائل لأصدقائي على (فيسبوك) أحثهم على المشاركة في الانتخابات.».، وأضافت: «تلقيت أيضا كثيرا من الرسائل من أصدقاء يريدون رأيي حول من سأنتخب ونصائح حول من ينتخبون.. أنا نفسي لا أعرف إلى الآن من سأنتخب ولكنني حصرت المسألة في 3 قوائم حزبية برامجها لا تختلف كثيرا».
تدخلت إيناس صديقة مريم في النقاش بقولها: «النتائج تبقى مهمة بالطبع، ولكن الأهم من كل شيء وللكثير من التونسيين حسب اعتقادي هو أن تجري هذه الانتخابات في أحسن الظروف، وخصوصا من الناحية الأمنية، وكذلك دون مناوشات بين الأحزاب المشاركة، وبالشفافية الكاملة دون تأثير وضغوط على الناخبين». وأضافت إيناس: «نحن نتطلع أن يحترم الجميع إرادة الناخب التونسي مهما كانت النتائج.».. استأذنت مريم ساحبة زميلتها إيناس باتجاه شارع الحبيب بورقيبة قائلة إنها طلبت رخصة من العمل بعد الظهر وإنها ستقضي باقي اليوم في شارع الحبيب بورقيبة، حيث أعلنت بعض الأحزاب أنها ستختتم حملاتها الانتخابية في هذا الشارع الرئيسي، وأنها ستحاول التعرف أكثر على ما تقترحه هذه الأحزاب لأن ذلك قد يساعدها على حسم اختيارها.
في أحد المقاهي في شارع فلسطين جلس فهمي عباس - أستاذ تعليم ثانوي في مادة التقنية - يتصفح جريدة يومية تونسية سألته إن كان يشارك في التصويت وأي مقياس سيعتمده لاختيار من سيصوت له.. ودون تردد أجاب فهمي: «بالطبع سأصوت يوم الأحد»، مضيفا قوله: «أنا سأختار في الأخير على قاعدة كفاءة رئيس القائمة التي سأختارها لا على قاعدة برنامج القائمة... فهناك من بين المرشحين شخصيات مرموقة تحظى بالاحترام رغم كونها تمثل أحزابا لا أتفق مع برامجها وتوجهاتها مائة في المائة».
هناك شبه إجماع في تونس أن الحماس الشعبي لانتخابات 2014 أقل بكثير من الحماس الذي رافق انتخابات 2011 التي جعلت آلاف التونسيين يقفون في الطوابير لساعات للإدلاء بأصواتهم، وهناك من يعتبر الأمر تعبيرا عن حالة إحباط من الواقع الذي تمر به البلاد وخيبة أمل بسبب تفاقم المصاعب أمام التونسيين، ولكن هناك قناعة أيضا عند التونسيين أن عدم المشاركة في الانتخابات ليست الحل وأن أول خطوة على طريق تجاوز تونس لمصاعبها هي نجاح هذه الانتخابات، وأن هذا النجاح يمر أيضا عبر تسجيل نسبة مشاركة محترمة في الاقتراع.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».