بيدي الشابة الغزّية عفاف... نبات الصبار يتحدث عن المشاعر والحب

ترعرعت في بيئة زراعية وافتتحت لاحقاً مشروعها الخاص

الشابة عفاف وسط مشتلها الزراعي (الشرق الأوسط)
الشابة عفاف وسط مشتلها الزراعي (الشرق الأوسط)
TT

بيدي الشابة الغزّية عفاف... نبات الصبار يتحدث عن المشاعر والحب

الشابة عفاف وسط مشتلها الزراعي (الشرق الأوسط)
الشابة عفاف وسط مشتلها الزراعي (الشرق الأوسط)

طويلاً يمرّ الوقت على الشابة عفاف مسعود (20 سنة) داخل مشتلها الزراعي الذي تعتني بين جوانبه بنباتات الصبار المختلفة، التي ربتها خلال الفترة الماضية، للوصول بها لمرحلة تمكنها من تزيينها وبيعها في زاويتها التجارية الواقعة وسط مدينة غزة. وتقول في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «النظرة المختلفة للصبار ورمزيته، هي ما دفعتني لهذا المشروع، فأنا أرى فيه الحياة والفرح».
نشأت الشابة وسط بيئة زراعية برفقة أسرتها التي تسكن في الأراضي الزراعية الواقعة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، الأمر الذي حفزها منذ الصغر على العناية بالمزروعات وحبها، ومع الوقت صارت مهتمة بالأصناف الزراعية النادرة التي تشمل الورود وبعض الأعشاب، إلى أن وصلت أخيراً للتعلق بنبات الصبار، وتحويله لمصدر دخل تفوقت فيه على حاجز البطالة التي يواجهها معظم الشباب في قطاع غزة.
وتوضح أن دراستها لتخصص الديكور والتصميم في جامعة الأقصى المحلية، ساهمت في توسيع أفق التفكير لديها ودفعها لدمج شغفها بتربية الصبار بالألوان والأشكال الهندسية وغيرها، مبيّنة أنّ ذلك تمّ من خلال الاعتماد على الأحواض الزجاجية وتزيينها ووضع النبات بها، وعرضها على منصات التواصل الاجتماعي للجمهور الذي أبدى إعجابه به بصورة لافتة، مما جعلها تدرك أهمية الأمر الذي صنعته. وتتابع كلامها: «كان جدي يعشق الأرض وتفاصيلها، ويقضي معظم أوقات يومه بين الأشجار التي يعرف تفاصيل نموها بدقة شديدة، وورث ذلك منه والدي الذي درس الهندسة الزراعية وعمل بها، وربى عشرات الأنواع من الحيوانات ونباتات الزينة»، مردفة: «ذلك وفر لي بيئة مناسبة، طورت من خلالها معرفتي الزراعية وفي الطبيعة بشكلٍ عام، وتعرفت على أصناف الصبار وطرق العناية به وغيرها».
وعلى الأقل استطاعت عفاف، تغيير مفهوم الناس وتعاملهم مع الصبار بالأشواك محلياً، ففي السابق كانوا ينفرون منه ولا يتعاملون معه، كونه يسبب لهم الأذى والوخز المؤلم، أمّا اليوم فصار مصدراً لزينتهم وبمثابة الخيار الأنسب الذي يلجؤون له في حال أرادوا إهداء أحد من أصدقائهم أو أقاربهم هدية قيّمة تحمل رمزية طبيعية، إضافة للنصوص المفعمة بالحب التي تزين الأوعية التي تضمها.
وتذكر مسعود أنّها تكتب على تلك الأوعية عبارات تشير إلى رسائل حب وفرح مقربة من قلوب الجميع وتستهويها، ومنها على سبيل المثال: «الكلام الحلو... مطر»، وتحرص على إنتاج بعض الرسومات التي تحمل إشارات معينة من دون كلمات محددة، لتترك مساحة لدى محبي منتجاتها للتأمل والتفكر.
وتروي مسعود: «أستخدم في تصاميمي أنواعا متعددة من الصبار، التي تتواجد في قطاع غزة، ومنها (ساق البامبو)، و(أصابع الشاموزين)، و(كرسي حماتي) وهذه تُزرع في الماء، والأخرى التي تحمل أسماء متعددة تُزرع في قوارير زجاجية، وهي غير موجود داخل القطاع، لأنّها صحراوية، لذا ألجأ بمساعدة والدي لاستيراد الصبار من داخل إسرائيل، وتحديداً من المناطق الجنوبية التي تقع ضمنها صحراء النقب».
وما يميز نبات الصبار، وفقاً لكلام الشابة، هو أنّه يعيش لفترات طويلة في ظلّ بيئات وظروف مناخية مختلفة، ولا يعتمد بشكلٍ كبير على الري بالماء، فهو صحراوي بالدرجة الأولى ويحتاج لجفاف يساعده على النمو، أمّا سعره فمرتفع نوعاً ما بالنسبة لسكان غزة الذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة.
وتبيّن مسعود أنها عكفت على تحويل فكرتها لمشروع قبل نحو عامين، وأطلقت عليه اسم «صبارة»، ويمثل بالنسبة لها قصّة نجاح، تشارك من خلالها في المعارض الفنية التي تعقد محلياً، كما أنّها افتتحت زاوية دائمة لبيعه ضمن أحد المراكز التجارية، مشيرة إلى أنّها بعملها هذا كسرت احتكار الرجال في الشارع الفلسطيني لهذا المجال.
وفي نهاية كلامها، تفصح عن أملها: «أطمح لتطوير مشروعي ليكون ريادياً أكثر، ويتمكن من استيعاب أيدٍ عاملة كثيرة، كما أني أتطلع للمشاركة في معارض عربية ودولية، لأنشر فكرة مشروعي الذي أتمنى أن يرافق نجاحه نجاحاً آخر في عالم التصميم والديكور، لأكون قادرة على دمج الصبار في الحدائق والمزارع بأسلوب فنّي معاصر، يميزني عن كل من يشتغل في ذاك المجال».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».