ملكة المخللات الهندية تحافظ على وصفات الماضي

في كتاب بسيط نُشر قبل 20 سنة

أوشا براباكاران مؤلفة كتاب «وصفات أوشا للمخللات»
أوشا براباكاران مؤلفة كتاب «وصفات أوشا للمخللات»
TT

ملكة المخللات الهندية تحافظ على وصفات الماضي

أوشا براباكاران مؤلفة كتاب «وصفات أوشا للمخللات»
أوشا براباكاران مؤلفة كتاب «وصفات أوشا للمخللات»

يُعتبر كتاب أوشا براباكاران لفنون الطهي، الذي نُشر لأول مرة بالجهود الذاتية قبل 20 سنة، مليئاً بوصفات الطهاة من المنازل، وهو كتاب بسيط للغاية، لكنّه تحول على نحو غير المتوقّع إلى أفضل كتب الطهي الكلاسيكية في البلاد.
كانت براباكاران في منزلها، تتحدث عبر الهاتف مع صديقة لها في الكلية، عندما تلعثمت على نحو مفاجئ، وتداعت الكلمات من بين شفتيها، وغامت الرؤية أمام عينيها، ثم سقطت سماعة الهاتف من يدها، لتسقط هي بعدها على الأرض.
كان العام هو 1998، وكانت براباكاران المحامية السابقة تعيش في مدينة تشيناي، وهي من كبريات المدن الهندية على الساحل الجنوبي الشرقي من البلاد، وكانت قد أمضت عشر سنوات كاملة من البحث واختبار مختلف الوصفات من أجل كتابها لفنون الطهي الشاملة تحت عنوان «وصفات أوشا للمخللات». وكانت هناك احتفالية من المقرر انعقادها في الأسبوع التالي.
وبعد سقوطها على الأرض ونقلها إلى المستشفى، علمت براباكاران أنّ هناك نوعاً نادراً من الفطريات قد احتلّ مكاناً غريباً من مقدمة رأسها، وأنّها في حاجة إلى إجراء جراحة لإزالة الورم المتكون عندها، مع فترات مطولة من الوقت للتعافي والاستشفاء التام. وسرعان ما نسيت أمر الكتاب والاحتفالية تماماً.
لكن على مدار العقدين التاليين، تحول كتاب «وصفات أوشا للمخللات»، الذي نشره مؤلف غير معروف بالجهود الذاتية مع أول طبعة منه ضمت 1000 نسخة فقط، إلى كتاب للوصفات الكلاسيكية في داخل البلاد وخارجها، وأشاد كثيرون بالدقة التي اتسمت بها الوصفات وتنوع المجالات التي تناولها، وجرى الاحتفاء به كثيراً عبر المدونات والمنصات الاجتماعية مع البحث الحثيث عن طبعاته في أكشاك بيع الكتب والمتاجر حيث كان يُباع. وكانت النسخ الورقية المطبوعة من الكتاب نادرة للغاية. على مدى سنوات، كانت الطريقة الوحيدة للحصول على الكتاب هي إرسال رسالة بالبريد الإلكتروني إلى براباكاران، التي كانت تعد القراء بطباعة كمية جديدة قريباً، عندما تشعر بتحسن حالتها الصحية.
وكان هناك بعض الطهاة الذين لم يسعهم الانتظار، فصوّروا صفحات الكتاب تصويراً فوتوغرافياً، وتناقلوا النسخ المصورة فيما بينهم، الأمر الذي لم تعترض عليه براباكاران، إذ لم يساورها شعور بانتهاك حقوق الملكية لتلك الوصفات. واشتهرت المؤلفة بالإجابة عن الأسئلة والاستفسارات الودية باستخدام ملف (PDF) مجاني، وهي الطريقة التي انتقل بها كتابها عن فنون المخللات حول العالم كمادة مرفقة في رسائل البريد الإلكتروني.
عمر براباكاران اليوم (64 سنة)، وتُعرف في الهند باسم «ملكة المخللات»، غير أنّها لم تكن أبداً مهتمة بالتكسب من وراء هذا اللقب. وقالت من منزلها في مدينة تشيناي: «لا أعرف شيئاً أبداً عن الطباعة والنشر، ولم أكن مهتمة ببيع الكتب، ومهمتي كانت الحفاظ على الماضي ووصفاته على قدر الإمكان».
ترجع ثقافة المخللات في الهند إلى آلاف السنين عندما كان الخيار وغيره من الخضراوات يجري حفظها في الملح بكل بساطة. لكن صناعة المخللات الهندية الحديثة صارت أكثر تعقيداً، وربما أكثر لذة من حيث الإضافات الكثيرة التي تمنحها مذاقات حارّة ومميزة مع المعطرات والنكهات والتوابل المطحونة المستخدمة.
تتذكر شيترا أغراوال، مؤلفة كتاب عن الطهي ومؤسسة شركة لصناعة المخللات الهندية في مدينة نيويورك تحت اسم «بروكلين دلهي»، الأواني الفخارية التي كانت تحتفظ بها جدتها في مدينة بنغالورو في جنوب الهند، وكانت تحفظ فيها الليمون في محلول ملحي لاذع المذاق. وهذه المخللات على أسلوب صناعتها في ولاية كارناتاكا الهندية كان يُضاف إليها الفلفل الأخضر الطازج وزنجبيل المانغو، وهي سيقان جذرية نباتية من عائلة الكركم المعروف.
لكن المخللات التي كانت تعرفها أغراوال لدى أسرتها في الهند كانت مختلفة تماماً، بالنسبة إلى المخللات على طريقة ولاية البنجاب، فإنّهم يستخدمون فيها الفلفل الأحمر الطويل المحشو بصورة فردية ببذور الشمر، وبذور البصل، وبذور الحلبة، ثم تُخزّن في محلول من الزيت وليس الملح. وتُباع مخللات المانغو والليمون في الولايات المتحدة، لكن كل شيء يمكن تخليله في الهند: مثل الخوخ، والمانغو الصغير، والكرز، والبرقوق المخمر، وزهور الكركديه، والجوز الأخضر. ويعمل الطهاة على تخليل جميع أنواع الفاكهة، والخضراوات، والزهور، والجذور، والبذور، مستخدمين في ذلك كل ما يصلح تناوله وأكله من الأطعمة المختلفة.
تتناوب هذه المخللات بين وجبات الإفطار والغداء والعشاء في كل يوم، مما يزيد من مذاق ولذة كل وجبة منها، حيث تُضاف إلى طبق الأرز العادي وحتى ساندويتش الجبن المشوي.
يجري الحفاظ على العديد من الأطعمة عن طريق التخمير اللاهوائي؛ إذ تُجفّف الأطعمة الطازجة تحت أشعة الشمس أولاً للتخلص من الرطوبة الزائدة فيها، ثم تدخل عملية التمليح. وفي دفء أشعة الشمس، تتناول البكتريا السكروز، مع إنتاجها للأحماض التي تساعد على حفظ الأطعمة، مع منع نمو البكتريا الضارة الأخرى.
وهناك أنواع أخرى من المخللات التي توضع في الماء المالح، مع الخل، وعصير الحمضيات، وعصير التمر الهندي، وحتى مع الزبادي كذلك. والسمة الوحيدة المميزة للمخللات الهندية هي اختلاف أنواع الأطعمة التي يجري تخليلها. وتقول براباكاران عن ذلك: إنّ «مجموعة هائلة للغاية من التبادليات المحيرة للعقول». وكانت براباكاران قد حصرت بين دفتي كتابها، 1000 وصفة فقط لا غير. وعندما حصلتُ على نسختي الورقية المطبوعة من كتابها «وصفات أوشا للمخللات» أصابني الذهول مما قرأت.
فالكتاب ليس جميلا كما توقعت، بل هو أيضاً مليء بالكتابات والنصوص الكثيرة، مع الحد الأدنى من الصور والتصميم الفني. وهو يشبه إلى حد كبير دليل الطبخ الأكثر نفعية بعيداً عن الاهتمام بالإخراج الفني، مثل كتب الطهي التي كانت شائعة في السبعينات. وتقول براباكاران عن كتابها إنّ «المقصود من كتابي أن يستعين به الأشخاص الذين يطبخون»، ولذلك فهو كتاب سردي مفعم بالمعلومات والبيانات والإرشادات.

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».