كيف تحافظ الصحف الورقية على مستقبلها في عالم رقمي؟

كيف تحافظ الصحف الورقية على مستقبلها في عالم رقمي؟
TT

كيف تحافظ الصحف الورقية على مستقبلها في عالم رقمي؟

كيف تحافظ الصحف الورقية على مستقبلها في عالم رقمي؟

بعد سنوات من تراجع المبيعات والقراء، لاحظت مؤسسة «إيه بي سي» (ABC) للتحقق من أرقام التوزيع، أن بعض الصحف والمجلات الورقية عاودت الارتفاع في أرقام التوزيع. وفسر خبراء «بي بي سي» هذه الظاهرة بأنها نابعة من دخول العالم مرحلة غير مستقرة، من معالمها صراع «بريكست» في بريطانيا، وانتخاب ترمب في أميركا، والتشكيك في كل ما ينشر على الإنترنت من أخبار قد يكون بعضها أو معظمها من الأخبار الكاذبة أو المفبركة.
في الغرب، صعدت أرقام توزيع مجلات رصينة مثل «إيكونوميست» و«سبكتاتور» اللتين زاد توزيعهما عما كان عليه قبل سنوات عدة بنسبة 5 في المائة للأولى و11.3 في المائة للثانية. ومثل هذا التطور يشير إلى تغيير جذري يحدث في الأسواق الآن.
هناك تخمة مما ينشر على الإنترنت، ولا يعرف القارئ الغث من السمين. فالنشر الرقمي لا رقابة عليه ولا يلتزم بمعايير صحافية. فلا فارق هناك بين الرأي والخبر، وبين المقال والمدونة. وفي زخم انتشار الأخبار الكاذبة أصبح من الضرورة معرفة مصادر الأخبار قبل التعامل معها.
على الصعيد العربي، ما زال القارئ يقدر التعامل الملموس مع اللغة العربية المطبوعة. وهو يعتبر أن الصحافة المطبوعة ما زالت تقع في قمة المصداقية مقابل ما يقرأه على الإنترنت.
الصحف الورقية ما زالت تعتمد على نوعية قرائها من حيث المكانة الاجتماعية ودرجة التعليم والمنصب الرسمي أو الحرفة. وتعرف إدارات الصحف أن نشر نوعية أرقى وأكثر احترافاً من الأخبار والآراء سوف يجد دوماً نوعية مماثلة من القراء الذين يتجنبون إضاعة الوقت على الإنترنت.
في الغرب، لجأت بعض الصحف إلى أسلوب يسمى (Pay wall)، أي الدفع مقابل القراءة على الإنترنت، ومنها صحف شهيرة مثل «فاينانشيال تايمز» و«تايمز» و«تلغراف». بينما لجأت صحف أخرى إلى وضع محتواها على الإنترنت وضخ المزيد من الإعلانات الرقمية التي تزاحم المحتوى التحريري. وتضيف الصحف لمشتركيها خدمة تحديث الأخبار الفورية على الهاتف الجوال. كما تتيح للمشتركين أيضاً خدمة فتح المواقع الإخبارية بكامل المحتوى لمن يجد نفسه في مواقع في العالم لا تباع فيها صحفه المفضلة. وتعتبر هذه الصحف أن تعداد قراءها يشمل القراءة الورقية والإلكترونية معاً بحيث يمكن للقارئ الواحد أن يحتسب مرتين.
وهناك الكثير من الأفكار التي يقدمها الخبراء إلى الصحف الورقية من أجل الاستمرار في السوق في العصر الرقمي. من هذه الأفكار أو النصائح:
> بناء علاقة ثقة مع القراء: القارئ الذي يثق في جريدته ويعتاد على قراءتها يومياً لن يتردد في شرائها يومياً. ومثل هذا الولاء يتم تشكيله عبر سنين طويلة من تغطية الأخبار بمعايير صحافية متميزة، وإتاحة الفرصة للكتاب للتعبير عن آرائهم المختلفة في الصحيفة نفسها. هذا التميز في التغطية الصحافية لن يجده القارئ في مواقع الأخبار على الإنترنت التي تقوم عليها فرق من غير المحترفين وتنقل في معظم الأحيان أخباراً «مقتبسة» من مواقع أخرى.
> إعادة ابتكار محتوى الأخبار. فالصحيفة الناجحة تصنع الأخبار ولا تنقلها. وهنا تبزغ أهمية المحتوى الحصري من حوارات مباشرة وتحقيقات ميدانية وأبحاث سوق. وهي مواد لن يجدها أي متصفح على الإنترنت. وأقبلت على هذه الخطوة صحيفة «نيويورك تايمز»، التي دمجت بعض الأقسام وركزت على جرعات جيدة من الأعمال والترفيه والرياضة.
> ضرورة التواجد على مواقع رقمية بالتوازي مع التوزيع الورقي وتشجيع الإعلان على هذه المواقع التي تعتمد على نشر المحتوى الكامل للطبعات الورقية. وفي حالة المقارنة بين مواقع صحافية محترفة للأخبار والتعليقات وبين مواقع عشوائية، بعضها غير معروف المصدر، سوف يكون المعلن أكثر حكمة وحرفة في اختيار المواقع المعروفة بحرفيتها التي يثق فيها القارئ.
> لا يقتصر الابتكار على المواقع الرقمية فقط، بل يمتد على كل جوانب الإعلام. وعلى الصحف أن تجد لنفسها مواقع على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية عبر تصميم تطبيقات خاصة بها توفر خدمات الأخبار السريعة. ويمكن أن يمتد التواجد أيضاً إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيسبوك». ولا بد أيضاً من التواجد على محركات البحث ومواقع المقارنة التسويقية والمشاركة ومواقع الاستشارة المالية.
> جذب فئات جديدة من القراء عن طريق توفير خدمات لمجموعات معينة من الشباب حول الأعمال أو الهوايات. واستخدام وسائل جديدة مثل لقطات الفيديو على المواقع الرقمية من أجل التعريف بالمحتوى الذي تقدمه الصحيفة. ويجب أن تكون مثل هذه الخطوات ضمن استراتيجية شاملة وجذابة للمستقبل.
> لا بد من التفكير بأسلوب القراء أنفسهم والتركيز على المحتوى الذي يرغب القارئ في الاطلاع عليه والاستمتاع به. ويشمل هذا أيضاً تصميم الصحيفة الذي يوفر مقالات من السهل قراءتها. وإذا وجد القارئ محتويات حصرية في الصحيفة فسوف يزداد ارتباطه بها وولاؤه لها. المواد الخفيفة مثل الكاريكاتير والأخبار الشبابية لأحدث المنتجات. ويسري المنطق نفسه على موقع الصحيفة الإلكتروني الذي يجب أن يكون جيد التصميم ومتميزاً في المحتوى.
وهذه الأفكار من شأنها أن توقف تراجع حجم الصحافة الورقية، وقد يعكس التيار نحو المزيد من الإقبال. وهذه استراتيجيات طويلة المدى سوف تثبت في النهاية أن الصحافة الورقية لها أيضاً وجودها مع تواجد وسائل الإعلام الأخرى. وهي تعتبر أم وسائل الإعلام منذ بدايتها في عام 1690.
وقد مر الإعلام الورقي بموجات مماثلة في الماضي مع قدوم التلفزيون في الخمسينات، ثم الفضائيات، وأخيراً الإنترنت في التسعينات.


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
TT

الإعلام ووسائل التواصل تحاصر السلطات الثلاث في العراق

ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»
ميكروفونات القنوات العراقية حاضرة بكثافة في الظهور المدوي لرئيس «هيئة النزاهة»

للمرة الأولى في العراق، منذ تغيير النظام عام 2003 بواسطة الدبابة الأميركية، تتمكّن وسائل الإعلام العادية ووسائل التواصل الاجتماعي من محاصرة السلطات الثلاث في البلاد، أي التشريعية والتنفيذية والقضائية.

إذ لا يكاد يمر يوم واحد من دون أن تتناول وسائل الإعلام إحدى السلطات الثلاث أو كلها مجتمعة، إلى الحد الذي دفع أحد أبرز قيادات النظام السياسي وأحد آبائه المؤسسين، وهو نوري المالكي - ثالث رئيس وزراء عراقي بعد التغيير - إلى التحذير في كلمة متلفزة من نقل كل ما يدور في أروقة هذه السلطات إلى الإعلام.

جاءت كلمة المالكي المتلفزة في خضم تفجر تبعات تضارب المصالح والسياسات وتراكم حالات الفساد التي وصلت إلى ما بات يُوصف في وسائل الإعلام بـ«سرقة القرن».

وسعى المالكي في كلمته، إلى دغدغة مشاعر الجماهير، وبالذات، جماهير الأحزاب السياسية التي هي في الوقت نفسها مادتها في الانتخابات. لكن، في حين يعترف المالكي بأنه ليس هناك شيء يهدد الدولة مثل «اضطراب العلاقة بين السلطات الثلاث»، حذّر من حصول سوء تفاهم، وقال بضرورة أن «تسير الأمور وفق الاتصالات والتفاهمات بينها حتى تستقر العملية السياسية». كذلك نبّه في الوقت نفسه إلى ضرورة منع نقل اختلال العلاقة واضطرابها والمشاكل المترتبة عليها إلى «وسائل الإعلام».

تخمة إعلامية

غير أن العراق اليوم حافل بوسائل الإعلام المختلفة والمتعددة، كون غالبية الأحزاب والقوى السياسية باتت تملك وسائل إعلامها الخاصة بها (من صحف وفضائيات وإذاعات بل حتى وكالات). وبالتالي، فإن «الحرب» التي تشنّها وسائل الإعلام ضد هذا الطرف أو ذاك من داخل الطبقة السياسية، وإن كانت تبقى محصورة في نطاق التنافس والابتزاز أحياناً عبر التهديد بالكشف عن ملفّات معينة، تكمن خطورتها أحياناً في أنها تخرج عن السيطرة وتتحول إلى أزمة تهدّد النظام السياسي بكامله.

أيضاً، يرى العراقيون أن المكسب الوحيد الذي حصلوا عليه بعد عام 2003 هو الديمقراطية، وهذا على الرغم من أن حرية التعبير المنصوص عليها في الدستور لم تُنظّم بقانون حتى الآن. فواقع الحال أن وسائل الإعلام، سواءً كانت «ميديا» أو «سوشيال ميديا»، لعبت خلال الفترة الأخيرة دوراً مهماً على صعيد الكشف والمحاسبة ومحاصرة السلطات في عديد من الملفات والقضايا، التي باتت ساحتها وسائل الإعلام، لتتحوّل من ثمّ إلى قضايا رأي عام.

من ناحية ثانية، على الرغم من امتلاك معظم القوى السياسية وسائل إعلامها الخاصة، فإن صراع الأقطاب السياسيين بشأن الملفات المطروحة وتصادمها وتناقضها، يجعل من الحرب الناجمة عن ذلك عرضة للتشظي السريع. وبالتالي، تتحوّل إلى مادة؛ إما يسخر منها الجمهور وإما يتفاعل معها بطرق في الغالب سلبية. ومعلومٌ أن القوى السياسية بدأت منذ الآن «اللعب على وتر» الشعبوية لاستثارة الجمهور العاطفي تمهيداً للانتخابات المبكرة. إذ إن قضايا، مثل قانون العفو العام، سرعان ما تتحول إلى مادة للسخرية والتهجّم على عديد من القيادات السنّية. والأمر نفسه ينطبق على محاولات تعديل قانون الأحوال الشخصية، الذي تتبنّاه قوى شيعية فاعلة، في محاولة منها لاستمالة أعلى نسبة من الجمهور الشيعي... الذي يعيش انقساماً بيّناً داخل المكون الشيعي.

ذكاء اصطناعي بالمقلوب

على صعيد آخر، تنشط وسائل الإعلام ووسائطه المختلفة، بما في ذلك ما يُسمى «الجيوش الإلكترونية». وهذه في الغالب اختصاص الأحزاب والقوى السياسية في متابعة الأحداث، وبخاصة قضايا الفساد، كونها المادة الأكثر إثارة عاطفية للجمهور العراقي.

إلا أن التحوّل الأخطر اليوم هو دخول الذكاء الاصطناعي على الخط. ففي حين يسعى كثير من الدول إلى الاستفادة من الذكاء الاصطناعي بكل ما هو إيجابي، فطبقاً لما جرى تداوله أخيراً في العراق على نطاق واسع، تسريبات صوتية تخصّ رئيس «هيئة النزاهة» حيدر حنون، وتتهمه بتلقي رشى لقاء تسهيلات معينة في «الهيئة».

الجديد في الأمر أن وسائل الإعلام حاولت اللعب على وتيرة ما قيل إن هذه التسريبات ليست حقيقية بل هي عملية مفبركة من خلال الذكاء الاصطناعي. ولكن بصرف النظر، عما إذا كانت التسريبات حقيقية أم لا - خصوصاً أن القضاء الذي يحقّق بالأمر لم يقل كلمته بعد - فإن الأحكام في الغالب بدأت تصدر من خلال التناول المكثّف لمثل هذه القضايا عبر وسائل الإعلام. وطبعاً، بقدر ما يؤثّر مثل هذا الضغط الإعلامي الواسع في تغيير وجهات نظر الناس، والتأثير فيهم، فإنه في النهاية يؤدي إلى مزيد من الإرباك وزيادة الغموض بين ما هو صحيح وما هو مفبرك.

تضارب الآراء هذا لا يعني أن قضية التسريب هي الأولى من نوعها في العراق، لكن الناس، في مطلق الأحوال، صاروا يشكّكون في التوقيت والسبب وراء نشر أمور كهذه أمام الجميع وتحت متناول وسائل الإعلام... كي تنتج منها ظاهرة خطيرة قد تُشعل الأجواء أو تغيّر النظام. وعلى الرغم من أن أزمات من هذا العيار قد تكون مدوّية وفاضحة للنظام السياسي، فإنها حتماً ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أنه سبق أن انتشرت تسريبات صوتية لنوري المالكي، نفسه، قبل سنتين، وأحدثت ضجة كبيرة في الأوساط العراقية، لكن الأزمة سرعان ما انتهت من دون ترك أثر سياسي خطير يُذكر.

طبيعة النظام وأزمات الإعلام

في النهاية، يقول مراقبون إن طبيعة النظام السياسي في العراق أصبحت جزءاً من عملية «صنع الأزمة الإعلامية» والتلاعب عليها... سواءً كانت عبر التنافس بين القوى السياسية أو عبر التسقيط والابتزاز وفضح الآخرين. كذلك بات المواطن العراقي يفهم جيداً طريقة التلاعب والابتزاز في صفحات التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. والحال، أن الخبر في العراق قد يمتد صداه إلى ثلاثة أيام فقط وبعدها ينتهي، والسبب أن المواطن اعتاد على أزمات سياسية بين القوى والأحزاب... على هذا المستوى أو حتى أعلى. وأيضاً، فإن وسائل «السوشيال ميديا» ساعدت في تسطيح الأزمات السياسية الخطيرة في العراق، إما عبر التهكّم بجعلها مادة للسخرية والتنمّر الاجتماعي، وإما عبر التذمّر والامتعاض الذي يؤدي إلى رفض كامل للواقع السياسي.