مستقبل الصراع في شرق المتوسط والحسابات المصريةhttps://aawsat.com/home/article/2078141/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9
دخل الصراع في شرق المتوسط مرحلة جديدة من المواجهات، إثر توقيع الاتفاق التركي - الليبي، وموافقة برلمان أنقرة على إرسال قوات إلى طرابلس، وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام مشاهد سياسية واستراتيجية وعسكرية جديدة، خصوصاً أن تباين الأهداف التركية مع دول شرق المتوسط سيخلق نمطاً جديداً من الصراع الذي ظل منضبطاً غير ظاهر لسنوات، لكنه سيتحول إلى صراع حقيقي متصاعد بين دول الإقليم، فضلاً عن أنه سيشمل دولاً مجاورة، وأخرى خارج الإقليم، مثل روسيا والولايات المتحدة.
وتشمل المعادلة الراهنة كلاً من: اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل وسوريا ولبنان، والسلطة الفلسطينية، وفي المقابل تقف تركيا وقبرص التركية، إضافة إلى إيطاليا وفرنسا كطرف مركزي، ودول أخرى مُلحقة بالتطورات الليبية لاعتبارات الجوار الإقليمي، وهي: تونس والجزائر. وبالتالي، فإن الصراع على الموارد الطبيعية يكاد يشمل جميع أطراف المنطقة، وسيكون دخول الجانب التركي على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبباً مباشراً في تأجيج الصراع، ودخوله مرحلة جديدة على المستوى السياسي والعسكري معاً.
والواقع أن دول الإقليم سعت لإنشاء «منتدى غاز المتوسط» (مقره القاهرة)، ويضم كلاً من: مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل، فيما استبعدت منه تركيا لحسابات سياسية واستراتيجية، رغم تشابك علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي الذي يسعى من خلال المشاركة في المنتدى إلى نقل الغاز عبر خط أنابيب مباشرة إلى أوروبا. ومن ثم، فإن هناك مصالح تركية - إسرائيلية مباشرة مدعومة من روسيا، فضلاً عن مصالح الجانب التركي المتنامية في الإقليم، ووجوده كطرف فاعل في الملف السوري، بينما تظل حسابات إسرائيل الخاصة البعيدة عن المنتدى مع الجانبين القبرصي واليوناني واضحة، وتجري وفق سياق اتفاقيات حاكمة للمشهد الراهن (اتفاق خط الغاز المشترك مثالاً).
وفي المقابل، لا تعترف تركيا بجزيرة كريت أو قبرص أصلاً. ومن ثم، فإن وجودها في ليبيا سيمنحها حضوراً كبيراً يتجاوز 412 ميلاً بحرياً (مائتا ميل من الجانب الليبي، ومثلها بطول سواحلها الرئيسية)، وذلك بالتغافل عن وجود كريت أو قبرص، رغم عدم وجود حدود بحرية أصلاً بين تركيا وليبيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وبالتالي، ذهبت إلى ليبيا أولاً لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وثانياً للبحث عن مصالحها المتعددة في ليبيا، ودعماً للتنظيمات «الإرهابية» الموجودة وقوات السراج، وثالثاً مناكفة مصر وحجز دور مركزي من الآن فصاعداً في أي تطورات جارية في شرق المتوسط.
وبالنظر إلى أن الأطراف الرئيسية في الإقليم أدارت المشهد عبر آليات سياسية واستراتيجية، بل وعسكرية، ظهرت في مجمل المناورات العسكرية المشتركة، فإن ذلك عكس «استعدادات استباقية» حظيت بمراقبة غير مباشرة من قبل روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تقف في مواجهة التمدد التركي.
ولكن، ووفقاً للمطروح، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستتعامل مع الموقف التركي في ليبيا، وتجاه الإقليم، مثلما تفاعلت مع الموقف السوري سابقاً، قبل وفي أثناء عملية «نبع السلام».
وفي هذه الأجواء المعقدة، فإن الموقف المصري، بصفته طرفاً أصيلاً في المشهد، سيمضي في عدة مسارات محتملة:
الأول: الاستمرار بدعم قدرات الجيش الليبي، استناداً إلى أن مصر تدعو لوحدة الأراضي الليبية، ومواجهة سياسة الانفصال، وسيتواكب ذلك مع التعجيل بدعم التحركات العسكرية لقوات الجيش الليبي، في مواجهة «التنظيمات الإرهابية» الموجودة في غرب ليبيا، التي ستنشط من الآن فصاعداً بعد إرسال القوات التركية على محاور متعددة، مصحوبة بعناصر قتالية سورية وأجنبية، لتوسيع دائرة المواجهة وحسمها في المدى المتوسط.
الثاني: العمل مع الجانبين الفرنسي والروسي بالأساس، نظراً إلى أن مواقف هاتين الدولتين، إضافة لإيطاليا، ستكون حاسمة في دعم الموقف المصري المنطلق من اعتبارات استراتيجية متعددة، ودمج الخيار السياسي (مسار برلين) إلى جانب (مسار الصخيرات) الذي جرى تعطيل بنوده، واستثمره السراج في صورة دعم تركي ظل سرياً لعدة أشهر إلى أن ظهر في شكل الاتفاق الأمني أخيراً، كما أنه سيتم التنسيق العسكري واللوجيستي والاستراتيجي بين القاهرة وموسكو وباريس وروما، في حال تدهور المشهد الأمني، أو تمكن السراج -بعد الدعم التركي- من تحقيق تقدم حقيقي، وهو ما لن تسمح به الأطراف المباشرة في الإقليم، خصوصاً أن الذهاب إلى هذا المشهد قد يرتب تداعيات خطيرة على مصالح الدول المعنية، وأهمها مصر، وسينقل الصراع لاحقاً إلى مواجهات أخرى في شرق المتوسط.
الثالث: في ظل الموقف الأميركي المراوغ، والحسابات التركية - الأميركية المعقدة، فإن التعويل على دور حاسم لواشنطن يعمل في اتجاه الجانب الداعم للجيش الليبي سيكون عبثاً، خصوصاً أن الدول المعنية ستعتمد على الموقف الفرنسي – الروسي، إضافة للقدرات والخبرات المصرية المتقدمة بحرياً، بصفتها قوة ضاربة حاسمة سيتم استخدامها عند الضرورة، وهو ما يعلمه الجانب التركي جيداً؛ ومن ثم فإن الموقف المصري سيستمر متابعاً عن قرب كطرف مركزي متقدم، وسيكون قرار المشاركة المصرية المباشرة في حسم المشهد مرتبطاً بدعم عربي مباشر من الجامعة العربية، وقبول أوروبي - روسي، لكن هذا سيكون الخيار الأخير أو الصفري، إذ إن الانخراط في المواجهات المقبلة في الأراضي الليبية ستحكمه مواقف عدة، إقليمياً ودولياً، ولن يكون مرتبطاً فقط بعمل عسكري مباشر.
الرابع: مع التوقع بأن الجانب التركي لن يهدأ، ولن يرتدع عن خطواته في الإقليم وفي ليبيا، حفاظاً على ما يدعي أنها حقوقه ومكتسباته؛ فإن سرعة حركته بالاتجاه إلى تبني سياسات استباقية تجاه تونس والجزائر -بصرف النظر عن حقيقة الموقف التونسي- يجب أن يقابلها رد فعل مصري وأوروبي وروسي مباشر، بدلاً من بقاء المشهد على ما هو عليه، عبر استمرار دعم كل فريق لطرف إلى أن يُحسم الأمر. وبناءً على ذلك، فإنه يجب الانتباه إلى أن إطالة أمد المواجهة، مع وجود القوات التركية على الأرض، سيكون له تداعيات عسكرية خطيرة، في حال اتجاه أنقرة إلى بناء قاعدة مقيمة، والتنسيق مع دول عربية مجاورة، وهو مكمن الخطورة. ولذلك، فإن سرعة الحسم والتدخل المضاد، عبر استراتيجية مصرية - أوروبية – روسية، قد يكون هو الخيار الأنجح في التعامل الاستباقي، وليس وفق استراتيجية رد الفعل التقليدية التي ستصطدم بمخطط تركيا لإنهاك الأطراف المعنية استراتيجياً، قبل الانخراط الحقيقي في العمليات، عبر إرسال عناصر إرهابية للعمل مجدداً في ليبيا.
وفي المجمل، تستبق الخيارات العسكرية في ليبيا، وفي الإقليم، أي خيارات سياسية مطروحة، مما يشير إلى صدامات حقيقية ستبدأ في ليبيا، وتمر عبر إقليم شرق المتوسط، خصوصاً في ظل رهانات استراتيجية على عدم وجود خيارات حاسمة لمصالح الأطراف المعنية بصورة كاملة.
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».
كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.
صبغة شامية
خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».
محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».
بين «العشق» و«القلق»
رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.
حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.
ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.
تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.
جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».
ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.
لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.
دعوات مقاطعة
تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».
حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.
وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.
وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».
في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».
عزيزي المواطن المصري الطيب الساذج البرئ .. تذكر دائماً ان كل مطعم سوري تتعامل معه وتدفع له فلوسك كان في يوم ما مطعم مصري .. السوريين ماجابوش المطاعم بتاعتهم معاهم من سوريا .. هذه المطاعم كان أصحابها مصريين وكان العاملين بها مصريين .. مئات الآلاف من العائلات المصرية كانت تعتمد...
الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».
ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».
كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».
ترحيب مشروط
كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».
ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.
أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».
وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.
على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».
استثمارات متنوعة
يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».
ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».
ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.
وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».
وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.
و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».
«حملات موجهة»
انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».
رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».
وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».
وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».
ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».
لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».
«استثمارات متنامية»
ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».
وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.
ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.
لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».
حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».
فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».
بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».
وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.