مستقبل الصراع في شرق المتوسط والحسابات المصريةhttps://aawsat.com/home/article/2078141/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9
دخل الصراع في شرق المتوسط مرحلة جديدة من المواجهات، إثر توقيع الاتفاق التركي - الليبي، وموافقة برلمان أنقرة على إرسال قوات إلى طرابلس، وهو ما سيفتح الباب على مصراعيه أمام مشاهد سياسية واستراتيجية وعسكرية جديدة، خصوصاً أن تباين الأهداف التركية مع دول شرق المتوسط سيخلق نمطاً جديداً من الصراع الذي ظل منضبطاً غير ظاهر لسنوات، لكنه سيتحول إلى صراع حقيقي متصاعد بين دول الإقليم، فضلاً عن أنه سيشمل دولاً مجاورة، وأخرى خارج الإقليم، مثل روسيا والولايات المتحدة.
وتشمل المعادلة الراهنة كلاً من: اليونان ومصر وقبرص وإسرائيل وسوريا ولبنان، والسلطة الفلسطينية، وفي المقابل تقف تركيا وقبرص التركية، إضافة إلى إيطاليا وفرنسا كطرف مركزي، ودول أخرى مُلحقة بالتطورات الليبية لاعتبارات الجوار الإقليمي، وهي: تونس والجزائر. وبالتالي، فإن الصراع على الموارد الطبيعية يكاد يشمل جميع أطراف المنطقة، وسيكون دخول الجانب التركي على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبباً مباشراً في تأجيج الصراع، ودخوله مرحلة جديدة على المستوى السياسي والعسكري معاً.
والواقع أن دول الإقليم سعت لإنشاء «منتدى غاز المتوسط» (مقره القاهرة)، ويضم كلاً من: مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل، فيما استبعدت منه تركيا لحسابات سياسية واستراتيجية، رغم تشابك علاقاتها مع الجانب الإسرائيلي الذي يسعى من خلال المشاركة في المنتدى إلى نقل الغاز عبر خط أنابيب مباشرة إلى أوروبا. ومن ثم، فإن هناك مصالح تركية - إسرائيلية مباشرة مدعومة من روسيا، فضلاً عن مصالح الجانب التركي المتنامية في الإقليم، ووجوده كطرف فاعل في الملف السوري، بينما تظل حسابات إسرائيل الخاصة البعيدة عن المنتدى مع الجانبين القبرصي واليوناني واضحة، وتجري وفق سياق اتفاقيات حاكمة للمشهد الراهن (اتفاق خط الغاز المشترك مثالاً).
وفي المقابل، لا تعترف تركيا بجزيرة كريت أو قبرص أصلاً. ومن ثم، فإن وجودها في ليبيا سيمنحها حضوراً كبيراً يتجاوز 412 ميلاً بحرياً (مائتا ميل من الجانب الليبي، ومثلها بطول سواحلها الرئيسية)، وذلك بالتغافل عن وجود كريت أو قبرص، رغم عدم وجود حدود بحرية أصلاً بين تركيا وليبيا.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تركيا لم توقع على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وبالتالي، ذهبت إلى ليبيا أولاً لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية، وثانياً للبحث عن مصالحها المتعددة في ليبيا، ودعماً للتنظيمات «الإرهابية» الموجودة وقوات السراج، وثالثاً مناكفة مصر وحجز دور مركزي من الآن فصاعداً في أي تطورات جارية في شرق المتوسط.
وبالنظر إلى أن الأطراف الرئيسية في الإقليم أدارت المشهد عبر آليات سياسية واستراتيجية، بل وعسكرية، ظهرت في مجمل المناورات العسكرية المشتركة، فإن ذلك عكس «استعدادات استباقية» حظيت بمراقبة غير مباشرة من قبل روسيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي التي تقف في مواجهة التمدد التركي.
ولكن، ووفقاً للمطروح، فإن دول الاتحاد الأوروبي ستتعامل مع الموقف التركي في ليبيا، وتجاه الإقليم، مثلما تفاعلت مع الموقف السوري سابقاً، قبل وفي أثناء عملية «نبع السلام».
وفي هذه الأجواء المعقدة، فإن الموقف المصري، بصفته طرفاً أصيلاً في المشهد، سيمضي في عدة مسارات محتملة:
الأول: الاستمرار بدعم قدرات الجيش الليبي، استناداً إلى أن مصر تدعو لوحدة الأراضي الليبية، ومواجهة سياسة الانفصال، وسيتواكب ذلك مع التعجيل بدعم التحركات العسكرية لقوات الجيش الليبي، في مواجهة «التنظيمات الإرهابية» الموجودة في غرب ليبيا، التي ستنشط من الآن فصاعداً بعد إرسال القوات التركية على محاور متعددة، مصحوبة بعناصر قتالية سورية وأجنبية، لتوسيع دائرة المواجهة وحسمها في المدى المتوسط.
الثاني: العمل مع الجانبين الفرنسي والروسي بالأساس، نظراً إلى أن مواقف هاتين الدولتين، إضافة لإيطاليا، ستكون حاسمة في دعم الموقف المصري المنطلق من اعتبارات استراتيجية متعددة، ودمج الخيار السياسي (مسار برلين) إلى جانب (مسار الصخيرات) الذي جرى تعطيل بنوده، واستثمره السراج في صورة دعم تركي ظل سرياً لعدة أشهر إلى أن ظهر في شكل الاتفاق الأمني أخيراً، كما أنه سيتم التنسيق العسكري واللوجيستي والاستراتيجي بين القاهرة وموسكو وباريس وروما، في حال تدهور المشهد الأمني، أو تمكن السراج -بعد الدعم التركي- من تحقيق تقدم حقيقي، وهو ما لن تسمح به الأطراف المباشرة في الإقليم، خصوصاً أن الذهاب إلى هذا المشهد قد يرتب تداعيات خطيرة على مصالح الدول المعنية، وأهمها مصر، وسينقل الصراع لاحقاً إلى مواجهات أخرى في شرق المتوسط.
الثالث: في ظل الموقف الأميركي المراوغ، والحسابات التركية - الأميركية المعقدة، فإن التعويل على دور حاسم لواشنطن يعمل في اتجاه الجانب الداعم للجيش الليبي سيكون عبثاً، خصوصاً أن الدول المعنية ستعتمد على الموقف الفرنسي – الروسي، إضافة للقدرات والخبرات المصرية المتقدمة بحرياً، بصفتها قوة ضاربة حاسمة سيتم استخدامها عند الضرورة، وهو ما يعلمه الجانب التركي جيداً؛ ومن ثم فإن الموقف المصري سيستمر متابعاً عن قرب كطرف مركزي متقدم، وسيكون قرار المشاركة المصرية المباشرة في حسم المشهد مرتبطاً بدعم عربي مباشر من الجامعة العربية، وقبول أوروبي - روسي، لكن هذا سيكون الخيار الأخير أو الصفري، إذ إن الانخراط في المواجهات المقبلة في الأراضي الليبية ستحكمه مواقف عدة، إقليمياً ودولياً، ولن يكون مرتبطاً فقط بعمل عسكري مباشر.
الرابع: مع التوقع بأن الجانب التركي لن يهدأ، ولن يرتدع عن خطواته في الإقليم وفي ليبيا، حفاظاً على ما يدعي أنها حقوقه ومكتسباته؛ فإن سرعة حركته بالاتجاه إلى تبني سياسات استباقية تجاه تونس والجزائر -بصرف النظر عن حقيقة الموقف التونسي- يجب أن يقابلها رد فعل مصري وأوروبي وروسي مباشر، بدلاً من بقاء المشهد على ما هو عليه، عبر استمرار دعم كل فريق لطرف إلى أن يُحسم الأمر. وبناءً على ذلك، فإنه يجب الانتباه إلى أن إطالة أمد المواجهة، مع وجود القوات التركية على الأرض، سيكون له تداعيات عسكرية خطيرة، في حال اتجاه أنقرة إلى بناء قاعدة مقيمة، والتنسيق مع دول عربية مجاورة، وهو مكمن الخطورة. ولذلك، فإن سرعة الحسم والتدخل المضاد، عبر استراتيجية مصرية - أوروبية – روسية، قد يكون هو الخيار الأنجح في التعامل الاستباقي، وليس وفق استراتيجية رد الفعل التقليدية التي ستصطدم بمخطط تركيا لإنهاك الأطراف المعنية استراتيجياً، قبل الانخراط الحقيقي في العمليات، عبر إرسال عناصر إرهابية للعمل مجدداً في ليبيا.
وفي المجمل، تستبق الخيارات العسكرية في ليبيا، وفي الإقليم، أي خيارات سياسية مطروحة، مما يشير إلى صدامات حقيقية ستبدأ في ليبيا، وتمر عبر إقليم شرق المتوسط، خصوصاً في ظل رهانات استراتيجية على عدم وجود خيارات حاسمة لمصالح الأطراف المعنية بصورة كاملة.
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»https://aawsat.com/%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%82/%D8%AA%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7/5088685-%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AD%D9%85%D8%A7%D8%B3-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A6%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%82%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D9%82%D8%A9
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
غزة:«الشرق الأوسط»
TT
إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.
الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.
وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟
هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً
في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.
ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.
وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».
وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».
ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.
ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.
وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.
وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.
وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».
وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».
وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.
تكتيكات «حماس» قبل وبعد
منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».
ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.
وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.
وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».
وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.
وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.
إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.
وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».
لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.
وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.
فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.
خارج التوقعات
بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.
وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».
وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».
لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.
وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.
ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».
وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».
جدل عام وتهم جاهزة
هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.
فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.
وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.
ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».
وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».
ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.
وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».
وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.
ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.
وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.
وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.
وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.
ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.
وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».
وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».
ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.
ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.
وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.
صفقات تبادل سابقة
ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.
وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.
ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.
وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.
وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.
وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».
وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.
وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.
لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.
ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.