الرئاسة الفلسطينية: التصعيد الإسرائيلي سبب العنف في المنطقة

نتنياهو يأمر بفرض سيادة بلاده على كل القدس بعد دهس فلسطيني إسرائيليين

والدة الشاب الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي الذي قتله شرطي إسرائيلي أول من أمس ويظهر في الصورة أفراد من عائلته (أ.ف.ب)
والدة الشاب الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي الذي قتله شرطي إسرائيلي أول من أمس ويظهر في الصورة أفراد من عائلته (أ.ف.ب)
TT

الرئاسة الفلسطينية: التصعيد الإسرائيلي سبب العنف في المنطقة

والدة الشاب الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي الذي قتله شرطي إسرائيلي أول من أمس ويظهر في الصورة أفراد من عائلته (أ.ف.ب)
والدة الشاب الفلسطيني عبد الرحمن الشلودي الذي قتله شرطي إسرائيلي أول من أمس ويظهر في الصورة أفراد من عائلته (أ.ف.ب)

تبادل الإسرائيليون والفلسطينيون الاتهامات بشأن تصعيد التوتر في مدينة القدس بعد يوم من عملية دهس قام بها فلسطيني تجاه إسرائيليين، وأدت إلى وفاة رضيعة وحدوث إصابات خطيرة، فيما بدا الحادث وكأنه رد على الاقتحامات المتكررة للأقصى والاستيلاء على منازل عربية بالقوة في منطقة سلوان في القدس، وبسبب ما قالت والدته إنه تعذيب نفسي وتهديدات تلقاها على يد رجال الأمن الإسرائيلي.
وفيما حذر الفلسطينيون من أن لهم خياراتهم إذا استمر التصعيد الإسرائيلي، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بفرض السيادة الإسرائيلية على كل القدس، وبدأت الشرطة بتطبيق خطة للسيطرة على المواجهات هناك.
وقال نبيل أبو ردينة، الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية، أمس، إن التصعيد والتحريض الإسرائيلي واستمرار الاحتلال للأراضي الفلسطينية هو السبب الحقيقي لكل ما يجري من عنف، سواء في فلسطين أو في المنطقة. وأضاف في بيان، رد فيه على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اتهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس بمسؤوليته عن التوتر، أن «الاحتلال الإسرائيلي أصبح مرفوضا عالميا، ودول العالم تتداعى للاعتراف بدولة فلسطين، لذلك فإن استمرار الاحتلال وتهويد القدس والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، إلى جانب استمرارهم في التحريض على القيادة الفلسطينية، وخصوصا على الرئيس محمود عباس، هو الذي يخلق مناخا متفجرا على الساحة الفلسطينية والمنطقة بأسرها.. ونحن نطالب الحكومة الإسرائيلية، بل ونحذرها من الاستمرار في هذه السياسة الخطيرة، التي ستؤدي إلى مزيد من التوتر والتصعيد، لذلك لا بد من إنهاء الاحتلال، ووقف هذه الاعتداءات، والشعب الفلسطيني لديه خيارات كثيرة، ولن نبقى ساكتين عما يجري في مدينة القدس».
وأردف البيان الرئاسي، أن «إسرائيل تبحث عن الأعذار للتهرب من المسيرة السياسية، من خلال استمرارها في حصار قطاع غزة، أو من خلال خلق المناخ السلبي أمام المسيرة السلمية عبر مواصلة الاستيطان، والتحريض الإسرائيلي هو محاولة للتهرب من استحقاقات الشرعية الدولية، والاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية هو ما أفقد إسرائيل أعصابها، وبالتالي نحن نواجه سياسة إسرائيلية تحاول قلب الحقائق والالتفاف على الوضع القائم».
وجاءت تصريحات أبو ردينة تعقيبا على تحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس عباس المسؤولية عن حادثة دهس فلسطيني لعدد من الإسرائيليين في شمال مدينة القدس، حيث نقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن نتنياهو قوله، إن «عباس يقوم بالتحريض على ارتكاب أعمال العنف في القدس، وأفراد حركة حماس التي تشارك في حكومته يقفون وراء الاعتداء.. إن هذا يوضح كيف يعمل شركاء أبو مازن في الحكومة. هذا هو عباس نفسه الذي دعا منذ أيام قليلة مضت إلى إيذاء اليهود في القدس».
وكان فلسطيني يدعى عبد الرحمن الشلودي (21 عاما) قد نفذ أول من أمس هجوما بسيارة في القدس الشرقية استهدفت إسرائيليين، فقتلت رضيعة على الفور، وأصيب 6 آخرون بينهم 3 في حالة خطيرة.
وأعلنت إسرائيل أمس عن وفاة الشلودي الذي أطلق عليه شرطي إسرائيلي النار، وبعد إعلان وفاته ووفاة الرضيعة تأججت المواجهات في القدس، أمس، بعد أيام عصيبة من الاضطرابات. واتهمت إسرائيل حركة حماس بالوقوف وراء العملية، حيث قال أوفير جندلمان المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية في تغريدة، إن الهجوم نفذه «إرهابي فلسطيني عضو في حماس».
من جانبها، عدت حماس في تصريح لها أمس عملية القدس بالجريئة، وقالت إنها جاءت «كرد طبيعي ومتوقع على الانتهاكات والعدوان الإسرائيلي المتصاعد بحق المواطنين والمقدسات في مختلف المحافظات الفلسطينية». كما بارك حسام بدران، القيادي في حركة حماس، عملية القدس وقال «إنها حق طبيعي ومثال يحتذی به، وهي تأتي في إطار رد الشعب الفلسطيني على عملية دهس الطفل إيناس خليل برام الله قبل أيام.. وواهم من يظن أن أهالي الضفة الغربية قد تركوا مشروع المقاومة».
ورفضت إسرائيل تسليم جثمان الشلودي لعائلته أمس، ونقل مركز معلومات وادي حلوة – سلوان عن والدته أن ابنها كان مريضا، ويعاني من أوضاع نفسية صعبة بعد الإفراج عنه من زنازين الاحتلال مطلع شهر مارس (آذار) الماضي، حيث تعرض خلالها للتعذيب النفسي والتهديد المتواصل من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية. وقالت إنها قامت قبل الحادث بساعات، بأخذه إلى طبيب حولها إلى معالج نفسي، لأن وضعه النفسي والصحي في تدهور ملحوظ.
من جهته، قال الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين: «إن جريمة القتل المريعة التي طالت طفلة رضيعة وقعت ضحية إرهاب بشع عشوائي تبعث القلق في قلب كل إنسان. ذلك التحريض المتزايد في الشارع العربي وفي شوارع القدس، الذي يحظى للأسف الشديد بالدعم من قادة العالم العربي، من شأنه أن يؤدي إلى كارثة تمس نسيج الحياة الهش في مدينة القدس، وأن يجرنا جميعًا إلى دوامة من الخراب والألم».
ويرى مراقبون أن ثمة قلقا كبيرا في إسرائيل من أن تؤدي المواجهات في القدس إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة في كل الضفة الغربية. وفي هذا الصدد حذر أليكس فيشمان، المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، من تداعيات ذلك، وكتب أمس أن «أحداث الفوضى في شوارع القدس ستكون الفتيل الذي سيُشعل الضفة الغربية من جديد».
وبدأت الشرطة الإسرائيلية أمس بتطبيق خطتها الرامية إلى مواجهة «العنف» في القدس، وذلك بعد إصدار أوامر من نتنياهو بعد جلسة مشاورات أمنية إلى الشرطة بفرض السيادة الإسرائيلية على جميع أنحاء مدينة القدس. كما قرر الجنرال يوحنان دانينو، مفتش الشرطة العام، تسبيق موعد تطبيق الخطة بسبب عملية الدهس. وأكد قائد هيئة العمليات في الشرطة الميجر جنرال أهارون أكسول، أن «الشرطة ستضرب في العاصمة بيد من حديد».
وكان دانينو قد أوعز إلى قيادة شرطة لواء القدس بأن تتعاون مع النيابة العامة من أجل تشديد العقوبات والغرامات المالية التي تفرض على مرتكبي المواجهات في العاصمة، كما طالب بإجراء حوار مع رؤساء وقيادات جميع الأوساط في القدس لمنع «مظاهر التحريض والتصدي بحزم للعناصر المتطرفة المعنية بتأجيج الخواطر».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم