برامج «المجتمع العلاجي للمدمنين»

التجربة السعودية مشجعة وواعدة ونتائجها مبهرة

برامج «المجتمع العلاجي للمدمنين»
TT

برامج «المجتمع العلاجي للمدمنين»

برامج «المجتمع العلاجي للمدمنين»

إعادة تأهيل مدمن المخدرات مرحلة لا تقل أهمية عن المرحلة الرئيسية في العلاج من الإدمان، وإنما تعدّ مكملة لها، فلا تُساوي مرحلة العلاج من إدمان المخدرات شيئاً في حال أُصيب المدمن بانتكاسة تجعله يرتد مرة أخرى لطريق الإدمان، وهو ما يتكرر عادة مع أغلب المدمنين الذين لم يحالفهم الحظ للحصول على برنامج إعادة تأهيل صحيح ينقذهم من هذا المصير.
- برامج علاجية
يعدّ برنامج «جسور أميركا Bridges of America (BOA)» أحد البرامج القوية داخل سجون فلوريدا بأميركا، إن لم يكن أكبرها وأقواها، وقد ابتدأ عام 1980 لتوفير استمرارية الرعاية وإعادة التأهيل في برامج علاج سوء استخدام المواد المخدرة، ويفتخر بنجاحه في خفض نسبة عودة المدمنين للسجن في غضون أول سنتين إلى 20 في المائة فقط بين المستفيدين من برنامج «جسور أميركا» بعد أن كانت مرتفعة (85 في المائة).
كما يعدّ «برنامج الحرية» في جمهورية مصر العربية أقدم برنامج «مجتمع علاجي» في العالم العربي؛ ويعود إلى عام 1991، حيث بدأ في شقة صغيرة على سطح بناية في حي المنيل بالقاهرة في مصر، وتطور منها إلى 34 مركزاً موزعة على طول البلاد وعرضها، ويضم 1055 سريراً يستفيد منها كل عام ما يزيد على 4 آلاف مدمن.
وفي السعودية، يعدّ «قويم» تجربة سعودية متفوقة في مجال «المجتمع العلاجي للمدمنين» من ناحية جودة وفاعلية البرنامج فوق مثيلاتها في العالم. ويعود ذلك إلى عامي 2012 و2014، حين انضمت مجموعة رائدة من المملكة للدورات التدريبية التي يقدمها «برنامج الحرية» في مصر، وبعد عودتهم أنشأوا شركة أطلقوا عليها اسم «قويم» وطبقوا فيها مفاهيم «برنامج الحرية» داخل سجون الرياض وجدة. وأضحت نسبة انتكاسة العلاج (وفقاً لتصريح اللواء ماجد الدويش مدير سجون منطقة مكة المكرمة) صفراً في المائة بين المستفيدين من المجتمع العلاجي في سجن بريمان بجدة بالمملكة بفضل تطبيق تجربة إعادة تأهيل المدمنين في سجن بريمان من خلال ما يسمى «المجتمع العلاجي (therapeutic community)» وتطبيق أحدث برامج العلاج في قسم «إشراقة» وقسم «الثقة» بداخل السجن العتيد في جدة، والذي يضاهي؛ بل ربما يفوق، ما يحدث في البلاد الصناعية الكبرى.
فما المجتمع العلاجي للإدمان؟ ومتى وأين كانت بداياته؟ وما معاييره؟ وما مبادئه؟
- المجتمع العلاجي
استضافت «صحتك» مدير ومؤسس «برنامج الحرية من الإدمان» بجمهورية مصر العربية الدكتور إيهاب الخراط استشاري الطب النفسي، والحاصل على الدكتوراه في طب نفس الإدمان من جامعة كِنت بإنجلترا، عضو مجلس إدارة الاتحاد العالمي للمجتمعات العلاجية في نيويورك، والتجمع العالمي للتعامل مع التعاطي والإدمان في ريدنغ بإنجلترا، فأوضح في البداية أن «المجتمع العلاجي»، كما عرفه الدكتور جورج دي ليون (George De Leon) أبرز الباحثين المعاصرين في هذا المجال ومدير «مركز أبحاث المجتمع العلاجي» بجامعة نيويورك، هو مدخل لتغيير حياة من يعانون من اضطرابات سلوكية من خلال استخدام مجتمع صغير من البشر بوصفه «أداة التغيير الأساسية»؛ أي إن «الطبيب ليس له الدور الأساسي، ولا المعالج النفسي، ولا حتى المريض الفرد نفسه، بل المجتمع الصغير الذي يحيا معه هو أداة التغيير الأساسية. المجتمع الصغير الذي يقيم فيه الفرد هو (المعالج). والمثال الرئيسي للمجتمع العلاجي اليوم هو مراكز تأهيل المدمنين، لكن تطبيقاته أيضاً تشمل المجتمعات العلاجية للأحداث الجانحين أو الناجين من الصدمات أو المتعافين من أمراض نفسية مختلفة أو حتى من أمراض بدنية».
ويضيف الدكتور الخراط أن «معايير المجتمع العلاجي، كما يصفها الاتحاد العالمي للمجتمعات العلاجية، تتضمن: الإقامة بمدة محددة، ومراحل لها أهداف محددة ومكتوبة، وجدول يومي وجدول أسبوعي ثابت ومعروف ويلتزم به الجميع. على أن تكون للمجموعات دور أساسي لا يمكن الاستغناء عنه (أنشطة مجموعاتية لا تقل عن 6 ساعات يومياً وأحياناً من 8 إلى 10 ساعات يومياً).
ومن مبادئ المجتمع العلاجي الأساسية مبدأ المساواة لكل «عضو» في المجتمع العلاجي، ابتداء من المدير المطالب ببذل الجهد للنمو والتغيير، وأن يكون قدوة للآخرين. وكل عضو، حتى الجدد، يشارك مشاركة فاعلة وإيجابية في الأنشطة ويكون له دور في عملية تغيير الآخرين، كأن يقدم مساعدة عملية، وترحيباً بالجدد، والإنصات لهم ومساندتهم. وهناك عنصر آخر أساسي؛ هو وجود «فلسفة» يتم تطبيقها في المكان من خلال محاضرات أو دروس، وأيضاً من خلال القدوة. وهناك قواعد ولوائح واضحة ومكتوبة، يتم شرحها والتمسك بها باستمرار وتطبق على الجميع. هذه هي إذن محددات المجتمع العلاجي وخصائصه، ولو غاب واحد من هذه المعايير فلا يكون المكان مجتمعاً علاجياً.
أهمية برامج التأهيل
يقول الدكتور الخراط إن دراسة «البرنامج البحثي لتعاطي المخدرات Drug Abuse Reporting Program (DARP)» في الولايات المتحدة الأميركية – وهي دراسة رائدة استمرت في متابعة 40 ألف متعاطٍ لمدد تصل إلى 12 سنة - «أظهرت أن علاج الأعراض الطبية والنفسية لإدمان المخدرات من دون إعادة تأهيل لا يحقق الامتناع المستقر (أكثر من سنتين من دون تعاطٍ) إلا في اثنين في المائة من الحالات، بينما إعادة التأهيل؛ سواء في صورة إعادة التأهيل الاجتماعي (المجتمعات العلاجية)، أو العيادات الخارجية الخالية من المخدرات (ومن أمثلتها وأكثرها تطوراً البرنامج المعروف باسم «ماتريكس» Matrix Model)، تحقق الامتناع المستقر عن التعاطي بنسب حول 65 في المائة من الحالات في المتابعة حتى 6 سنوات. وتوالت الأبحاث في دراسات تتبعية كبيرة في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا وقليل من الدراسات الكبرى في بلاد أخرى لتظهر النتائج نفسها حتى عام 2015».
- التعامل مع الإدمان
قسّم الدكتور إيهاب الخراط مراحل التعامل مع الإدمان، الذي يستهدف الامتناع عن التعاطي، إلى مرحلتين:
- المرحلة الأولى: علاج أعراض الانسحاب وهي الأعراض الجسدية والنفسية التي يعاني منها المتعاطي فور التوقف عن استعمال المادة المخدرة، وهي تستمر من يومين إلى 5 أيام في حالة الأفيونيات (ومنها الهيروين)، وإلى 10 أيام أو أكثر في حالة عقاقير أخرى (مثل المهدئات). وهذه المرحلة طبية بحتة، وتُستخدم فيها مجموعة من الأدوية لعلاج الآلام والإسهال والأرق والتوتر أو الهياج وتفادي حدوث نوبات صرعية أو علاجها متى حدثت، وربما تخفيض الرغبة الشديدة في التعاطي أثناء هذه الفترة. ومع أن بعض المرضى يمكنهم اجتياز هذه الفترة في المنزل، فإن معظمهم يفضل الدخول إلى مركز لعلاج أعراض الانسحاب (ديتوكس) بإرادتهم أو بناء على النصيحة الطبية.
- المرحلة الثانية: هي إعادة التأهيل، وتتعدد طرق إعادة تأهيل المدمنين (Drug Rehabilitation) بين النموذج الطبي (Inpatient or Medical Model Specialized)، والنموذج الاجتماعي أو التأهيل الاجتماعي (Social Model or Therapeutic Communities or Drug Rehabilitation)، ومداخل أخرى للرعاية اللاحقة. وتُسمى مراكز التأهيل الاجتماعي أيضاً «المراكز المجتمعية (Community Based)»، تمييزاً لها عن المراكز الطبية أو المستشفيات (Hospital Based).
بيوت «منتصف الطريق»
أوضح الدكتور الخراط أن التأهيل الاجتماعي يتضمن، أيضاً، ما تُسمى «بيوت منتصف الطريق»، «وهي أماكن سكن آمن من المخدرات، ولها نظام خاص، يذهب إليها المدمن الذي أتم العلاج الطبي، ويظل فيها قبل أن يعود لمنزله. والتأهيل الاجتماعي هذا يتضمن جدولاً يوميّاً من الأنشطة الاجتماعية والتثقيفية والروحانية، ومنها: مجموعات التأمل، والمشاركة والمساندة الذاتية، ودراسات التعافي، وفترات العمل، والمشاركة في إدارة المكان والنظافة الشخصية، ومجموعات منع الانتكاسة، والرياضة، واستخدام الفن والموسيقى... وغيرها».
يدير التأهيل الاجتماعي عادة مدمنون متعافون توقفوا عن التعاطي مدة طويلة (سنتان أو أكثر في المعتاد)، ويحصلون على تدريب أكاديمي (من 70 إلى 370 ساعة دراسية للمستوى الأول) وتدريب عملي (سنة على الأقل تحت التدريب). ولا تحتاج مراكز التأهيل الاجتماعي إلى إشراف طبي مكثف، وتظهر الدراسات أن نسبة العاملين في هذه المراكز من المدمنين السابقين المدربين يُستحسن أن تتراوح بين 60 و80 في المائة، بينما يحتل المهنيون الآخرون بمن فيهم الأطباء والاختصاصيون الاجتماعيون، وأحياناً القادة الدينيون وحتى المحاسبون والطهاة، ما بين 20 و40 في المائة من طاقم العمل. حيث يُعتَقَد أن العاملين في هذه المراكز يمثلون قدوة وأملاً في التغيير للمدمن الذي يكون في مرحلة صراع داخلي شديدة، كما أن قدرتهم على المواجدة (الإحساس بالمدمن وفهم رؤيته لنفسه وللعالم) تكون أعلى، وقدرتهم على تدريبه على مهارات الحياة أكثر تأثيراً. كما أن وجود نسبة من المهنيين من غير الخلفية الإدمانية يفيد في تحقيق الاستقرار وتجنب بعض الأزمات داخل هذه المراكز.
- التأهيل الاجتماعي
لقد استقر الرأي على أن تعاطي المخدرات والاعتماد عليها (الإدمان) هو مشكلة طبية ونفسية واجتماعية. ويمكن إيجاز التعامل مع تعاطي المخدرات والإدمان، كما سبق، في مرحلتين أساسيتين: مرحلة طبية، ومرحلة تأهيل قد يكون «طبنفسي» وقد يكون تأهيلاً اجتماعياً.
والتأهيل الاجتماعي أكثر شيوعاً، وفي معظم دول العالم يتبع إشرافه أجهزة الخدمات الاجتماعية، حيث توجد خدمات إسكان وفي أحيان أخرى خدمات تدريبية. وأحياناً يتبع هيئات دينية ويتم إدراجها تحت اسم «الخدمات الاجتماعية للهيئات الدينية». وهناك القليل من الدول، مثل سويسرا، تخضع فيها هذه الهيئات لإشراف وزارة الصحة، ليس بوصفها منشآت طبية؛ بل «مراكز تأهيل اجتماعي» يتم مرور تفتيش صحي عليها. وفي بعض الفلسفات العلاجية مثلاً يتم استخدام لفظ «المدمن السابق (ex - addict)» بينما يصر مَن يتبنون برامج الخطوات الاثنتي عشرة على أن التعافي رحلة نمو وتغيير تستغرق العمر كله فيفضلون لفظ «المدمن المتعافي». وهناك أوساط علمية كثيرة تستخدم تعبير «المستخدمين السابقين للمخدرات».
ومن أمثلة المجتمعات العلاجية التقليدية للتعامل مع الإدمان في المملكة المتحدة: «فينكس هاوس (Phoenix House)»، و«ألفا هاوس (Alpha House)»، و«مجتمع لي (Lee Com)»؛ وبعضها موجود في أماكن أخرى من العالم. أما مجتمعات «السامري» و«داي توب»، فهي الأشهر في الولايات المتحدة.
- أهداف رئيسية
ويختتم الدكتور إيهاب الخراط حديثه بأن «جميع البرامج تتفق على أهداف رئيسية هي: الإقلاع التام عن تعاطي المخدرات، والعودة إلى عمل منتج وإلى علاقات طبيعية في محيط العائلة وخارجها، والحد الأدنى من الشعور بالرضا والاستمتاع بالحياة دون تعاطي المخدرات. ومع اشتراكها أيضاً في ضرورة وجود هدف يتجاوز مجرد هذه الأهداف الثلاثة المذكورة، فهناك هدف رابع وهو النمو النفسي أو (الروحي) الشخصي والذي يُعرف بـ(برنامج الـ12 خطوة) وتحكمه برامج متباينة حسب (الفلسفة). ويعدّ النمو الروحي تحسين التواصل الواعي مع الله والدعاء لمعرفة مشيئته تعالى وتنفيذها، بينما تعتمد البرامج الأكثر علمانية أهدافاً متعلقة بخدمة المجتمع والوعي وبالكون والطبيعة وتطبيق المبادئ الإنسانية. تتبنى المجتمعات العلاجية ذات الطبيعة الدينية أهدافاً دينية صريحة متعلقة بالتقوى والحياة الملتزمة بالمبادئ الدينية، وحتى أهدافاً متعلقة بالآخرة. ولعل أهم التباينات تنبع من اختلاف الفلسفة أو المحتوى التعليمي والتثقيفي الذي تقدمه».
تختلف الفلسفات في برامج تأهيل المدمنين، ويعزو بعض العاملين فيها قوة النتائج للفلسفة المتبعة. على أن الدراسات تُظهر أن هناك عناصر أخرى غير «الفلسفة» قد تكون أكثر تأثيراً في النتائج. فعند دراسة 15 برنامجاً لإعادة التأهيل، وُجد أن البرامج التي تحظى بنتائج أفضل من غيرها هي البرامج ذات الهدف الواضح، والتي تنمي المهارات الاجتماعية والوظيفية، والتي تركز على الروحانيات. كما أشارت دراسات أخرى إلى أهمية المتابعة والرعاية اللاحقة بعد ترك مراكز التأهيل.
وهناك، أيضاً، عناصر عدة يجب توافرها في المجتمعات العلاجية لرفع نتائج التعافي، كما جاء في دراسة قام بها العالم الشهير في هذا المجال رودلف مووس (Rudolf Moos) وتتضمن: وضوح البرنامج، وتقديم الدعم والاهتمام، والاندماج (عدم الملل)؛ أي أن يكون البرنامج حيويّاً وجذاباً ومهتما بالمشكلات الشخصية مثل الاهتمامات بالعلاقات، والمشكلات الجنسية، والمشكلات القضائية، والمشكلات العملية، والمساعدة في الالتحاق بعمل أو دراسة... إلخ.
وختاماً؛ يشيد الدكتور الخراط بـ«النتائج المبهرة في سجون السعودية، وهي تعود ليس فقط إلى البيئة المنظمة النظيفة هناك؛ بل إلى توافر العناصر السابق ذكرها. وهذه التجربة، وإن كانت لا تزال في سنواتها الأولى وتستلزم متابعة علمية أكثر دقة، نتائجها الأولية والانطباعات المبدئية عنها مشجعة وواعدة».
- استشاري «طب المجتمع»


مقالات ذات صلة

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)
صحتك 7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

7 حقائق قد تُدهشك عن «الخل البلسمي» وتأثيراته الصحية

خل البلسميك خل عطري مُعتّق ومركّز، داكن اللون وذو نكهة قوية، مصنوع من عصير كامل عناقيد العنب الأبيض الطازج المطحون، أي مع جميع القشور والبذور والسيقان.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك التمر كنز غذائي ودوائي يعزز الصحة

آفاق جديدة للابتكار في أبحاث الطب النبوي

تنطلق في مدينة بريدة بمنطقة القصيم، صباح يوم غدٍ السبت الحادي عشر من شهر يناير (كانون الثاني) الحالي 2025 فعاليات «المؤتمر العالمي السادس للطب النبوي»

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (بريدة - منطقة القصيم)

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟
TT

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

هل تتسبب العدوى في بعض حالات ألزهايمر؟

ما سبب مرض ألزهايمر؟ أجاب عالم الأعصاب رودولف تانزي، مدير مركز ماكانس لصحة الدماغ بمستشفى ماساتشوستس العام، التابع لجامعة هارفارد، قائلاً: «قضيت معظم حياتي المهنية في محاولة الإجابة عن هذا السؤال».

وأكد تانزي أن السؤال مهم، ويتعين العمل على إيجاد إجابة له، خصوصاً أن مرض ألزهايمر يمثل الشكل الأكثر شيوعاً للخرف في كثير من البلدان. وعلى سبيل المثال، داخل الولايات المتحدة، يعاني ما لا يقل عن 10 في المائة من الأشخاص الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاماً من ألزهايمر.

ومثلما الحال مع معظم الأمراض، ربما يرجع مرض ألزهايمر إلى مزيج من الضعف الوراثي، ومعاناة المريض من حالات طبية أخرى، بجانب عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بنمط الحياة. واليوم، يركز العلماء اهتمامهم على الدور الذي قد تلعبه العدوى، إن وُجد، في تطور مرض ألزهايمر.

كشف الأسباب البيولوجية

جاء وصف مرض ألزهايمر للمرة الأولى عام 1906. ومع ذلك، بدأ العلماء في سبر أغواره والتعرف على أسبابه قبل 40 عاماً فقط. واليوم، ثمة اتفاق واسع النطاق في أوساط الباحثين حول وجود جزيئين بمستويات عالية في أدمغة الأشخاص المصابين بمرض ألزهايمر: أميلويد - بيتا amyloid - beta أو «ببتيد بيتا النشواني»، الذي يشكل لويحات في الدماغ، وتاو tau، الذي يشكل تشابكات. ويساهم كلاهما في موت الخلايا العصبية الدماغية (العصبونات) المشاركة في عمليات التفكير؛ ما يؤدي إلى الخرف.

من بين الاثنين، ربما تكون الأهمية الأكبر من نصيب أميلويد - بيتا، خصوصاً أنه يظهر في وقت أبكر من تاو. وقد أظهر تانزي وآخرون أن الأشخاص الذين يرثون جيناً يؤدي إلى ارتفاع مستويات أميلويد بيتا يُصابون بمرض ألزهايمر في سن مبكرة نسبياً.

الملاحظ أن الأشخاص الذين يرثون نسختين من الجين APOE4. أكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض ألزهايمر، لأنهم أقل قدرة على التخلص من أميلويد بيتا من الدماغ.

الالتهاب العصبي

هناك قبول متزايد في أوساط العلماء لفكرة أن الالتهاب في الدماغ (الالتهاب العصبي Neuroinflammation)، يشكل عاملاً مهماً في مرض ألزهايمر.

في حالات الالتهاب العصبي، تحارب خلايا الجهاز المناعي في الدماغ الميكروبات الغازية، أو تعمل على علاج الإصابات. إلا أنه للأسف الشديد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى الإصابة؛ ما يسفر بدوره عن المزيد من الالتهاب العصبي، لتظهر بذلك حلقة مفرغة، تتسبب نهاية المطاف في موت معظم الخلايا العصبية.

ويمكن أن تؤدي كل من لويحات أميلويد بيتا وتشابكات تاو إلى حدوث التهاب عصبي، وكذلك يمكن لكثير من الميكروبات (البكتيريا والفيروسات) أن تصيب الدماغ، وتبقى هناك، دون أن ينجح الجهاز المناعي بالدماغ في القضاء عليها تماماً؛ ما قد يؤدي إلى التهاب عصبي مزمن منخفض الحدة.

وحتى العدوى أو أسباب الالتهاب الأخرى خارج الدماغ، بأي مكان في الجسم، يمكن أن ترسل إشارات إلى الدماغ تؤدي إلى حدوث التهاب عصبي.

العدوى ومرض ألزهايمر

ويعتقد بعض العلماء أن العدوى قد تسبب أكثر من مجرد التهاب عصبي، فربما يكون لها دور كذلك في تكاثر رواسب أميلويد بيتا وتشابكات تاو. وفي هذا الصدد، قال تانزي: «اكتشفت أنا وزميلي الراحل روب موير أن أميلويد بيتا يترسب في المخ استجابة للعدوى، وهو بروتين يحارب العدوى؛ ويشكل شبكة تحبس الميكروبات الغازية. وبعبارة أخرى، يساعد أميلويد بيتا في حماية أدمغتنا من العدوى. وهذا هو الخبر السار. أما الخبر السيئ هنا أن أميلويد بيتا يُلحِق الضرر كذلك بالخلايا العصبية، الأمر الذي يبدأ في غضون 10 إلى 30 عاماً، في إحداث تأثيرات واضحة على الإدراك؛ ما يسبب الخرف، نهاية المطاف».

بالإضافة إلى ذلك، يؤدي الترسب المزمن منخفض الدرجة لأميلويد بيتا إلى تشابكات تاو، التي تقتل الخلايا العصبية هي الأخرى وتزيد من الالتهاب العصبي، ما يؤدي إلى موت المزيد من الخلايا العصبية. وقد تتطور دورات مفرغة يصعب للغاية إيقافها.

ويمكن للعوامل المذكورة هنا (بشكل مباشر أو غير مباشر) أن تلحق الضرر بخلايا المخ، وتسبب الخرف. ويمكن لعدة عوامل أن تزيد سوء بعضها البعض، ما يخلق دورات مفرغة.

ميكروبات مرتبطة بمرض ألزهايمر

الآن، ما الميكروبات التي قد تشجع على تطور مرض ألزهايمر؟ عبَّر الدكتور أنتوني كوماروف، رئيس تحرير «هارفارد هيلث ليتر» الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، عن اعتقاده بأنه «من غير المرجَّح أن يكون نوع واحد من الميكروبات (جرثومة ألزهايمر) سبباً في الإصابة بمرض ألزهايمر، بل إن الأدلة المتزايدة تشير إلى أن عدداً من الميكروبات المختلفة قد تؤدي جميعها إلى الإصابة بمرض ألزهايمر لدى بعض الناس».

ويتركز الدليل في نتائج دراسات أُجريت على أدمغة القوارض والحيوانات الأخرى التي أصيبت بالميكروبات، بجانب العثور على ميكروبات في مناطق الدماغ البشري الأكثر تأثراً بمرض ألزهايمر. وجاءت أدلة أخرى من دراسات ضخمة، أظهرت أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، أعلى كثيراً لدى الأشخاص الذين أُصيبوا قبل عقود بعدوى شديدة. وتشير دراسات حديثة إلى أن خطر الإصابة بمرض ألزهايمر، قد يتفاقم جراء انكماش الدماغ واستمرار وجود العديد من البروتينات المرتبطة بالالتهابات، في دم الأشخاص الذين أُصيبوا بالعدوى في الماضي.

وفيما يلي بعض الميكروبات التي جرى تحديدها باعتبارها مسبِّبات محتملة للمرض:

فيروسات الهربس المتنوعة

خلصت بعض الدراسات إلى أن الحمض النووي من فيروس الهربس البسيط 1 و2 herpes simplex virus 1 and 2 (الفيروسات التي تسبب القروح الباردة والأخرى التناسلية)، يوجد بشكل أكثر تكراراً في أدمغة المصابين بمرض ألزهايمر، مقارنة بالأصحاء. ويبرز الحمض النووي الفيروسي، بشكل خاص، بجوار لويحات أميلويد بيتا. وخلصت الدراسات المنشورة إلى نتائج متناقضة. يُذكر أن مختبر تانزي يتولى زراعة «أدمغة صغيرة» (مجموعات من خلايا الدماغ البشرية) وعندما تُصاب هذه الأدمغة الصغيرة بفيروس «الهربس البسيط»، تبدأ في إنتاج أميلويد بيتا.

أما فيروس «الهربس» الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي varicella - zoster virus (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي)، قد يزيد مخاطر الإصابة بالخرف. وكشفت دراسة أُجريت على نحو 150000 شخص، نشرتها دورية «أبحاث وعلاج ألزهايمر» (Alzheimer’s Research and Therapy)، في 14 أغسطس (آب) 2024، أن الأشخاص الذين يعانون من الهربس الآخر الذي يمكن أن يصيب الدماغ، فيروس الحماق النطاقي (الذي يسبب جدري الماء والهربس النطاقي) قد يزيد كذلك من خطر الإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة أن الأشخاص الذين أُصيبوا بالهربس النطاقي كانوا أكثر عرضة للإبلاغ لاحقاً عن صعوبات في تذكُّر الأشياء البسيطة. وتعكف أبحاث جارية على دراسة العلاقة بين لقاح الهربس النطاقي وانحسار خطر الإصابة بألزهايمر.

فيروسات وبكتيريا أخرى:

* فيروس «كوفيد - 19». وقد يجعل الفيروس المسبب لمرض «كوفيد - 19»، المعروف باسم «SARS - CoV - 2»، الدماغ عُرضةً للإصابة بمرض ألزهايمر. وقارنت دراسة ضخمة للغاية بين الأشخاص الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» (حتى الحالات الخفيفة) وأشخاص من نفس العمر والجنس لم يُصابوا بـ«كوفيد»، ووجدت أنه على مدار السنوات الثلاث التالية، كان أولئك الذين أُصيبوا بـ«كوفيد» أكثر عرضة للإصابة بمرض ألزهايمر بنحو الضعف.

كما جرى ربط العديد من الفيروسات (والبكتيريا) الأخرى، التي تصيب الرئة، بمرض ألزهايمر، رغم أن الأدلة لا تزال أولية.

* بكتيريا اللثة. قد تزيد العديد من أنواع البكتيريا التي تعيش عادة في أفواهنا وتسبب أمراض اللثة (التهاب دواعم السن)، من خطر الإصابة بمرض الزهايمر. وعبَّر تانزي عن اعتقاده بأن هذا أمر منطقي، لأن «أسناننا العلوية توفر مسارات عصبية مباشرة إلى الدماغ». وتتفق النتائج الأولية التي خلص إليها تانزي مع الدور الذي تلعبه بكتيريا اللثة. وقد توصلت الدراسات المنشورة حول هذا الموضوع إلى نتائج مختلفة.

* البكتيريا المعوية: عبر السنوات الـ25 الماضية، اكتشف العلماء أن البكتيريا التي تعيش في أمعائنا تُنتِج موادّ تؤثر على صحتنا، للأفضل أو للأسوأ. وعن ذلك قال الدكتور كوماروف: «هذا أحد أهم الاكتشافات الطبية الحيوية في حياتنا». هناك بعض الأدلة المبكرة على أن هذه البكتيريا يمكن أن تؤثر على خطر إصابة الشخص بمرض ألزهايمر بوقت لاحق. ولا يزال يتعين تحديد كيفية تغيير تكوين بكتيريا الأمعاء، لتقليل المخاطر.

ربما يكون لها دور في تكاثر رواسب أميلويد بيتا المسببة للمرض

عوامل نمط الحياة ومرض ألزهايمر

يرتبط كثير من عوامل نمط الحياة المختلفة بزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر. وتتضمن الأمثلة التدخين (خصوصاً في وقت لاحق من الحياة)، والإفراط في تعاطي الكحوليات، والخمول البدني، وقلة النوم العميق، والتعرض لتلوث الهواء، والنظام الغذائي الغني بالسكر والملح والأطعمة المصنَّعة.

كما تزيد العديد من عوامل نمط الحياة هذه من خطر الإصابة بأمراض مزمنة شائعة أخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والسمنة.

وبحسب الدكتور كوماروف، فإنه «نظراً لأن إجراء تغييرات في نمط الحياة قد يكون صعباً، يأمل كثيرون في أن تثمر دراسة الأسباب البيولوجية وراء مرض ألزهايمر ابتكار دواء (سحري) يمنع المرض، أو حتى يعكس مساره. ويرى الدكتور كوماروف أن «ذلك اليوم قد يأتي، لكن ربما ليس في المستقبل القريب».

في الوقت الحالي، يقترح تانزي إدخال تعديلات في نمط الحياة بهدف التقليل من خطر الإصابة بألزهايمر.

بوجه عام، فإن فكرة أن الميكروبات قد تؤدي إلى بعض حالات ألزهايمر لا تزال غير مثبتة، وغير مقبولة على نطاق واسع، لكن الأدلة تزداد قوة. ومع ذلك، تتفق هذه الفكرة مع أبحاث سابقة أظهرت أهمية أميلويد بيتا، وتاو، وapoe4 والالتهاب العصبي، بوصفها أسباب مرض ألزهايمر.

عن ذلك، قال الدكتور كوماروف: «الإشارة إلى دور للميكروبات في بعض حالات مرض ألزهايمر لا تحل محل الأفكار القديمة، وإنما تتفق مع الأفكار القديمة، وربما تكملها».

* رسالة هارفارد للقلب - خدمات «تريبيون ميديا».