فلسطينية من غزة تجمع الحجارة والركام لإعالة أسرتها

جهاد تتجول خلال ساعات النهار في الشوارع بحثاً عن البيوت المهدمة

تتجهز جهاد لرحلة عمل جديدة (الشرق الأوسط)
تتجهز جهاد لرحلة عمل جديدة (الشرق الأوسط)
TT

فلسطينية من غزة تجمع الحجارة والركام لإعالة أسرتها

تتجهز جهاد لرحلة عمل جديدة (الشرق الأوسط)
تتجهز جهاد لرحلة عمل جديدة (الشرق الأوسط)

تجهز السيدة جهاد أبو محسن نفسها جيداً قبل الانطلاق في رحلة عمل جديدة في أحد أيام ديسمبر (كانون الأول) الباردة. تذهب بعجلة ناحية ابنها الأصغر كريم، الذي اعتاد على مرافقتها، وتناديه بصوتٍ دافئ «يلا اصحى يا ولدي، الساعة راح تصير سبعة». نهض مسرعاً وغسل وجهه ثم رتب مكان نومه، وراح باتجاه أمه. قَبّل يديها وقال: «صباح الخير يا ست الكل»، ابتسمت وانطلقا نحو رزقهما على متن عربتهما الصغيرة التي يجرها «حمار».
تقول أبو محسن التي تقطن غرب محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أعمل في مهنة جمع الحجارة منذ سنوات عدة، بعدما أثر المرض على عمل زوجي، وضاقت الحياة علينا، وصرنا بلا أي مصدر رزق»، متابعة «المهنة وعلى الرغم من التعب الذي يحيط بها، فإنها كانت الملجأ الوحيد لنا، في ظل الحالة الصعبة التي نعيشها».
عمر السيدة خمسون سنة، عاشت تفاصيل الكثير منها بين الكد والشقاء، متنقلة في أزقة غزة وشوارعها، باحثة عن البيوت المهدمة، التي تقصدها لجمع الركام والحجارة. وتوضح أن تلك المهنة لطالما كانت من المهن الذكورية التي يصعب على المرأة الفلسطينية الولوج فيها، لكنها اليوم وبسبب ظروفها الخاصة، صارت من أشهر العاملين في هذا المجال.
وفي رحلة الشقاء تلك التي تستمر من ساعات ما بعد الفجر وحتى وقت المغيب، يرافق أبو محسن ابنها الأصغر الذي يبلغ من العمر عشر سنوات، يعينها خلالها على حمل الحجارة للعربة البدائية التي جمعت السيدة ثمنها من عرق جبينها، ويساعدها في تكسير بعضها باستخدام شاكوش ومطرقة حديدية إذا ما كان حجمها كبيراً.
وتسرد أبو محسن «بعد جمع الحجارة، أنقلها على العربة نفسها، إلى معامل تصنيع الباطون وإعادة تدوير الركام، وأبيعها هناك بمبلغ لا يتجاوز في أحسن الأحوال 20 شيقلاً (5 دولارات)، تكون هي ثمناً لطعام ابنَي الاثنين ومصروفاً لهما، ولزوجي الذي يعاني من مجموعة أمراض نهشت جسده منذ سنوات طويلة».
وتسبب ذلك العمل الشاق، بإصابة أبو محسن بعدد من الأمراض التي أثرت على مفاصلها السفلية، وعلى جهازها التنفسي؛ كونها تعمل في كثير من الأحيان على نبش أكوام الركام للبحث في أوساطها عن الحجارة، وفي الغالب تنبعث بعض الغازات والغبار المضرة نتيجة ذلك، وفقاً لكلامها.
وتعيش أبو محسن في منطقة نائية تقع إلى الغرب من محافظة خانيونس تسمى «النهر البارد»، وتعاني التهميش الحكومي وإهمال الجمعيات الخيرية والتنموية، وتذكر أن بيتها يقع مقابل مكب النفايات المركزي؛ الأمر الذي يتسبب بمكاره صحية لها ولأبنيها، ويحرمهم أي سبل للراحة في الحياة.
وتشير أبو محسن إلى أنها وعائلتها ترتعب بصورة شبه يومية من الحيوانات الضالة والحشرات المضرة، التي تدخل لمنزلهم المُغطى بالصفيح الحديدي البالي الذي لا يقي برد شتاء ولا حر صيف، مبينة أن ابنيها كثيراً ما أصيبا بالأمراض بسبب هذا الوضع، وفي إحدى المرات هاجمت أفعى أحدهما بينما كان نائماً، «ولولا لطف الله لقتلته بسمها».
وعن نظرة الناس لها خلال عملها، تؤكد الخمسينية أن كثيرين يرمقونها بعين الاستغراب والدهشة وأحياناً يتهمونها بـ«الجنون»، وعلى النقيض توضح أن آخرين يثنون على صنيعها ويحفزونها بعبارات التقدير والاحترام، كما أن البعض دائماً ما يصفها بالنموذج الحي للمرأة الفلسطينية الصامدة والمثابرة، في سبيل صون بيتها وتحسين ظروف حياتها، حسب تعبيرها.
وتنوّه أبو محسن ضمن حديثها، إلى أن الكثير من المؤسسات النسوية والمجتمعية كرمتها في مناسبات وطنية مختلفة، وفي الأخرى ذات العلاقة بالمرأة، لافتة إلى أنها لم تعتقد ولا لمرة واحدة أن عملها ممكن أن يكون عيباً أو مخالفاً لأعراف وتقاليد المجتمع الفلسطيني المحافظ، منبهة إلى أنها تأمل بالحصول على فرصة أفضل وحياة أكرم لها ولعائلتها «التي لم ترَ يوماً هنيئاً أيضاً في حياتها».
جدير بالذكر، أن التقارير الصادرة عن منظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، كانت قد أشارت إلى أن منطقة قطاع غزة قد تصبح غير صالحة للسكن بحلول الأعوام المقبلة، وذلك لعدد من الأسباب، أهمها تواصل التراجع في الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها السكان، وارتفاع نسبتي الفقر والبطالة، وانعدام الأمن الغذائي لدى غالبية الأسر.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».