أبوظبي على موعد مع 100 فعالية أدبية وفنية في نسخة عربية من مهرجان «هاي» العالمي

مدير المهرجان بيتر فلورنس: أنتظر لقاء أدونيس وسماع سعاد ماسي

تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
TT

أبوظبي على موعد مع 100 فعالية أدبية وفنية في نسخة عربية من مهرجان «هاي» العالمي

تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل

يحط مهرجان «هاي» الأدبي الشهير رحاله في العاصمة الإماراتية أبوظبي الشهر المقبل، في الفترة من 25-28، مقدماً للجمهور العربي أشهر الكتاب والفنانين والمفكرين من خلال 100 فعالية تحتفي بالأفكار الخلاقة والمبدعة في عالم الأدب العربي.
وبما أن «مهرجان هاي» نشأ في بريطانيا، كان لا بد من الحديث مع مديره بيتر فلورنس، والاطلاع على ما يفكر فيه، وما يتوقعه لهذا الحدث الذي يعد الجمهور العربي بجرعات عالية من الفن والثقافة والإبداع.
بداية، أسأله عن رؤيته للنسخة العربية من «هاي»، وما توقعاته لها؟ يقرر فلورنس الانطلاق من الاعتراف بـ«الإعجاب الحقيقي بالأدب العربي المعاصر»، ويضيف: «هناك أجيال كثيرة من الكتاب المبدعين على المستوى العالمي، أذكر منهم -على سبيل المثال- جوخة الحارثي الفائزة بجائزة (بوكر) للرواية في 2019. منذ 10 أعوام، عملنا على مشروع (هاي بيروت)، وتعاملنا مع كتاب من منطقة الشرق الأوسط؛ رأينا كتاباً اختاروا اللغة العربية الفصحى للكتابة، وآخرين اختاروا أشكالاً محدثة منها؛ رأينا كتاباً تفننوا في تطويع اللغة ببراعة، ولهذا أرى أن الفرصة للتفاعل مع هذا كله مثيرة للغاية. وقد أردنا أن نجد مكاناً يصبح موطناً مستديماً للمهرجان. وبالفعل، أقمنا شراكات عظيمة، ووجدنا استقبالاً دافئاً في أبوظبي سيمكننا من فتح أبواب جديدة للنقاش والتفاعل».
ويقول فلورنس إنه قرأ بعض الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى الإنجليزية، مثل روايات للكاتبة هدى بركات والشاعر أدونيس. وهنا، يتوقف ليضيف بحماس يشي بتقديره الكبير للشاعر السوري الكبير: «نحن محظوظون لأننا سنستطيع الاحتفال معه بعيد ميلاده الـ90 من خلال حفل كبير».
وبما أن المهرجان سيحتفل بالرواية العربية، أجدني أتساءل عن الروايات التي كتبها روائيون عرب، ولكن باللغة الإنجليزية، مثل روايات الكاتبة أهداف سويف أو هشام مطر. يجيب بأنه قرأ تلك الأعمال، وغيرها كثير من الروايات العربية التي ترجمت للإنجليزية، ويرى أن التنوع في اللغة «مثير للاهتمام... بدأنا في تذوق نكهات مختلفة من أرجاء المنطقة، هناك ثراء في الاختلاف». ويشير لجانب آخر من «هاي أبوظبي» يعتقد أنه «أمر رائع»، وهو «الهدية الكبيرة في هذا المهرجان وجود عدد ضخم من كبار المؤلفين العرب الذين يعبرون عن نفسهم بالشعر أكثر من الرواية. ولهذا نخصص جانباً من المهرجان للشعر، وهو أمر رائع مختلف، خاصة أن الشعر له مكان رفيع في اللغة العربية أكثر من أي لغة أخرى».
المهرجان يقدم من خلال 100 فعالية كثيراً من الأدب والثقافة والتاريخ والفن، يراها فلورنس جسوراً بين ثقافات مختلفة تقطن في الإمارات والمنطقة: «دعونا كتاباً عالميين من الهند والصين وأفريقيا، ولكن أجدني مهتم أكثر بأدب المنطقة. نريد بالفعل أن نتوجه للجمهور المتحدث بالإنجليزية هناك، ولكننا أيضاً نريد الاحتفال بالعالمية والتعدد. بالنسبة لي، أرى أنه كلما زاد عدد الكتاب المشاركين يكون ذلك أفضل. وفي الإمارات، عملنا في مجتمع غير عادي، يجمع بين خليط كبير من الجنسيات، فلدينا ندوات ستقام باللغة الهندية والفارسية ولغة التاغالوغ الفلبينية؛ هذا أمر من الصعب تنفيذه في أي مكان آخر، ولكن في الإمارات هناك جماهير لكل تلك الحوارات».
وبالنسبة لفلورنس، فمهرجان «هاي أبوظبي» أيضاً فرصة لاستكشاف أشخاص مختلفين وفرص جديدة: «المهرجان فرصة للحديث عن المستقبل، ومعرفة ما الذي يريده الناس منا. فنحن عملنا في مناطق كثيرة من العالم، مثل أميركا الجنوبية والهند وبنغلاديش؛ في كل مرة، يصنع الناس المهرجان على صورتهم، كما يريدون هم. وليس (هاي) نسخة موحدة، بل هو كائن يتكون حسب رؤية أصحابه».
وأسأل فلورنس عن نسخة المهرجان في بيروت، التي أقيمت في الفترة بين 2009-2012: ما الاختلاف؟ يجيب بأن الأمر مختلف الآن: «الآن، نحن أكثر عالمية. في بيروت، كان (هاي) مهرجاناً عربياً بحتاً، وكان من الصعب علينا الحفاظ عليه هناك. الترجمة لم تكن بالزخم الموجود الآن. وبالنسبة لأبوظبي، فهناك ترجمة للأعمال والفعاليات، إما بالعربية أو الإنجليزية، وهو أمر لم يكن متاحاً منذ 10 أعوام».
أختم حواري مع فلورنس بسؤاله هو شخصياً عما يتوق لرؤيته أو سماعه في «هاي أبوظبي»، فيبادر بضحكة سعيدة تنم عن تحمس واضح لبعض الجوانب من المهرجان، يذكر منها: «أنا متحمس لأني سأرى وأستمع للمغنية سعاد ماسي في إحدى الفعاليات؛ تمنيت لسنوات طويلة أن أراها في إحدى فعالياتنا. الأمر الثاني هو لقاء أدونيس مرة أخرى؛ عملنا معه منذ 20 عاماً في إسبانيا، وأعتقد أن له تأثيراً كبيراً على الشعراء في عدة لغات، ربما أكثر من غيره من الكتاب العرب الكبار؛ أن تجلس مع قامة عالمية دائماً مثير للحماس».
وكانت اللجنة المنظّمة لـ«مهرجان هاي» قد أعلنت عن برنامج فعاليات وأحداث الدورة الأولى من المهرجان المقرر تنظيمه في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الفترة 25–28 فبراير (شباط) 2020، بدعم من وزارة التسامح في دولة الإمارات، بمشاركة مجموعة بارزة من الحائزين على الجوائز من الكتّاب والصحافيين والمؤرخين وصنّاع الأفلام والفنانين، خلال برنامج حافل من الطراز العالمي، تتخلله نحو 100 فعالية على مدار 4 أيام. وتكمن الرسالة الرئيسية في مهرجان «هاي أبوظبي» في الاحتفاء بالأفكار الخلاقة والمبدعة ضمن قطاع الفنون والعلوم، وتسليط الضوء على أوضاع العالم الراهنة، بحضور جمهور ينتمي إلى أكثر من 20 جنسية، ويتحدث بـ7 لغات. ويعكس هذا البرنامج تنوع مشهد المجتمعات في أبوظبي، بما في ذلك الكتّاب من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند وباكستان وبنغلاديش والصين ونيجيريا وأوروبا. ويكرّس المهرجان برنامجاً تعليمياً حيوياً، يرحب بمشاركة أكثر من 70 مدرسة محلية، بما يضمن إلهام آلاف الطلاب ممن تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاماً الناطقين باللغات العربية والإنجليزية والهندية والفلبينية.
ويضم هذا المهرجان على مدار 4 أيام سلسلة واسعة من الحوارات المثمرة، بحضور نخبة دولية من أبرز الكتاّب والمفكرين المعاصرين الذين يرصدون واقع العالم اليوم، والصورة التي قد يؤول إليها مستقبلاً. وبجانب ذلك، سيستضيف المهرجان عروضاً سينمائية، بالشراكة مع «بي بي سي العربية»، تعكس المواقف الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، بينما ستكون العروض الموسيقية والشعرية محطتا البداية والنهاية لفعاليات المهرجان.
ويشهد مهرجان «هاي» مشاركة نخبة من الكتّاب الحائزين على جوائز من جميع أنحاء العالم لمناقشة تأثير السرد الروائي، ومن بينهم الكاتب النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب وولي سوينكا، والروائية المصرية أهداف سويف، والكاتب الفلبيني ميغيل سيجوكو، والشاعرة الكاتبة الباكستانية فاطمة بوتو، والروائية اللبنانية هدى بركات، فضلاً عن الكاتبة العمانية جوخة الحارثي الحاصلة على جائزة «مان بوكر الدولية»، والكاتبة البريطانية برناردين إيفاريستو التي نالت جائزة «بوكر» الأدبية.
ويشارك في المهرجان الروائيون أحمد سعداوي (العراق)، ونجوى بن شتوان (ليبيا)، ويوسف رخا (مصر)، ومحمد حسن علوان (المملكة العربية السعودية)، الذين شاركوا أيضاً في مشروع «#بيروت39» التابع لمهرجان «هاي»، ونُشرت أعمالهم في عام 2009، وذلك احتفاءً بنخبة من أفضل الكتّاب العرب ممن لم يتجاوزوا الأربعين عاماً. كما يناقش كاتب القصص القصيرة الإماراتي البارز محمد المر مغامرة استثنائية تغوص بين الثقافات والمنشورات الأدبية من مختلف أنحاء العالم.
ويبرز ماضي ومستقبل الأدب العربي من بين المواضيع التي ستناقشها جلسة أحمد الشامسي، حول كيف أسهمت ثقافة الطباعة في تحويل تقليد الفكر الإسلامي.
كما يستعد الشاعر السوري الكبير أدونيس للمشاركة في الفعالية، والاحتفال بذكرى ميلاده التسعين، إلى جانب الكتّاب فولكر براون وزليخة أبو ريشة وبيير يوريس وسيرج بي ويانج ليان. وسيشارك مجموعة من الشعراء في المناقشات، عبر إلقاء بعض من قصائدهم، مثل الشاعرة الهندية تيشاني دوشي، والشاعر البحريني قاسم حداد، والشاعر الإنجليزي إنوا إيلامز.
وسيوضح المهرجان دور المؤرخين المهم في تسليط الضوء على أبرز القضايا المعاصرة في سياقها، حيث تتحدث المؤرخة البريطانية بيتاني هيوز عن إعادة بناء التراث السوري، فيما يتناول بيتر فرانكوبان مسارات طريق الحرير الجديدة. وتروي جونغ تشانغ قصة الصين وعظمتها في القرن العشرين، بينما يناقش شاشي ثارور هويته الهندوسية، ويتحدث ويليام دالريمبل عن البريطانيين في الهند.
وسيتطرق الفيزيائي الفرنسي كريستوف غلفارد إلى مواضيع المكان والزمان، فيما يتحدث الطبيب الفلسطيني عز الدين أبو العيش عن العلاقة بين الصحة والسلام. وسيكشف ماركوس دو سوتوي، أستاذ الفهم العام للعلوم في جامعة أوكسفورد، عن أسرار الهندسة والرياضيات. وستتحدث سعادة رزان خليفة المبارك، الأمين العام لهيئة البيئة - أبوظبي، أكبر الجهات المنظمة لشؤون البيئة في منطقة الخليج العربي، عن الاستعدادات العالمية للظروف المناخية الطارئة. أما مصممة الحدائق والمساحات الخضراء كاميليا بن زعل، فستشارك خبراتها ومعرفتها حول طبيعة الحياة النباتية في المنطقة خلال مسيرتها في تطوير عدد من أبرز الحدائق في دولة الإمارات.
وستعكس أعمال المخرجين السينمائيين في المنطقة واقع الأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي، حيث سيتم تقديم سلسلة من العروض التي تحمل توقيع شيماء بوعلي، مديرة مهرجان «بي بي سي عربي»، فضلاً عن الفيلم الوثائقي «Iraq: A State of Mind»، ومجموعة من الأفلام القصيرة من إبداع مخرجات موهوبات.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».