أبوظبي على موعد مع 100 فعالية أدبية وفنية في نسخة عربية من مهرجان «هاي» العالمي

مدير المهرجان بيتر فلورنس: أنتظر لقاء أدونيس وسماع سعاد ماسي

تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
TT

أبوظبي على موعد مع 100 فعالية أدبية وفنية في نسخة عربية من مهرجان «هاي» العالمي

تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل
تستعد أبو ظبي لاستضافة مهرجان «هاي» الأدبي الشهر المقبل

يحط مهرجان «هاي» الأدبي الشهير رحاله في العاصمة الإماراتية أبوظبي الشهر المقبل، في الفترة من 25-28، مقدماً للجمهور العربي أشهر الكتاب والفنانين والمفكرين من خلال 100 فعالية تحتفي بالأفكار الخلاقة والمبدعة في عالم الأدب العربي.
وبما أن «مهرجان هاي» نشأ في بريطانيا، كان لا بد من الحديث مع مديره بيتر فلورنس، والاطلاع على ما يفكر فيه، وما يتوقعه لهذا الحدث الذي يعد الجمهور العربي بجرعات عالية من الفن والثقافة والإبداع.
بداية، أسأله عن رؤيته للنسخة العربية من «هاي»، وما توقعاته لها؟ يقرر فلورنس الانطلاق من الاعتراف بـ«الإعجاب الحقيقي بالأدب العربي المعاصر»، ويضيف: «هناك أجيال كثيرة من الكتاب المبدعين على المستوى العالمي، أذكر منهم -على سبيل المثال- جوخة الحارثي الفائزة بجائزة (بوكر) للرواية في 2019. منذ 10 أعوام، عملنا على مشروع (هاي بيروت)، وتعاملنا مع كتاب من منطقة الشرق الأوسط؛ رأينا كتاباً اختاروا اللغة العربية الفصحى للكتابة، وآخرين اختاروا أشكالاً محدثة منها؛ رأينا كتاباً تفننوا في تطويع اللغة ببراعة، ولهذا أرى أن الفرصة للتفاعل مع هذا كله مثيرة للغاية. وقد أردنا أن نجد مكاناً يصبح موطناً مستديماً للمهرجان. وبالفعل، أقمنا شراكات عظيمة، ووجدنا استقبالاً دافئاً في أبوظبي سيمكننا من فتح أبواب جديدة للنقاش والتفاعل».
ويقول فلورنس إنه قرأ بعض الأعمال الأدبية العربية المترجمة إلى الإنجليزية، مثل روايات للكاتبة هدى بركات والشاعر أدونيس. وهنا، يتوقف ليضيف بحماس يشي بتقديره الكبير للشاعر السوري الكبير: «نحن محظوظون لأننا سنستطيع الاحتفال معه بعيد ميلاده الـ90 من خلال حفل كبير».
وبما أن المهرجان سيحتفل بالرواية العربية، أجدني أتساءل عن الروايات التي كتبها روائيون عرب، ولكن باللغة الإنجليزية، مثل روايات الكاتبة أهداف سويف أو هشام مطر. يجيب بأنه قرأ تلك الأعمال، وغيرها كثير من الروايات العربية التي ترجمت للإنجليزية، ويرى أن التنوع في اللغة «مثير للاهتمام... بدأنا في تذوق نكهات مختلفة من أرجاء المنطقة، هناك ثراء في الاختلاف». ويشير لجانب آخر من «هاي أبوظبي» يعتقد أنه «أمر رائع»، وهو «الهدية الكبيرة في هذا المهرجان وجود عدد ضخم من كبار المؤلفين العرب الذين يعبرون عن نفسهم بالشعر أكثر من الرواية. ولهذا نخصص جانباً من المهرجان للشعر، وهو أمر رائع مختلف، خاصة أن الشعر له مكان رفيع في اللغة العربية أكثر من أي لغة أخرى».
المهرجان يقدم من خلال 100 فعالية كثيراً من الأدب والثقافة والتاريخ والفن، يراها فلورنس جسوراً بين ثقافات مختلفة تقطن في الإمارات والمنطقة: «دعونا كتاباً عالميين من الهند والصين وأفريقيا، ولكن أجدني مهتم أكثر بأدب المنطقة. نريد بالفعل أن نتوجه للجمهور المتحدث بالإنجليزية هناك، ولكننا أيضاً نريد الاحتفال بالعالمية والتعدد. بالنسبة لي، أرى أنه كلما زاد عدد الكتاب المشاركين يكون ذلك أفضل. وفي الإمارات، عملنا في مجتمع غير عادي، يجمع بين خليط كبير من الجنسيات، فلدينا ندوات ستقام باللغة الهندية والفارسية ولغة التاغالوغ الفلبينية؛ هذا أمر من الصعب تنفيذه في أي مكان آخر، ولكن في الإمارات هناك جماهير لكل تلك الحوارات».
وبالنسبة لفلورنس، فمهرجان «هاي أبوظبي» أيضاً فرصة لاستكشاف أشخاص مختلفين وفرص جديدة: «المهرجان فرصة للحديث عن المستقبل، ومعرفة ما الذي يريده الناس منا. فنحن عملنا في مناطق كثيرة من العالم، مثل أميركا الجنوبية والهند وبنغلاديش؛ في كل مرة، يصنع الناس المهرجان على صورتهم، كما يريدون هم. وليس (هاي) نسخة موحدة، بل هو كائن يتكون حسب رؤية أصحابه».
وأسأل فلورنس عن نسخة المهرجان في بيروت، التي أقيمت في الفترة بين 2009-2012: ما الاختلاف؟ يجيب بأن الأمر مختلف الآن: «الآن، نحن أكثر عالمية. في بيروت، كان (هاي) مهرجاناً عربياً بحتاً، وكان من الصعب علينا الحفاظ عليه هناك. الترجمة لم تكن بالزخم الموجود الآن. وبالنسبة لأبوظبي، فهناك ترجمة للأعمال والفعاليات، إما بالعربية أو الإنجليزية، وهو أمر لم يكن متاحاً منذ 10 أعوام».
أختم حواري مع فلورنس بسؤاله هو شخصياً عما يتوق لرؤيته أو سماعه في «هاي أبوظبي»، فيبادر بضحكة سعيدة تنم عن تحمس واضح لبعض الجوانب من المهرجان، يذكر منها: «أنا متحمس لأني سأرى وأستمع للمغنية سعاد ماسي في إحدى الفعاليات؛ تمنيت لسنوات طويلة أن أراها في إحدى فعالياتنا. الأمر الثاني هو لقاء أدونيس مرة أخرى؛ عملنا معه منذ 20 عاماً في إسبانيا، وأعتقد أن له تأثيراً كبيراً على الشعراء في عدة لغات، ربما أكثر من غيره من الكتاب العرب الكبار؛ أن تجلس مع قامة عالمية دائماً مثير للحماس».
وكانت اللجنة المنظّمة لـ«مهرجان هاي» قد أعلنت عن برنامج فعاليات وأحداث الدورة الأولى من المهرجان المقرر تنظيمه في العاصمة الإماراتية أبوظبي خلال الفترة 25–28 فبراير (شباط) 2020، بدعم من وزارة التسامح في دولة الإمارات، بمشاركة مجموعة بارزة من الحائزين على الجوائز من الكتّاب والصحافيين والمؤرخين وصنّاع الأفلام والفنانين، خلال برنامج حافل من الطراز العالمي، تتخلله نحو 100 فعالية على مدار 4 أيام. وتكمن الرسالة الرئيسية في مهرجان «هاي أبوظبي» في الاحتفاء بالأفكار الخلاقة والمبدعة ضمن قطاع الفنون والعلوم، وتسليط الضوء على أوضاع العالم الراهنة، بحضور جمهور ينتمي إلى أكثر من 20 جنسية، ويتحدث بـ7 لغات. ويعكس هذا البرنامج تنوع مشهد المجتمعات في أبوظبي، بما في ذلك الكتّاب من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والهند وباكستان وبنغلاديش والصين ونيجيريا وأوروبا. ويكرّس المهرجان برنامجاً تعليمياً حيوياً، يرحب بمشاركة أكثر من 70 مدرسة محلية، بما يضمن إلهام آلاف الطلاب ممن تتراوح أعمارهم بين 7 و16 عاماً الناطقين باللغات العربية والإنجليزية والهندية والفلبينية.
ويضم هذا المهرجان على مدار 4 أيام سلسلة واسعة من الحوارات المثمرة، بحضور نخبة دولية من أبرز الكتاّب والمفكرين المعاصرين الذين يرصدون واقع العالم اليوم، والصورة التي قد يؤول إليها مستقبلاً. وبجانب ذلك، سيستضيف المهرجان عروضاً سينمائية، بالشراكة مع «بي بي سي العربية»، تعكس المواقف الاجتماعية والسياسية في العالم العربي، بينما ستكون العروض الموسيقية والشعرية محطتا البداية والنهاية لفعاليات المهرجان.
ويشهد مهرجان «هاي» مشاركة نخبة من الكتّاب الحائزين على جوائز من جميع أنحاء العالم لمناقشة تأثير السرد الروائي، ومن بينهم الكاتب النيجيري الحاصل على جائزة نوبل للآداب وولي سوينكا، والروائية المصرية أهداف سويف، والكاتب الفلبيني ميغيل سيجوكو، والشاعرة الكاتبة الباكستانية فاطمة بوتو، والروائية اللبنانية هدى بركات، فضلاً عن الكاتبة العمانية جوخة الحارثي الحاصلة على جائزة «مان بوكر الدولية»، والكاتبة البريطانية برناردين إيفاريستو التي نالت جائزة «بوكر» الأدبية.
ويشارك في المهرجان الروائيون أحمد سعداوي (العراق)، ونجوى بن شتوان (ليبيا)، ويوسف رخا (مصر)، ومحمد حسن علوان (المملكة العربية السعودية)، الذين شاركوا أيضاً في مشروع «#بيروت39» التابع لمهرجان «هاي»، ونُشرت أعمالهم في عام 2009، وذلك احتفاءً بنخبة من أفضل الكتّاب العرب ممن لم يتجاوزوا الأربعين عاماً. كما يناقش كاتب القصص القصيرة الإماراتي البارز محمد المر مغامرة استثنائية تغوص بين الثقافات والمنشورات الأدبية من مختلف أنحاء العالم.
ويبرز ماضي ومستقبل الأدب العربي من بين المواضيع التي ستناقشها جلسة أحمد الشامسي، حول كيف أسهمت ثقافة الطباعة في تحويل تقليد الفكر الإسلامي.
كما يستعد الشاعر السوري الكبير أدونيس للمشاركة في الفعالية، والاحتفال بذكرى ميلاده التسعين، إلى جانب الكتّاب فولكر براون وزليخة أبو ريشة وبيير يوريس وسيرج بي ويانج ليان. وسيشارك مجموعة من الشعراء في المناقشات، عبر إلقاء بعض من قصائدهم، مثل الشاعرة الهندية تيشاني دوشي، والشاعر البحريني قاسم حداد، والشاعر الإنجليزي إنوا إيلامز.
وسيوضح المهرجان دور المؤرخين المهم في تسليط الضوء على أبرز القضايا المعاصرة في سياقها، حيث تتحدث المؤرخة البريطانية بيتاني هيوز عن إعادة بناء التراث السوري، فيما يتناول بيتر فرانكوبان مسارات طريق الحرير الجديدة. وتروي جونغ تشانغ قصة الصين وعظمتها في القرن العشرين، بينما يناقش شاشي ثارور هويته الهندوسية، ويتحدث ويليام دالريمبل عن البريطانيين في الهند.
وسيتطرق الفيزيائي الفرنسي كريستوف غلفارد إلى مواضيع المكان والزمان، فيما يتحدث الطبيب الفلسطيني عز الدين أبو العيش عن العلاقة بين الصحة والسلام. وسيكشف ماركوس دو سوتوي، أستاذ الفهم العام للعلوم في جامعة أوكسفورد، عن أسرار الهندسة والرياضيات. وستتحدث سعادة رزان خليفة المبارك، الأمين العام لهيئة البيئة - أبوظبي، أكبر الجهات المنظمة لشؤون البيئة في منطقة الخليج العربي، عن الاستعدادات العالمية للظروف المناخية الطارئة. أما مصممة الحدائق والمساحات الخضراء كاميليا بن زعل، فستشارك خبراتها ومعرفتها حول طبيعة الحياة النباتية في المنطقة خلال مسيرتها في تطوير عدد من أبرز الحدائق في دولة الإمارات.
وستعكس أعمال المخرجين السينمائيين في المنطقة واقع الأوضاع السياسية والاجتماعية في العالم العربي، حيث سيتم تقديم سلسلة من العروض التي تحمل توقيع شيماء بوعلي، مديرة مهرجان «بي بي سي عربي»، فضلاً عن الفيلم الوثائقي «Iraq: A State of Mind»، ومجموعة من الأفلام القصيرة من إبداع مخرجات موهوبات.


مقالات ذات صلة

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

يوميات الشرق جوي تتسلّم جائزة «أفضل ممثلة» في مهرجان «بيروت للأفلام القصيرة» (جوي فرام)

جوي فرام لـ«الشرق الأوسط»: أتطلّع لمستقبل سينمائي يرضي طموحي

تؤكد جوي فرام أن مُشاهِد الفيلم القصير يخرج منه وقد حفظ أحداثه وفكرته، كما أنه يتعلّق بسرعة بأبطاله، فيشعر في هذا اللقاء القصير معهم بأنه يعرفهم من قبل.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق طاقم فيلم «سكر» على السجادة الحمراء (البحر الأحمر السينمائي)

«سكر»... فيلم للأطفال ينثر البهجة في «البحر الأحمر السينمائي»

استعراضات مبهجة وأغنيات وموسيقى حالمة، وديكورات تُعيد مشاهديها إلى أزمان متباينة، حملها الجزء الثاني من الفيلم الغنائي «سكر».

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق «سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

«سلمى وقمر»... قصة حقيقية لسائق سوداني اندمج في عائلة سعودية

المفاجأة جاءت مع نهاية الفيلم، ليكتشف الجمهور أن «سلمى وقمر» مستلهمٌ من قصة حقيقية. وأهدت المخرجة عهد كامل الفيلم إلى سائقها السوداني محيي الدين.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق فيلم «الذراري الحمر» للمخرج لطفي عاشور (فيسبوك المخرج)

«الذراري الحمر» رحلة في أعماق العنف والبراءة

يحمل اسم «الذراري الحمر» رمزيةً مزدوجةً تُضيف عمقاً لمعاني الفيلم، فيتجاوز كونه مجرد وصفٍ للأطفال ليعكس روح القصة والرسائل الكامنة وراءها.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق «إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

«إلى عالم مجهول» يسلّط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين بأوروبا

يجدد الفيلم الفلسطيني «إلى عالم مجهول» للمخرج مهدي فليفل، تسليط الضوء على معاناة اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.

انتصار دردير (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».