اجتذبت منتجات الخزف والفخار التي أبدعها فنانو قرية جراجوس في محافظة قنا (جنوب مصر)، زائري مركز الجزويت بالعاصمة المصرية القاهرة، من المصريين والأجانب، عبر المعرض الحالي الذي افتُتح بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة، ويضم تحفاً وتماثيل وأدوات مطبخ مصنوعة يدوياً بواسطة أبناء قرية جراجوس.
فواز سيدهم سعيد، أحد أبناء الجيل الثاني الذي حمل على عاتقه تطوير المنتجات الخزفية والفخارية وتنوعها بجانب الحفاظ عليها، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «منذ حضور الأب إسطفان ديمونجلوفييه إلى جراجوس في سبتمبر (أيلول) من عام 1946، فكر في تطوير القرية بعدما لاحظ تردي الأوضاع المادية لسكانها، وفكر في بناء مستوصف ومدرسة وورشة للفخار، وقد اكتمل بناء هذا المشروع عام 1955، وكان الغرض منه تعليم الناس حرفة توفر لهم لقمة عيش، وتنقذهم من الفقر، وساعده ابن أخيه روبير، الذي كان يمتلك مصنع خزف في فرنسا، نقل بعض معداته لتدريب أطفال القرية على الرسم والنحت والحفر. ثم جاء بعده بعام فنان آخر هو أندريه جاسير من سويسرا لتعليم الأطفال صناعة الخزف، وانضم إليه بعض صناع الفخار من القرية، ثم تولت الفنانة السويسرية إيفيلين بوريه، مهمة تدريب الأطفال على الرسم، وحرق التماثيل والأواني الفخارية في الفرن».
ويحتل فخار وخزف جراجوس مكانة كبيرة بين مراكز صناعة الفخار في مصر، سواء كانت أواني أو أطباقاً أو أطقم شاي أو تماثيل تعبر عن مشاهد من حياة أهل القرية والمدن المحيطة بها، أو عن الحكايات الشعبية التي تجري على ألسنة الناس، وينظم فنانو جراجوس معرضين سنويين لعرض منتجاتهم، الأول في شهر يناير (كانون الثاني) بالقاهرة، والآخر في شهر مايو (أيار) في مدينة الإسكندرية.
ومن مصنع جراجوس الذي بناه المهندس حسن فتحي بعمارته المشهورة من قباب وحوائط مبنية من خامات الطبيعة، ونوافذه التي تراعي التهوية الجيدة في بيئة تتّسم بالحرارة العالية خلال فصل الصيف في صعيد مصر، تبدأ حكاية الفخار وقصصه؛ ولأن قرية جراجوس تقع بجوار مدينة الأقصر، يستفيد الفنانون من تراث الفراعنة، ويستعيدون فنونهم في صناعة الخزف، كما أنهم يستخدمون الألوان نفسها التي كان يفضلها الفراعنة ويشتهرون بها.
إدخال الفخار والخزف إلى جراجوس عبر تصنيع منتج يستفيد من تراث الفخار الفرعوني والفنون الحديثة، ليست مقتصرة على قرية جراجوس فقط، لكنّها وفق سعيد، كانت موجودة كذلك في قريتي الشيخ علي وحجازة، القريبتين منها، لكن جراجوس تفرّدت بفنونها بعد ذلك، وتعدّدت منتجاتها لتصل إلى أكثر من ستين منتجاً، لا تقتصر فقط على الأشياء التي يمكن استخدامها في المنزل مثل أدوات المطبخ، والزهريات، لكن هناك منتجات للزينة تصوّر البيئة الريفية التي يعيش الناس فيها، يستفيد صانع الفخار منها ويقدم تماثيل لسيدات تحمل الجرة، وفلاح يشتغل على النورج، أو الساقية والمحراث والطنبور، وهناك تماثيل أخرى لرجل يعمل في الجبل، أو فنانين يعزفون على المزمار، وهناك أعمال أخرى تصور من يدقون على الطبول.
وزاد سعيد «بعض التماثيل التي تصور مشاهد من الحياة اليومية للمصريين قد تكون اندثرت، لكنّنا نحاول إنتاج المزيد منها لنحافظ على ذاكرتنا الريفية حتى لا ننسى حياتنا وحياة أجدادنا»، مشيراً إلى أن «المصنع كان يمتلئ بفنانين كبار من العارفين بالخزف وأسراره، كانوا يزيدون على عشرين فناناً، لكن توفي بعضهم. وكانوا يعشقون الصناعة، وهم الذين تعلمت على أيديهم، الآن نحمل نحن المسؤولية، وننقل خبراتنا للأجيال الجديدة، حتى لا يأتي يوم وتتوقف الصناعة التي اشتهرنا بها منذ أكثر من ستة عقود، ولا سيما أن منتجاتنا تتمتع بسمعة جيدة لا نظير لها محلياً وعالمياً».
ولتوثيق حكاية قرية جراجوس مع الخزف، ألّف الأب وليم سيدهم كتاباً يروي رحلة القرية مع الفخار، وغيرها من الأعمال التي قام بها زملاؤه في القرية حتى رحيلهم عام 1966.
ووفق سعيد، فإن عملية صنع الفخار تتم عبر سبع مراحل، وتحتاج إلى دقة كبيرة وصبر في إعداد الطين الأسواني قبل تشكيله، وكلها تتم بشكل يدوي، حيث يلتزم الحرفيون بالطريقة الفرعونية في كل مرحلة من المراحل، ويختتم سعيد حديثه قائلاً: «كنا نحرق المنتجات في الأفران باستخدام السولار، لكننا الآن نستخدم الكهرباء للمحافظة على البيئة من التلوث، وقد حرصنا على استمرار العمل في المصنع رغم كل الصعوبات والظروف على أساس تسليم أسرار صناعة الفخار، فهي جزء من شخصية القرية التي عرفت بها في كل مكان».
منتجات جراجوس الخزفية والفخارية تجتذب الزائرين في القاهرة

أدوات طبخ يدوية
منتجات جراجوس الخزفية والفخارية تجتذب الزائرين في القاهرة

أدوات طبخ يدوية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة