ثقافة «الأممية الجديدة»

محاولة استخدام الدين لنشر مشروع فكري غير قابل للتحقق

هربرت جورج ويلز
هربرت جورج ويلز
TT

ثقافة «الأممية الجديدة»

هربرت جورج ويلز
هربرت جورج ويلز

منذ أن طرح الكاتب العبقري «ه. ج. ويلز» رائعته «آلة الزمن»، فإن القاسم المشترك لمثل هذه الروايات هو أن البطل رغم قيامه برحلاته إلى الماضي، فإنه دائماً ما يعود إلى الفترة الزمنية التي خرج منها، باستثناءات قليلة عندما يجد البطل ضالته في الزمن الماضي الذي يسافر إليه، والذي يمثل له «المدينة الفاضلة» التي طرحها فلاسفة كُثر، مثل «أفلاطون» و«توماس موور» وغيرهما. فالرحلة إلى الماضي، بكل ما تحمله من نوستالجيا، قد تكون مفهومة أو مبررة في عقل الروائي وخياله، وهو ما يراهن عليه لدى القارئ. أما العودة لماضٍ تعيس، فلا يوجد ما يبررها.
ورغم اختلاف الخيال العلمي عن الفلسفة السياسية، فإن هناك متشابهات بينهما، لعل أهمها استغلال ماضٍ والحنين له لتركيب واقع سياسي جديد عليه، وهو أمر طبيعي، فما من فكر سياسي إلا وكان التاريخ وهياكله يمثلان جزءاً منه، ولكن أخطر ما يمكن أن يقع فيه أي صاحب فكر هو السعي لإعادة استنساخ الماضي بهياكله وفكره، دون أن يأخذ في الاعتبار حاضر مجتمعه وظروفه ومحيطه، بل وتجربة هذا الهيكل المستنسخ ذاته. وهذا ما يحدث اليوم مع ما يمكن تسميته «الأممية الجديدة»، أو محاولة استخدام الدين لنشر مشروع فكري غير قابل للتحقق لأسباب بدهية واضحة لا مجال للخوض فيها هنا. والمقصود بـ«الأممية» هنا هو الخروج عن الهياكل الفكرية المنظمة لحياتنا اليومية لخلق مفهوم «فوق وطني»، ومنحه الشرعية لتدمير الهياكل الفكرية والسياسية والاجتماعية القائمة، واستبدال هيكل أقرب للخيال السياسي منه للواقعية بها، مستخدماً أحد أقوى المقومات الاجتماعية (وهو الدين) لتركيب الحاضر على الماضي.
واقع الأمر أن «الأممية الحديثة» بدأت تُطل علينا فكرياً بالتزامن مع إلغاء الخلافة العثمانية على أيدي الزعيم التركي «أتاتورك»، وحالة الهلع والفراغ الفكري الذي أصاب كثيرين من أجدادنا، استناداً إلى أن العالم العربي كان يُحكم على مدار ثلاثة عشر قرناً من الزمان من خلال آلية الخلافة، سواء بشكل واقعي أو نظري، وذلك رغم أن الخلافة العثمانية بمؤسساتها كانت في حالة فوضي عارمة، وظلت تترنح من الضعف لقرون، ولكن البعض عبدها سياسياً، ولم يستطع التغلب على انهيارها.
هذه حقيقة لا مناص من ذكرها، وكتب التاريخ شاهدة على هذه الظاهرة غير المبررة عملياً، أو حتى فكرياً، فيكفي الاطلاع على كتاب العلامة الجبرتي «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»، عندما وصف خروج المصريين بعد هزيمة القوات الإنجليزية للحملة الفرنسية على مصر والشام ليهتفوا للسلطان العثماني في إسطنبول، ذلك الرجل ومؤسسته التي أتجرأ اليوم وأدعي أنها كانت سبباً في أحلك مراحل تاريخ مصر والعرب الممتد. ولكن الحقيقة هي أن الشعوب لم يُسمح لها باستطلاع البديل على مدار قرون، فتعودت على القبول بالوضع السياسي القائم. فمفهوم الدولة القومية أو الوطنية قد تم حذفه من القاعدة الفكرية لنا لصالح شرعية فرضها العثمانيون، استناداً إلى مفاهيم اجتهادية كانت مناسبة في مرحلة ما منذ ألفية، لتعظيم استفادتهم السياسية وحكم العرب، وهو ما برر حرص العثمانيين على نقل الخلافة الاسمية من دولة المماليك في مصر إلى إسطنبول مباشرة في القرن السادس عشر، حتى يكون حكمهم للمنطقة خارج نطاق الاستعمار بصبغه برداء الإسلام. فانتشرت فكرة أن أي تحرك وطني في العالم العربي يمثل خروجاً على السلطان، ومصيره اللعنة السياسية في الدنيا، ومآله جهنم في الآخرة. ومع ذلك، فالثابت تاريخياً أن الدولة الوطنية أو القومية قامت على قبر هذا الفكر الأممي العثماني العابث. فبدأت بمصر، ثم تبعتها الدول العربية، لتلبس رداءها الوطني الطبيعي، دون خسارة جوهرها الإسلامي الذي لا يمر بأي حال من الأحوال بالحكم السياسي العثماني، فإسلامية الدول التي ننتمي إليها ليست على المحك أو حتى مجالاً للتساؤل.
وقد اعتقد البعض أن هذا الفكر قد طوي، ولكن موجاته الضعيفة توالت باستغلال المشاعر الدينية لدى البعض، خاصة ضعيفي الإدراك منا، لمحاولة فرض واقع سياسي جديد. فـ«الأممية الجديدة» التي تتشدق بمفهوم إعادة وحدة الأقطار الإسلامية بقوة السلاح، واستخدام الكروت السياسية والعسكرية كافة، وصبغها بأسس دينية لا أساس لها، ما هي إلا إعادة تدوير لمفاهيم فكرية سابقة بالية، بإلباسها ثوباً جديداً. وأخطر ما يولده هذا الفكر هو سعيه لفرض دولة تحت اسم ديني، والدين والتاريخ منها براء. فالتاريخ لم يقدم لنا أي شهادة نجاح أو نموذج يُحتذي به لدولة دينية من صنع فكر متطرف، فالأممية المسيحية ظلت حلماً يداعب الكنيسة والإمبراطورية الرومانية المقدسة لقرون، وانتهت بمجازر لا حصر لها، باستخدام الإرهاب الفكري والعملي ضد الفرد والمجتمع، والشيء نفسه حدث للنماذج التاريخية الأخرى.
فإذا ما صدقت مقولة «إن كل واحد منا يجب أن يدفع ثمناً لرؤيته للجنة»، فيجب أن يعرف كل مسلم أن هذا الثمن يدفعه الإنسان لبارئه -سبحانه وتعالى- على أسس فردية واضحة منظمة لا تمر عبر مؤسسات سياسية تاريخية في أحلام ساسة من الحاضر. فالعجب، كل العجب، هو أن ندفع الثمن لنشتري جهنم مستعرة، ويفرض علينا الحياة فيها! فهل يُلدغ المؤمن من الجحر نفسه مرتين؟



هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».