«تغييب الرواية هو الهدف»... سياسات إسرائيل تجاه الإعلام الفلسطيني

الاحتلال يعتقل الصحافيين ويقاضيهم في محاكم عسكرية بمنظومة قوانين عنصرية

صحافي فلسطيني يهرب من القنابل الغازية في الميدان
صحافي فلسطيني يهرب من القنابل الغازية في الميدان
TT

«تغييب الرواية هو الهدف»... سياسات إسرائيل تجاه الإعلام الفلسطيني

صحافي فلسطيني يهرب من القنابل الغازية في الميدان
صحافي فلسطيني يهرب من القنابل الغازية في الميدان

بصورة دورية تُقدم إسرائيل على ممارسة الانتهاكات بحق وسائل الإعلام الفلسطينية، من خلال سلسة إجراءاتٍ تتخذها بحق المؤسسات العاملة أحياناً، وفي أخرى بحق الصحافيين كأفراد، وتتنوع تلك الانتهاكات بين مختلف الأدوات الإقصائية التي تشمل: الإغلاق، والتدمير، والاعتقال، والمنع من السفر، والقتل، والإصابات المباشرة، ومحاربة المحتوى، وغيرها من التي يسردها هذا التقرير.
- القتل والإصابة
على مدار السنوات الطويلة الماضية، تعمدت إسرائيل قتل الصحافيين الفلسطينيين، وإصابتهم بشكلٍ مباشر، ولعل آخر الأحداث التي دللت على ذلك كان خلال عام 2018 الذي قتل فيه الجيش الإسرائيلي الصحافيين ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، خلال عملهما في التغطية الصحافية. وينبّه نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل، «الشرق الأوسط»، إلى أنّ اعتداءات الاحتلال مستمرة، وتزداد بصورة خطيرة، كما أنّها تنبئ بالنية الإسرائيلية المبيتة تجاه الحالة الصحافية الوطنية.
وأوردت التقارير الأخيرة الصادرة عن مركز «مدى للحريات»، أنّ عدد الصحافيين الذين قتلهم إسرائيل خلال ممارسة عملهم بلغ منذ عام 2000، وحتّى الآن، 43 صحافياً، ولم تسجل خلال الفترة الماضية أي حالة تم فيها تقديم مرتكبي حالات القتل تلك للمحاكمة، سواء كان محلياً أو دولياً، وبيّنت تقارير أخرى أنّ نقابة الصحافيين الفلسطينيين وثقت خلال عام 2019 أكثر من 650 اعتداءً، في الضفة الغربية وغزة، ضد الصحافيين، منها 150 إصابة بالرصاص الحيّ.
المصور الصحافي عطية درويش، أصيب بطلقة مطاطية مباشرة في عينه خلال تغطيته الصحافية الحدودية، وفقد 80 في المائة من بصره، يذكر، في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»، أنّه غطى خلال السنوات الماضية معظم الاعتداءات الإسرائيلية، وتعرض لأخطارٍ كثيرة، لكنّه لم يكن يعلم أنّ الأيام تخبئ له ذكرى يفقد فيها جزءاً من النظر بعينيه، مشيراً إلى أنّ العين هي السلاح الأول للمصور ومصدر تركيزه، وحياته المهنية اختلفت كثيراً بعد إصابته تلك.
- محاربة المحتوى الإعلامي
لا تقتصر أوجه التضييق الإسرائيلية على الحالة الإعلامية الفلسطينية، على الجانب الميداني فقط، فكثير من التقارير أشارت إلى أنّ الأولى تمارس بشكلٍ أو بآخر هجمات ضد الوجود الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي، يلفت الصحافي حسن أصليح، الذي تعرض حسابه على «فيسبوك» للحذف، بعد أن كان قد وصل عدد متابعيه لـ80 ألف شخص، إلا أنّه صدم قبل عدّة أشهر من تلك الخطوة التي جاءت من دون أي إنذار أو تنبيه.
من جهته، يؤكّد المختص في الإعلام الاجتماعي سائد حسونة، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ العام الحالي شهد محاربة خطيرة للمحتوى الفلسطيني، عبر عدد من الأدوات؛ أهمها، تفعيل القانون الإسرائيلي الذي صادق عليه الكنيست، وينص على ملاحقة النشطاء والصحافيين على خلفية عملهم، وكذلك من خلال الاتفاق بين شركة «فيسبوك» وحكومة الاحتلال الذي أثمر عن إقامة مقر للشركة داخل مدينة تل أبيب.
الجدير ذكره، أنّ مؤسسة «إمباكت» الدولية لسياسات حقوق الإنسان، كانت قد اتهمت إسرائيل بأنّها تستغل علاقاتها مع شركة «فيسبوك»، لأجل محاربة المحتوى الفلسطيني، ووجه مركز «صدى سوشيال» المحلي، في حينٍ سابق، رسالة شديدة اللهجة لشركة «فيسبوك»، بعد أن أقدمت على إدخال عدد من الكلمات ذات العلاقة بالشأن الإسرائيلي ضمن المصطلحات المحظور تداولها، الأمر الذي أدى لإغلاق العشرات من الحسابات والصفحات التي يزيد عمر إنشائها عن 10 سنوات.
- الإغلاق والتدمير
ومن أشكال الانتهاك الممارس بحق المؤسسات الفلسطينية، الإغلاق والتدمير الذي طال أكثر من مؤسسة، أبرزها كانت قناة «الأقصى» الفضائية، التي تمّ تدمير مقرها الرئيسي، بشكلٍ كامل، في نوفمبر (تشرين الثاني) لعام 2018. ويذكر وسام عفيفة المدير العام للشبكة التي تتبع لها الفضائية، لـ«الشرق الأوسط»، أنّ الاستهداف الإسرائيلي لهم ولرسالتهم الإعلامية ليس الأول الذي يواجهونه، ويهدف لطمس الرواية الفلسطينية «التي تحمل نبض الشارع وهموم المواطن الناتجة عن الاعتداءات الإسرائيلية».
واعتدت القوات الإسرائيلية، نهاية العام الماضي، على موظفي تلفزيون «فلسطين»، خلال تغطيتهم لأحداثٍ بمدينة القدس، وأغلقت مكتبهم ومنعتهم من العمل لمدة 6 أشهر، كما أنّها داهمت خلال أواخر عام 2018 مقر وكالة الأنباء الرسمية «وفا»، وسحبت تسجيلات كاميراتها لاستعمالها لأغراضٍ عسكرية، وقبلها بسنة تقريباً قام الجيش الإسرائيلي بعمليات مداهمة لمكاتب مؤسسات إعلامية فلسطينية في عدد من مدن الضفة الغربية المحتلة، وأغلق اثنين منها، ويوضح نائب نقيب الصحافيين، ضمن حديثه، أنّ سياسة الاحتلال تجاه المؤسسات الإعلامية الوطنية تقوم فكرة الإقصاء وإبعاد الرواية الفلسطينية عن المشهد العالمي.
- غياب معدات السلامة
لمعدات السلامة المهنية والسترات الواقية مع الصحافيين الفلسطينيين، خصوصاً الغزيين منهم، قصّة أخرى، فمعظمهم يعملون وسط ظروف ميدانية خطرة جداً، دون توفر الحد الأدنى من مستلزمات السلامة، يقول الصحافي رامي الشرافي، في حديثٍ لـ«الشرق الأوسط»، «منذ الحصار الإسرائيلي الذي فُرض على قطاع غزة في عام 2006، لم يدخل سوى عدد قليل جداً من الدروع والأدوات الأخرى اللازمة للصحافيين».
ويوضح، وهو عضو أمانة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، أنّ ما دخل هو في الغالب خاص بالوكالات الدولية، التي تتمكن من تمريره عبر مراسليها المبتعثين من الخارج، حيث يعبرون الحدود بالدرع ويتركونه لزملائهم في مكتب غزة حين المغادرة، لافتاً إلى أنّ الكثير من الصحافيين داخل القطاع لجأوا، مؤخراً، لا سيما في وقت مسيرات «العودة الكبرى» و«كسر الحصار»، التي اندلعت في الثلاثين من مارس (آذار) لعام 2018، لخياطة دروع «إسفنجية وقماشية» تدلل على طبيعة عملهم فقط، وتفرّق بينهم وبين المواطنين.
وللدروع بشكلٍ خاص مدّة صلاحية، تبلغ في معظم الأحوال 6 سنوات، وفقاً لما ورد في المواصفات الصادرة عن الشركات المصنعة، وهذا يعني أنّ غالب الدروع في القطاع، هي ذات فعالية ضعيفة بسبب انتهاء فترة استعمالها المحددة، وينوه الشرافي إلى أنّهم كأسرة صحافية فلسطينية يعلمون مسبقاً أن معدات السلامة لا تحمي من الاعتداءات الإسرائيلية، وأكبر دليل على ذلك هو الاستهداف المباشر للصحافيين العاملين في المؤسسات المحلية والدولية، وهم على رأس عملهم ويرتدون الشارات المميزة لطبيعة شغلهم.
- الاعتقال والتنكيل
في مطلع أغسطس (آب) الماضي، كان الصحافي محمد العتيق الذي يسكن مدينة جنين شمال الضفة، على موعدٍ مع تجربة الاعتقال في سجون الاحتلال على خلفية عمله المهني الذي كان يغطي من خلاله أحداث الاعتداءات على المواطنين والعنف الموجه ضدهم، وروى والده أن قوة إسرائيلية اقتحمت المنزل ليلاً واقتادت محمد إلى المعتقل، واستمر محتجزاً هناك لعدّة أيام في ظروفٍ صعبة، وقبل عام واحد فقط من اعتقال العتيق واجه أربعة صحافيون كانوا يعملون لصالح قناة «القدس» الاعتقال من داخل منازلهم في مدن الضفة الغربية، وفقاً لتقارير حقوقية.
من جانبه، ترى الصحافية والباحثة شيرين خليفة، في مداخلة لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «الاحتلال يعتقل الصحافيين على خلفية حرية الرأي، ويقوم بمحاكمتهم في محاكم عسكرية، ومن خلال منظومة قوانين عنصرية، في مخالفة للمواثيق الدولية التي تكفل حرية العمل الصحافي»، مبيّنة أنّ إسرائيل تستخدم ضد الصحافيين المعتقلين أساليب تعذيب متعددة، منها التنكيل النفسي والإهمال الطبي وغيرها، وذلك حسب وجهة نظره بحاجة لتدخل دولي عاجل يضمن حرية العمل الصحافي ويحمي ممارسيه.
يشار إلى أنّ «لجنة دعم الصحافيين»، كانت قد قالت إن إسرائيل تعتقل في سجونها زهاء 25 صحافياً، منهم 7 يقضون أحكاماً عليا فعلية، و4 معتقلون بصورة إدارية «دون محاكمة»، موضحة أنّ الاحتلال ماضٍ في استهدافه للحريات الإعلامية من خلال تكثيف حملات الاعتقالات بحق الصحافيين الفلسطينيين، ومنعهم من التغطية وممارسة عملهم، وتجديد اعتقالهم دون تهم تذكر، بهدف طمس معالم جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، وفي مراتٍ سابقة ساند الاتحاد الدولي للصحافيين، الفعاليات الفلسطينية المطالبة بالإفراج عن أبناء المهنة من السجون الإسرائيلية.
- تقييد الحركة
حصلت الصحافية آلاء أبو عيشة على «جائزة الصحافة العربية للشباب» عام 2017، وفي الوقت ذلك، عملت بشكلٍ جاهد على مغادرة قطاع غزة؛ لأجل حضور الحفل والتكريم، لكنّها اصطدمت بجدار القيود الذي وضعه أمامها الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي عقد الأمر كثيراً، ومرّ الحفل دون أن تتمكن من الوصول له، تتكلم لمراسل «الشرق الأوسط»، أنّ تلك الفرص هي الأهم بالنسبة للصحافيين حول العالم، وحضورها يشكّل فارقاً في حياتهم، لكنّي حرمت من ذلك بسبب إسرائيل وإجراءاتها بحق الصحافة الفلسطينية.
قصّة أبو عيشة ليست وحدها، ففي كلّ عام يعاني الصحافيون الفلسطينيون، خصّوصاً الذين يحصلون على فرص عمل بالخارج وزمالات مهنية وتكريمات وجوائز، من قيود الحركة التي تفرضها عليهم إسرائيل، ومن أولئك أيضاً، كان ممثل نقابة الصحافيين عمر نزال، الذي منعته إسرائيل خلال العام المنصرم من مغادرة الضفة الغربية لأجل حضور فعاليات «الكونغرس الدولي للصحافيين»، وفي وقتها استنكرت النقابة ذلك.


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.