لدى المبدعين صوتهم الداخلي الذي يحتاج منهم الإصغاء، ولطالما عرف عن الكتّاب هربهم للعزلة للانطلاق في رحاب الإبداع، ومحاولة كشف كنوزه الكامنة في الأعماق، إلّا أنّ الفن يجمع الفنانين بمعزل لتأسيس ذائقة فنية تنطلق من هوية محددة لمكان يزيح الستار عن المواهب الدفينة فيهم.
وتنشط برامج الإقامات الفنية حول العالم من أماكن لها القدرة على إلهام المبدعين، وقد قررت وزارة الثقافة أن يكون «رباط الخنجي» التاريخي هو نقطة انطلاق برنامج الإقامة الفنية الأولى فيها.
جاء اختيار وزارة الثقافة للمرة الأولى على «رباط الخنجي» الصامد لأكثر من 200 عام الذي لطالما عرف عنه كرمه التاريخي الإنساني، وبعد أن هجره سكانه كعمل فني قبل عامين ضمن أسبوع الفن السعودي، ووقع الاختيار عليه للمرة الثانية ليكون مقر برنامج «الإقامة الفنية» المنظم من الوزارة، ومكاناً لاستضافة المحافل الثقافية بعد أن أجرت عليه وزارة الثقافة عدة تحسينات.
ويهدف برنامج الإقامات الفنية إلى نزع صفة «المركزية» عن الإنتاج الثقافي من خلال نقله من المراكز الحضرية الرئيسية إلى التجمعات السكانية التاريخية غالباً، ويسعى إلى توجيه الاستثمار الثقافي والفكري إلى هذه المناطق، من أجل غرس بذور التغيير الثقافي في المجتمع، وتعتبر برامج الإقامة الفنية فرصة للفنانين والفاعلين الثقافيين في مجالات الموسيقى والأدب والفنون البصرية والتصميم ووسائط الإعلام التفاعلية والمسرح والرقص المعاصر، وهو فرصة للحصول على نظرة واسعة عن المشهد الثقافي في مكان ما، والعمل في بيئة مختلفة لمدة يحددها البرنامج، بالإضافة إلى أنّه يمكن الفنانين وصنّاع المحتوى من تطوير أفكارهم ومفاهيمهم وتحويلها إلى أعمال فنية فعلية، ويدعم البرنامج المشاركين لتطوير محتوى حول المواضيع والمفاهيم التي يتم العمل عليها ضمن خطة المشروع الاستراتيجية.
ويهدف برنامج «الإقامة الفنية» إلى نشر الوعي حيال الفنون والثقافة السعودية لدى الجمهور المحلي والإقليمي والدولي، والتوعية المجتمعية من خلال البرامج العامة التي تسهم في تقدير الفن المعاصر وفهمه وسد الفجوات بينه وبين المجتمع المحلي، إضافة إلى تأسيس منصة تبادل معرفي بين مجتمع الفنون المحلي والدولي، وتقديم ممارسات فنية محلية وعالمية للجمهور السعودي.
وقال الفنان التشكيلي والأكاديمي راشد الشعشعي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الإقامات الفنية هي الناقل الأول للفنون المعاصرة، وذلك بسبب التغيير المستمر في الفنون المعاصر، ولا يوجد هناك دور أو أكاديميات لنقل المشاهد الفنية، وهي بالتالي حالة تعايش لحظية للمشهد الثقافي في المنطقة المقام فيها، فالنقل الشفهي للتاريخ لا يقارن بعيش اللحظة ومخالطة الثقافة والفن المحلي، وبالتالي نقله للعالم بأعين فنانين عاشوا حقيقة هذه الثقافة».
وبينت الفنانة لولوة الحمود متحدثة لـ«الشرق الأوسط» أن البرنامج يعتبر من أهم البرامج الفنية العالمية التي تختصر الزمن والجهد لنقل الثقافات العالمية، وتداولها بشكل فني يبرز حضارة المنطقة، ويؤهل البرنامج الفنانين، ويجذبهم من كل العالم للتنافس لنقل صورة حقيقية عن المملكة التي بقيت لسنوات طويلة بمعزل عن العالم الخارجي. وأكدت الحمود أنّ الدعم المؤسسي والحكومي هو ما يضيف لهذا البرنامج قوته ويساعد في نجاحه وظهوره للعالم بالشكل اللائق.
وأطلقت وزارة الثقافة برنامج «الإقامة الفنية» في السعودية، ضمن مبادرات جودة الحياة أحد برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030»، وتستضيف الوزارة خلاله الفنانين والنقاد السعوديين والعالميين في أماكن إقامة داخل المملكة، وفي فترات محددة بهدف خلق بيئة مناسبة للحوار الثقافي، وتبادل المعارف والخبرات، وذلك في سياق التزامها برعاية وتطوير المواهب الفنية في مختلف مجالات الإبداع.
وتأتي انطلاقة البرنامج بعنوان «إقامة فنية: البلد»، حيث ستستضيف منطقة البلد في جدة التاريخية دورات البرنامج (مدة كل دورة ستة أسابيع)، سيتم التركيز فيها على التوعية الاجتماعية والتطوير المهني والتفكير النقدي، وستكون المشاركة فيها متاحة أمام الفنانين ومقيمي الأعمال الفنية والنقاد السعوديين والدوليين.
السعودية تؤسس حواضن للإبداع الثقافي في برنامج الإقامة الفنية
يستضيفها «رباط الخنجي» في جدة التاريخية
السعودية تؤسس حواضن للإبداع الثقافي في برنامج الإقامة الفنية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة