مذكرات ومشاهدات في عشق بلد وناسه

«المغرب بعيون عراقية» لرحمن خضير عباس

مذكرات ومشاهدات في عشق بلد وناسه
TT

مذكرات ومشاهدات في عشق بلد وناسه

مذكرات ومشاهدات في عشق بلد وناسه

لطالما استهوى المغرب، بمدنه وطبيعته وتاريخه، الكتاب والفنانين من مختلف البقاع، فأرّخوا لعلاقة العشق تلك بكتابات وأعمال فنية، بقدر ما أغنت منجزهم الإبداعي زادت البلد إشعاعاً عبر العالم.
ومن بين كُتّاب العالم وفنانيه، تبقى للكتاب والفنانين العرب حكاياتٌ وذكريات جميلة عن البلد، تتجاورُ فيها مُتعة السفـر والسياحة مع دفء الماضي المشترك وتفرد المكان.
وسيراً على علاقة العشق التي جمعت عدداً من الكتاب والفنانين العرب بالمغرب، تقترح علينا مذكرات للكاتب العراقي المقيم بكندا رحمن خضير عباس، ضمّنها كتاباً صدر له قبل أيام عن «منشورات مقاربات» بفاس، تحت عنوان «المغرب بعيون عراقية»، مجموعة من الانطباعات والمشاهدات، التي تشكّل عصارة التجربة الشخصية لكاتبها في المغرب، حيث عاش عقداً من الزمن، من أواخر السبعينات إلى أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وأصبح مغرماً بالتردد عليه، الشيء الذي تمخض عنه كثير من الملاحظات التي دوّنها وارتأى جمعها، لكثرتها وتنوعها. وهي ملاحظات عن «المشهد الحياتي اليومي، ببهائه وعتمته، بثرائه وفقره. المغرب الهائل والمتنوع والعميق»، قال عنها إنها كانت تنقل لمشاهدات تأخذ طابعاً تأملياً، وكأنه يرى المشهد عبر «شرفة العمر الذي انفرطت حبّاته، في زوايا هذا العالم المكتظ بالمتناقضات».
وعن مضامين هذا الكتاب، نقرأ على لسان الكاتب، من خلال صفحة «منشورات مقاربات»: «تحدثتُ عن المدن التي مررتُ بها، أو عشتُ بين جنباتها. عن روحها ونبضها، ودبيب الحياة فيها. الناس الذين يشكلون نسغ المغرب وجذوره وتاريخه. تحدثت عن الأسوار التي تطوّق أعناق المدن كالقلائد، وكأنها مخطوطات نادرة تسجل تاريخ المدن، وطبيعة ملامحها التي صمدت أمام العصور والأزمنة. عن الدروب الضيقة والشوارع الفارهة. عن الحداثة والموروث. عن الأزياء التقليدية والأعراف والولائم والحفلات المختلفة، عن التقاليد بجمالها وقبحها، عن المائدة المغربية، وما يحيط بها من تقاليد صارمة، توارثها الناس والتزموا بها. تحدثتُ عن البيئة بأشجارها، وأنهارها، وبحرها، ومرتفعاتها التي تتحدى الغمام؛ حتى ينحني لهاماتها السامقة. تحدثت عن المقاهي المغربية، بوصفها ظاهرة تتفرد بها المغرب، ومجالاتها وطاقاتها وحضورها في الحياة الاجتماعية. تناولتُ الصالونات الأدبية في المغرب. طبيعتها وتأثيراتها. تحدثت عن الإنسان المغربي، فناناً وقاصّاً ومُبدعاً وشاعراً وعاملاً وكادحاً. تحدثت عن المشهد الثقافي الذي انطفأ، وعن المشهد الذي يتوهج. عن جان جينيه، أكبر أدباء فرنسا الذي اختار أنْ تكون مدينة العرائش مدينته الأبدية التي تضمُّ مثواه الأخير. عن بول بولز الذي عشق طنجة. تناولتُ الظواهر الاجتماعية الحادة، التي هي إفراز للتطور. تحدثتُ عن بعض المدن: مراكش العصية على الوصف. تارودانت التي تختبئ تحت أسوارها. عن وجدة البهية ذات المساجد والذكريات. عن تازة التاريخ والذكريات الحزينة. عن فاس والرباط وطنجة وأكادير وشفشاون والعرائش. تحدثتُ عن الندوات الأدبية والفنية، عن المهرجانات الكثيرة التي تحتضنها المدن المغربية. قبل كل شيء، تحدثت عن الأصدقاء في توهجهم وتألقهم وبؤسهم وفشلهم. عن الشرائح الاجتماعية التي تعايشت مع الواقع، بحلوه ومرّه. إنّه المغرب بعيون عراقية. ليست بعيوني فقط، وإنّما بعيون عراقيين عاشوا وماتوا في هذا البلد. أو مرّوا به، أو هاجروا منه. إنّه المغرب بكل ثقله الحضاري، الذي يمتد إلى البدايات الموغلة في القدم».
ونقرأ في تقديم الكتاب، الذي تزين غلافه لوحة للفنان السوري عبد الرحمن مهنا: «في أواخر سبعينات القرن الماضي، حللنا في المغرب، وكنّا مجموعة غير متجانسة من العراقيين. الصدفة وحدها التي جمعتنا. فلم نكن قد خططنا لذلك مسبقاً، سوى أنّ أكثرنا كان هارباً من قفص حديدي كبير، اسمه الوطن. ولحسن الحظ، كانت المدارس المغربية (آنذاك) بحاجة إلى مدرسين في مختلف الاختصاصات، لسد النقص. لذلك فقد استوعبت وزارة التربية المغربية طلباتنا للعمل في التعليم الثانوي. وهكذا توزّعنا على المدن المغربية المختلفة. والطريف في الأمر: كنّا نجتمع في العطل السنوية، فنستفسر عن بعضنا، ونطلق اسم المدينة ككُنية للشخص المقيم فيها. فنقول مثلا: هادي القصر، نسبة إلى القصر، وعادل طنجة، وساجد فاس، وكاظم تازة، وجواد آسفي... إلخ من المدن الأخرى. كنّا متوجسين من حقيقة وجودنا في المغرب. تنتابنا مشاعر متضاربة، بأننا نَمرُّ بمرحلة طارئة، حتى إننا ترددنا كثيرا في شراء مستلزمات السكن والعيش من أثاث وغيرها، واكتفينا بالضروري فقط. وكأننا في حالة من السياحة والسفر، متلهفين لسماع أخبار الوطن، الذي غادرناه، ولكنه لم يغادرْنا. لكن الحياة المغربية، ببساطتها وهدوئها، قد سمّرتنا على أبوابها. فاقتنعنا بأنها ليست مجرد محطة انتظار. وإنما ملاذ بديل، سرعان ما تحوّل إلى عنصر حياتي، تناسينا به همومنا، وإمكانية العودة إلى الوطن الأوّل. شيئاً فشيئاً، تناغم أكثرنا مع الواقع المغربي، الذي انتشينا بعطره، وتسللنا إلى عمق الحياة فيه، وتشبعنا بعاداته وتقاليده. كان المغاربة أقرب إلينا من دول تجاورنا. وكأنها عملية الجذب بين قطبين متباعدين؛ لأنّ العراق في أقصى الشرق، والمغرب في أقصى الغرب. ومع ذلك فقد لمسنا أشكالاً من التعاطف والاحترام، من قِبَل أغلب شرائح المجتمع. حالما يُذكر العراق أمام المغاربة، حتى تنهمر الذاكرة الجمعية لهم. فيتحدثون عن أصالة العراق، عن شعره وأدبه، وعن عصوره الذهبية. يتحدثون عن التمر والنهر والحضارة وأشياء أخرى تُشبع فينا الألفة التي نفتقدها في بلدان أخرى. أحيانا نحاول أنْ نتحدث لهم عن التراجع الكبير الذي شهده العراق. ولكنّ مخيالهم الجمعي يرفض ذلك، ويبقى متشبثاً بالعراق المتألّق الذي سيتجاوز المِحنة. إنه شعور جميل، ألفناهُ وتعوّدنا عليه. المغربي يعرف عن بلدك أكثر منك. يتحدثون لنا عن مرقد الإمام عبد القادر الكيلاني في بغداد، كما يتحدثون عن الجواهري والسيّاب ومظفر النوّاب. يذكرون لنا المجلات الأدبية التي تأتي من العراق، رخيصة في ثمنها وغنية في محتواها، يحفظون أغاني ناظم الغزالي. كان للمغرب الفضل في تطمين قلقنا، وذلك بإسعافنا بالمحبة والمودة، وجعلنا أكثر قابلية للاستقرار. وهكذا طالت إقامتنا في المغرب، مُثقلين بوضع عائلي. فقد تزوج أغلبنا من مواطنات البلد، ولكن الصدمة التي واجهتنا، هي أنّ أطفالنا لا يكتسبون الجنسية المغربية، حسب القوانين المرعية في الثمانينات من القرن الماضي؛ لذلك فكر أكثرنا بالهجرة إلى أوروبا أو أميركا الشمالية. ولم يبق في المغرب، إلا القليل من العراقيين، الذين اندمجوا في المجتمع المغربي اندماجاً كاملاً.
أما نحن الذين هاجرنا إلى الغرب، فقد أضحى المغرب وطناً بديلاً، حينما أوصدت أبواب العراق. لذا كنّا نزوره بين الفينة والأخرى. نتفقد المدن التي هجرناها، والبيوت التي سكنّاها، وكأننا نتلمس أطلال الماضي، مندهشين ومبهورين بهذا البلد، وكأننا نراهُ للمرة الأولى».


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.