بما تيسر لديها؛ تشرح الأردنية علا طاشمان لربات البيوت طريقة تحضير خبز الصاج مع الشاورما، وتحرّض الشهية لتجربة فطيرة الراعي المكونة من بطاطا مع الخضراوات وصدور الدجاج، وتفوح من مطبخ السيدة الماهرة روائح الحب لفطائر الكشك والجبن والبيتزا، وكذلك تلك المحشوة بالزعتر الأخضر والجبنة النابلسية.
هي واحدة من النساء اللاتي جربن أن يكون الطعام مصدر دخل من خلال قناة في موقع «يوتيوب» تبدو عادية جداً، أي ليس فيها شيء من تقنيات التصوير الاحترافية؛ إلا أنها شهدت متابعة عالية في فترة قياسية بفضل دقة مقاديرها وأسعار مكوناتها التي في متناول الجميع وعلى مبدأ «نُفيد ونستفيد»، لتظفر قناتها «أطيب الوصفات» بالدرع الفضي من «يوتيوب» كحال أخريات على غرارها.
تقيم علا في المملكة العربية السعودية منذ سنوات، ولم تتح الظروف لها العمل خارج المنزل لأن مكان سكناها مع زوجها وأطفالها يقع في مدينة عسكرية بمحافظة حفر الباطن، مما حد من نطاق حركتها بشأن الالتحاق بدورات متقدمة للطهي والمشاركة في نوادي الطبخ أو حتى ممارسة الأنشطة العامة بسبب بعد المسافات.
في صباها كان يحلو لها أن تساعد والدتها الراحلة في تحضير المعجنات والحلويات، ثم أخذ اهتمامها بالطبخ منحى جاداً بعد وفاة أمها لتتعلمه على أصوله، إلى أن تزوجت وبدأ الأمر يتحول إلى عشق.
فقد كانت ذائقة زوجها المحب للتنويع على المائدة دافعاً استحثها نحو تطوير أدائها مع أنها بقيت بين «أربعة جدران»، إضافة إلى أن الاحتكاك بجنسيات مختلفة في المناسبات أثار فضولها لتجربة وصفات بلدان عدة.
تروي علا خرّيجة كلية المحَاسبة حكايتها مع قناة غيرت حياتها للأفضل وصنعت منها بحسب وصفها «امرأة أقوى وأجمل».
- ما قبل إنشاء القناة
«يعطيكم العافية» تحية دافئة الإيقاع تعوّد المتابعون أن تفتتح بها فيديوهاتها، ومُجدداً تلقي التحية نفسها على «الشرق الأوسط» لتحكي التفاصيل: «تملكني إصرار شديد أن أشق طريقي الخاص في هذا المجال، وجدت أن الطبخ عالم واسع مليئ بالتحديثات المستمرة وهذه فكرة تعجبني كوني أحب التجديد في الحياة، سعيت لتجريب وصفات عديدة تعتمد على مكوناتٍ غير مكلفة، وراق لي كثيراً أن مكوناً ما يقبل أن نحضرّ منه العديد من الأكلات غير التقليدية؛ اللحم المفروم مثال صالح لذلك».
«كيف بدأتِ الطريق يا ترى؟»... تخبرني أن الخطوة الأولى انطلقت أواخر عام 2014 من صفحة شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى «غروب» تدوّن فيه وصفاتها، مضيفة: «إلا أني وجدت بعضاً يستصعبون فهم جزئيات بعينها، فاتجهتُ نحو إنتاج الفيديوهات القصيرة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة لأشرح لهم الخطوات غير الواضحة ثم ارتأيت أن أصور الخطوات كلها، واكتشفت حينها أن «يوتيوب» عالم جميل حقاً، وأحلى ما فيه تحدياته، وبحمد الله اقترب عدد المشتركين من 800 ألف وعلى وجه الخصوص من السعودية والعراق والأردن ومصر والجزائر، لقد حققت إنجازاً لم أتوقعه بعد أن كان أقصى مُناي الوصول إلى أقل من نصف الرقم».
ومما يثير الاهتمام أن صوتها كان مفتاحاً للوصول إلى المتابعين بحسب التعليقات التي تتلقاها، يصاحب كلامها ضحكة عندما تقول: «تخبرني الصبايا أن صوتي صديقٌ قريب من القلب، إنني ممتنة لتفاعل الناس معي، مما منحني ثقة أكبر بذاتي، من المدهش أن طريقتي في الحديث منحت قناتي روحاً من حيث لا أدري».
ولا تفوّت الفرصة للتأكيد على دور «غروبات» الطبخ في صقل المهارة اللازمة للهواة؛ بالقول: «ساعدني الاندماج فيها على تطور أدائي وبمرور الأيام أصبحت واثقة أن الوقت حان لفعلها!، كان يجب أن يمضي (وقت مُحترم) من الاستعداد والتمرس قبل أن أباشر في إنشاء قناتي، فيما يخطئ البعض بالمسارعة إلى إطلاق قناة؛ حارقين مرحلة التمهيد التي يتوجب أن تسبقها».
وتزيد بقولها: «لقد تعلمت الكثير من مجموعات الطبخ، وشخصياً أميل لأخذ وصفة من ربة منزل لديها خبرة في طبق معين أكثر مما لو شاهدت برنامج شيف حاصل على شهادات عليا، وعامة النساء هكذا لا يرغبن بالغرق في بحر التفاصيل المعقدة».
تُراجع علا الوصفة جيداً قبل الشروع في تصويرها والتي تكون قد جربتها مراراً من قبل، وتعرف أي بصمة جديدة ستضيفها لها، ويبدو ولعها واضحاً بالحلويات والمعجنات، فلا تدخر وسعاً في تجريب مختلف أنواع العجائن؛ «من الممكن أن أستخدم فقط الماء والدقيق لتحضير عجينة هشة قطنية، وأكون سعيدة حين أضيف إليها مكونات ذات قيمة غذائية عالية»، مشيرة إلى أن الأطباق التي تسكب فيها ليست جديدة غالباً؛ المهم فقط أن تكون «لامعة ونظيفة».
ويجتمع في رصيد قناة السيدة الأردنية نحو 180 وصفة بفضل دأبها في الاطلاع على أطباق من مختلف الأقطار؛ إذ فطنت إلى أن لكل بلدٍ طابعه الخاص؛ في حين يقع على عاتقها وضع عصارتها الشخصية على ألا تستغرق الوصفة وقتاً وجهداً.
وعن الفئة التي تستهدفها تذكر: «تهمني ربة البيت الشابة بالدرجة الأولى، أريدها عندما تدخل المطبخ ألا تحتار فتجد متسعاً من الخيارات اللذيذة وغير المكلفة حتى تبدع أناملها في (مدّ سفرة) متنوعة الأطباق».
ولعل ما يميز وصفاتها أن مكوناتها تتوفر بأسعار في متناول الجميع وتنافس مذاق أي طعام من خارج البيت - والكلام لها -؛ مضيفة: «شخصياً أغلى مكّون اشتريه هو كريمة الحلويات».
- لستَ بـ«معلم»
هذه الطريق ليست معبدة بالزهور؛ وفقاً لعلا طاشمان؛ فقد كادت أن تتوقف بسبب تعبها، إلا أن زوجها شد من أزرها لتكمل ما بدأته في عملها الخاص بعد أن رآها تتقدم بشكل جميل.
تعبرّ في حديثها مع «الشرق الأوسط» عن رضاها ببسمة مطمئنة: «سعيدة بأن الله عز وجل كافئني بعد جهد طويل لم أتلقَ فيه بالبدايات أي مردود؛ لم تسعني الفرحة في أول مرة حصلت على مصدر رزق من الإنترنت، شعور الاستقلال المادي للأنثى يدعو للفخر؛ وها أنا في مملكتي أطهو لعائلتي وأحصد الثمار وأنفع الآخرين».
وتنظر في مرآتها بعد هذه التجربة؛ لتصف الشروق الذي حلّ بداخلها: «شخصيتي صارت أقوى وزال عنها التردد؛ من البديهي أن الخبرة في مجالٍ ما تفعل خيراً بصاحبها».
نشتمّ من كلماتها رائحة الأصالة حين تحنّ لطريقة الجدات في الخّبز ونفَسهن المليء بالحب في طهي الكرشات والفوارغ، إنها علا صديقة الدقيق والحليب اللذين يؤنساها في جل الوصفات؛ تلك الطموحة التي ترنو عينها إلى الدرع الذهبي علّها تظفر به هذا العام.
سألتها عن الوصفات التي تتنفس بعدها الصعداء؛ فكرّت ثم قالت: «أرتاح حين ألحظ تفاعلاً مع (الوصفة الصح) أي أنها تشتمل على معايير دقيقة وجهد مميز مثل المعمول بالسميد والمعجنات، وفي المقابل أفاجأ أن ثمة وصفات تُظلم مع أن نتيجتها كانت رائعة مثل المندي والمنسف، ولا يخلو المشهد من وصفات عادية تلقى تفاعلاً عجيباً، وفي نهاية المطاف سر اللعبة يكمن في التجديد مراعية ما تطلبه المتابعات وبما يتناسب مع المواسم، وبين هذا وذاك أولويتي أن يحقق المهتمون نجاحاً عند التطبيق».
رحلة التعلم لا تنتهي بحسب تعبيرها؛ ذلك أن وصفة مثل «تشاينيز فود» عرفت بالخبرة أن المعكرونة يجب أن تُسلق بالكاد، وأن الخطأ في تقدير كمية النشا بالحلويات يُفسد المراد.
وتسعف الذاكرة علا بأحد المواقف التي مرّنتها على الصبر؛ قائلة: «ذات مرة كنت أصور وقد شارفت على الانتهاء، أراد زوجي بحسن نية أن يقدم المساعدة بترتيب الصحون المبعثرة، وصادف أني كنت أضع كوب النسكافيه على حافة المايكرويف فمن عادتي احتساءه أثناء الطهي، وإذ بيده ترتطم بالكوب وتُوقع ما فيه ليتسخ المكان، وبطبيعة الحال انشغل وقتي بالتنظيف حتى أكمل التصوير، فلا مفر من تنمية خُلق (البال الطويل) هنا».
وفي سؤالها عن قدرة فيديوهات الطبخ ذات التقنيات العالية على جذب المتابعين أكثر من غيرها، بابتسامة مجرِبة تجيبنا: «تبين لي أن البساطة أكثر إقناعاً؛ ويا سلام على البساطة المدروسة؛ فقد تغلب التقنيات العالية في التصوير والستايل والإضاءة وغيرها، وبالدرجة الأولى التفاعل يرتبط بمدى ثقة الناس بالقناة، والنتيجة خير حكم؛ فما الفائدة من قناة فائقة الجودة يخيب أمل متابعيها عند تطبيق وصفاتها».
وعن النصيحة التي تسديها للمهتمات بمجال الطبخ وترغبن بتدشين قناة في موقع «يوتيوب»، تقول: «أولاً عليكم بالإلمام الجيد بوصفات الطبخ عموماً؛ ومرة أخرى أنصح بغروبات الطبخ، سيما للمبتدئات؛ وبالدرجة الثانية يأتي إضفاء اللمسة الشخصية بعيداً عن تقليد الآخرين، تلك اللمسة حتماً ستظهر حتى لو في كعكة عادية».
وفي ضوء متابعتها للعديد من قنوات اليوتيوب؛ تنبه إلى ضرورة تجنب الثرثرة التي لا داعي لها أثناء الوصفة منعاً للملل؛ وتوضح مقصدها: «لطفاً أوجزوا واهتموا بـ(الزُبدة)».
وعلاوة على ما سبق تحذر من خطأ وارد: «لا يجوز أن يبالغ صاحب القناة ليظهر بدور (المعلم)، كل ما هنالك أنه يشارك الآخرين بعض (التكاّت)».
أطفال علا يعيشون أجواء احتفالية عندما تتصاعد روائح الفطائر بأنواعها أو ساندويشات الشاورما والبرغر والزنجر، حيث الوصفات السريعة المحضرة في البيت أكثر ضماناً من ناحية السلامة الغذائية وترافقها متعة أثناء التحضير؛ بحسب رأيها؛ أما عندما تزور عائلتها في الأردن فلا تتُرك ياقتها إلا بعد أن تحضرّ لهم كيك اللبن الزبادي أو كيك الجزر بجانب كوب شاي لا يُنسى.
ربات بيوت يستثمرن النَفَس في «يوتيوب»
قنوات تُدر دخلاً والسر في البساطة
ربات بيوت يستثمرن النَفَس في «يوتيوب»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة