لم يكن الجنرال قاسم سليماني الذي قُتل بضربة أميركية في مطار بغداد مع عدد من قيادات «الحشد الشعبي»، فجر اليوم (الجمعة)، وجهاً للمشروع الإيراني في المنطقة فحسب، بل كان مشروع رئيس لإيران بدأت التحضيرات العلنية له العام الماضي، ولم يجهضه سوى أمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بقتله.
ولد سليماني في 10 من مارس (آذار) 1957 لأسرة متوسطة الحال بقرية قنات ملك في ضواحي مدينة كرمان جنوب شرقي إيران. وانضم إلى صفوف «الحرس الثوري» وهو في التاسعة عشرة من العمر، قبل أربعة أشهر على بداية الحرب الإيرانية - العراقية. تأثر كغيره من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة بأفكار زعيم الثورة الإيرانية. وتحول من عامل بناء إلى قائد لكتيبة «ثأر الله» في مسقط رأسه لحماية المطار قبل أن يقود الكتيبة إلى ميادين الحرب في محافظة الأحواز التي ستتحول فيما بعد إلى لواء، ثم فيلق في السنة الأخيرة من الحرب الثمانية أعوام وضم أبناء محافظات سيستان وبلوشستان وكرمان وهرمزجان.
ورغم دوره في معرکتي الخفاجية والبسيتين شرق محافظة ميسان في أبريل (نيسان) 1982، فإنه بقي مجهولاً كغيره من قادة «الحرس الثوري» في سنوات حرب الخليج الأولى.
وشكلت الحرب موقفه تجاه العراق، بحسب ريان كروكر، السفير الأميركي السابق في بغداد، الذي قال في مقابلة سابقة مع «نيويورك تايمز»، إن «الحرب الإيرانية - العراقية بالنسبة للجنرال قاسم سليماني لم تنته. لا يمكن لشخص أن يشهد صراعاً أشبه بالحرب العالمية الأولى ولا يتأثر على الإطلاق. وهدفه الاستراتيجي كان انتصاراً صريحاً في العراق، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فخلْق عراق ضعيف والتأثير عليه».
وبعد نهاية الحرب بقي سليماني لفترة ثمانية أعوام أخرى قيادياً على مستوى محافظة كرمان، وخارج نادي القادة المؤثرين للحرس، لكن بعد إعادة هيكلة «الحرس الثوري»، بإقالة محسن رضائي وتعيين اللواء رحيم صفوي في 1997، تم تكليف سليماني بموافقة المرشد علي خامنئي في بقيادة «فيلق القدس» الذي تأسس في بداية الثمانينات لرعاية الجماعات الموالية لإيران، ويعد أحد الفروع الأكثر سرية في القوات البرية التابعة لـ«الحرس».
وبصلاحيات واسعة من خامنئي، وضع سليماني أسس ذراع يمثل «الحرس الثوري»، مهام متعددة خارج الحدود الإيرانية وامتدت أنشطته من لبنان إلى سوريا، والعراق، والبحرين، واليمن حتى مناطق مثل أفريقيا وأميركا الجنوبية. ومنها نقل الأسلحة وتدريب مقاتلين وإنشاء جماعات مسلحة في مختلف مناطق النزاع بالمنطقة، تحظى برعاية إيرانية. كما ارتبط اسم قواته بتهريب المخدرات وغسل الأموال.
وكان «فيلق القدس» الوحدة الخاصة بتنفيذ عمليات داخل الحدود العراقية في سنوات الحرب ومن هنا بدأ دور الفيلق في تدريب وتجهيز ميليشيا بدر التي انتقلت من إيران إلى العراق بعد 2003، ورغم ما تردد عن نشاطه في حربي البوسنة وأفغانستان، فإن سليماني برز بعد غزو العراق في 2003 قبل أن يتوسع دوره مع انطلاق الثورة السورية.
ومنذ ذلك الحين، أثار الجنرال الغامض اهتمام وسائل الإعلام الأجنبية؛ ما جعله أبرز الوجوه العسكرية الإيرانية.
ويحمل سليماني، الذي يتحدث بصوت خافت، ثقة كبيرة في نفسه، نتيجة الدعم الخاص الذي يلقاه من المرشد علي خامنئي. وهو كان العقل المدبر لمبادرتين أساسيتين في السياسة الخارجية الإيرانية: بسط وتوسيع النفوذ في السياسات الداخلية للعراق وتوفير الدعم العسكري لحكم الرئيس بشار الأسد في سوريا.
وهذا الدور وضعه في مواجهة مباشرة مع صانعي السياسة في الولايات المتحدة لضمان مستقبل العراق حليفاً للولايات المتحدة، وإسقاط نظام الأسد، ووقف المحاولات الإيرانية لبسط نفوذها المتزايد في المنطقة. وقد وضعت وزارة الخزانة الأميركية سليماني على قائمة العقوبات؛ لأن المسؤولين الأميركيين يعتقدون أنه كان متورطاً في خطة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن.
وتولى سليماني بعد 2003 مهمة توسيع النفوذ الإيراني في العراق، وتحجيم دور الجيش الأميركي، وفي النهاية تشجيع خروجه من العراق: الهدف الأبرز بالنسبة للحكومة الإيرانية التي كانت عازمة على أن تكون القوة الرئيسية في المنطقة والتي شعرت بالتهديد عبر توسيع الوجود الأميركي على حدودها الشرقية والغربية.
قاد سليماني التمدد الإيراني في المنطقة، ميدانياً، ليبني رصيداً بدا أنه أغرى خامنئي باستغلاله لتجهيزه للعب دور أكبر، كمشروع رئيس للجمهورية.
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بث التلفزيون الإيراني أول مقابلة مطولة مع سليماني منذ توليه قيادة «فيلق القدس» في 1999، وأجرى موقع خامنئي الرسمي مقابلة مع سليماني والأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله بمناسبة صدور أول عدد من مجلة «المسير» من القسم الإعلامي في مكتب خامنئي.
حملت المجلة على غلاف عددها الأول صورة الرجلين مع عنوان «معادلة نصر»، للدلالة على ما عدّه موقع خامنئي تأثير حرب 2006 في لبنان على «الهندسة الجديدة للمنطقة».
في المقابلة، كشف سليماني للمرة الأولى عن أنه كان قائداً ميدانياً في حرب يوليو (تموز) 2006 بين «حزب الله» وإسرائيل في لبنان، وهو النزاع الذي أوقع 1200 قتيل في الجانب اللبناني و160 في الجانب الإسرائيلي.
رافقت هذا الظهور حملة تلميع لسليماني، اعتبرت حملة انتخابية مبكرة لخوض سباق الرئاسة المقررة العام المقبل. لكن العملية الأميركية وضعت حداً لهذه «الحملة» ولمشروعه الرئاسي.
وأفلت سليماني من محاولات عدة لاغتياله؛ إذ كانت وسائل إعلام مقربة من «حزب الله» اللبناني قد كشفت في سبتمبر (أيلول) 2018 عن تعرض سليماني لمحاولة اغتيال في العراق.
وقبل شهرين، أعلن حسين طائب، رئيس جهاز استخبارات «الحرس الثوري» الإيراني، عن إحباط محاولة لقتل سليماني اتهم «أجهزة استخبارات عربية وإسرائيلية» بالوقوف خلفها. وأشار إلى أن مجموعة «تابعت خطة على مدى سنوات» لاغتيال سليماني في مسقط رأسه، كانت تقضي بشراء مكان في جوار حسينية والد الجنرال وزراعة متفجرات تحت الحسينية عبر حفر قناة، لكي يجري تفجيرها عندما يحضر سليماني في أيام تاسوعاء وعاشوراء.
ودخل سليماني العام الماضي على خط التلاسن بين ترمب والرئيس الإيراني حسن روحاني إثر تهديدات بإغلاق مضيق هرمز. ولوح بشن «حرب غير متكافئة» ضد المصالح الأميركية في المنطقة، وقال إن البحر الأحمر «لم يعد آمناً للقوات الأميركية».
وفي 2017، كشف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، عندما كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه»، عن أنه حذر سليماني وقادة من «الحرس الثوري» من مهاجمة القوات الأميركية في العراق. وقال «ما كنا نتحدث عنه في هذه الرسالة هو أننا سنحمّله (سليماني) ونحمّل إيران مسؤولية أي هجمات على المصالح الأميركية في العراق من قبل القوات الخاضعة لسيطرتهم». وأضاف: «نريد أن نتأكد من أنه والقيادة في إيران يفهمان ذلك بطريقة واضحة وضوح الشمس». وأشار بومبيو إلى أن سليماني رفض فتح الرسالة، لكن ذلك «لم يكسر قلبي».
8:18 دقيقة
سليماني... مشروع رئيس إيراني أجهضه ترمب
https://aawsat.com/home/article/2064236/%D8%B3%D9%84%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%A3%D8%AC%D9%87%D8%B6%D9%87-%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8
سليماني... مشروع رئيس إيراني أجهضه ترمب
- لندن: عادل السالمي
- لندن: عادل السالمي
سليماني... مشروع رئيس إيراني أجهضه ترمب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة