مصر تتأهب لجولة حاسمة في مفاوضات «سد النهضة» بـ«اجتماع أمن قومي»

أكدت حرصها على الوصول لاتفاق يراعي مصالح القاهرة والخرطوم وأديس أبابا

TT

مصر تتأهب لجولة حاسمة في مفاوضات «سد النهضة» بـ«اجتماع أمن قومي»

فيما بدا تأهباً لجولة حاسمة من مفاوضات «سد النهضة»، تُعقد في أديس أبابا، نهاية الأسبوع المقبل، ترأس الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، تناول المحادثات الجارية بين مصر والسودان وإثيوبيا للتوصل لاتفاق حول السد الذي تبنيه إثيوبيا على أحد الروافد الرئيسية لنهر النيل، وتتحسب مصر من تأثيراته على حصتها من المياه.
وبينما ذكر السفير بسام راضي، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، أنه «تم تأكيد حرص مصر على التوصل لاتفاق حول ملء وتشغيل السد، على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث بشكل متساوٍ، ويفتح مجالات التعاون والتنمية». وقال مراقبون لـ«الشرق الأوسط» إن «الاجتماع بمثابة مراجعة أخيرة للموقف المصري، في ضوء مخرجات الاجتماعات السابقة، ومع اقتراب انتهاء المدى الزمني المحدد للوصول لاتفاق، منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي»، لكنهم اختلفوا فيما إذا كان هذا الاجتماع إشارة إلى حلحلة في الملف أم استعداداً لمواجهة أزمة.
وجاء اجتماع «الأمن القومي»، بعد ساعات من اجتماع رئاسي رفيع ضم رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، والفريق أول محمد زكي وزير الدفاع، وسامح شكري وزير الخارجية، ومحمد عبد العاطي وزير الموارد المائية، وعباس كامل رئيس المخابرات العامة، بحث كذلك تطورات الملف، و«الاستعدادات للجولة القادمة من المفاوضات خلال الشهر الجاري بأديس أبابا»، بحسب المتحدث الرئاسي.
ومن المقرر أن تعقد مصر وإثيوبيا والسودان اجتماعاً في أديس أبابا، خلال الفترة من 9 إلى 10 يناير الحالي، هو الأخير ضمن 4 جولات تقرر عقدها على مستوى وزراء الموارد المائية والوفود الفنية لدول مصر وإثيوبيا والسودان، بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي كمراقبين، على أن يعقبه اجتماع منتصف الشهر الحالي، في واشطن، للإعلان عن النتائج النهائية. وسبق أن نفى المتحدث باسم وزارة الموارد المائية المصرية، محمد السباعي، لـ«الشرق الأوسط»: «التوصل لأي اتفاق نهائي خلال الاجتماعات الثلاثة الماضية».
وقال محمد نصر علام، وزير الموارد المائية المصري الأسبق، لـ«الشرق الأوسط»: «لن يتم الإعلان عن أي نتائج للمفاوضات قبل اجتماع واشنطن الأخير، منتصف يناير (كانون الثاني) الحالي». وأبدى علام تشاؤمه من إمكانية توصل الدول الثلاث لاتفاق حول ملء وتشغيل السد، مؤكداً أن نسبة الوصول إلى تفاهمات لا تتجاوز 50 في المائة، بينما وضع احتمالاً آخر، وهو تمديد المفاوضات بطلب أميركي.
وتجري مصر وإثيوبيا، بمشاركة السودان، مفاوضات ماراثونية منذ سنوات، بهدف الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد، الذي أنجز نحو 70 في المائة من بنائه. واستبق وزير الري الإثيوبي سيلشي بقلي، الاجتماع، بإعلانه، قبل نحو أسبوع، أن «المرحلة الأولى من تعبئة بحيرة سد النهضة ستبدأ في يوليو (تموز) 2020».
ودخلت الولايات المتحدة والبنك الدولي على خط المفاوضات كـ«مراقبين»، بعدما أعلنت مصر، في سبتمبر (أيلول) الماضي، فشل المفاوضات الثلاثية في الوصول إلى اتفاق، وطالبت بتدخل دولي.
ويرى الوزير الأسبق نصر الدين علام، أن مصر أبدت مرونة كبيرة على مدار الجلسات السابقة، لكنها في النهاية لا تملك الموافقة على الإضرار بأمنها المائي، لذلك تتمسك بطلبها مراعاة حالة الفيضان في النيل الأزرق عند تحديد سنوات ملء السد، حسب حالة الفيضان، مع تخصيص 40 مليار متر مكعب من المياه لها سنوياً طيلة سنوات الملء، فيما ترفض إثيوبيا ذلك.
وتبلغ حصة مصر في نهر النيل، 55.5 مليار متر مكعب، وتصفها القاهرة بـ«التاريخية». كما أنها تطلب باستمرار الحفاظ على منسوب المياه في بحيرة ناصر (المخزون المائي للسد العالي المصري) عما لا يقل عن 165 متراً، لتجنب عدم تناقص توليد الطاقة الكهربائية.
في المقابل، يرى محمود أبو زيد رئيس المجلس العربي للمياه، ووزير الري المصري الأسبق، أن التحركات المصرية المتزامنة، ربما تشير إلى التوصل لاتفاق بشأن قضية ملء السد، على الأقل، فيما يتصل بالقضايا التي يجب حسمها سريعاً، بحيث تتم مراجعة الموقف بشكل أخير. وأشار أبو زيد لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدم الوصول إلى اتفاق بين مصر وإثيوبيا، في ظل رعاية أميركية، أمر مستبعد.
ونشرت «هيئة الإذاعة الإثيوبية»، أول من أمس، صوراً جديدة لمشروع «سد النهضة»، أظهرت تقدماً كبيراً في عملية البناء.
وحال فشل جولة أديس أبابا المقبلة في التوصل لاتفاق، من المزمع لجوء الدول الثلاث باتجاه تفعيل البند العاشر من «اتفاق إعلان المبادئ» الموقّع في الخرطوم، عام 2015، الذي نصّ على إحالة الأمر للوساطة أو رؤساء الدول، حال الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية، بحلول منتصف يناير 2020.
وتلقت مصر، أمس، تطميناً سودانياً، بتأكيد رئيس الحكومة الانتقالية بالسودان، عبد الله حمدوك، أن بلاده «لن تسمح بحدوث أي ضرر لمصر، وأنه على علم بأهمية نهر النيل، وبالتالي فإن الموقف من سد النهضة هو نفسه موقف مصر».
وأضاف حمدوك، في مقابلة مع صحيفة «الأهرام» الرسمية المصرية، أن «مصالح الخرطوم تتفق مع رؤية مصر حيال السد، وبالتالي فإنهم مؤمنون بأهمية التفاهم بين الدول الثلاث، والتفاهم يكون استراتيجياً... لكن الأهم هو قضية تشغيل السد، فإثيوبيا ترى أن قضية التشغيل هي قضية سيادية، ونحن لا نعارض ذلك، لكن التشغيل يكون عبر التفاهم وعبر تبادل المعلومات بين البلدان الثلاثة، بما لا يضر أياً منها، وأن تكون هناك إدارة مشتركة للسد، بحيث لا يتضرر أحد من البلدان».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.