مع تفاقم الأوضاع الأمنية والإنسانية بمحافظة إدلب يوماً تلو الآخر جراء القصف البري والجوي المكثف الذي تتعرض له على مدى شهرين وأكثر على يد قوات النظام السوري وحليفته روسيا، تتفاقم أيضاً الانتقادات والأسئلة، بل والشبهات حول صمت تركيا إزاء ما يحدث على أرض تلك المحافظة التي تعد آخر معاقل المعارضة السورية، حسب تقرير لوكالة الصحافة الألمانية من القاهرة. وقالت إن رسالة أنقرة الرئيسية اكتفت فقط بتهديد وتخويف دول أوروبا بموجات جديدة من النازحين السوريين، دون أي حديث حول مسؤولية روسيا عن ما يتعرض له أهالي إدلب من قتل وتشريد ونزوح في ظل شتاء شديد البرودة.
وبات التساؤل هل تنازلت أنقرة مسبقاً عن إدلب بموجب تفاهمات مع روسيا لتأمين حدودها شرق الفرات من الخطر الكردي، أم أنها تتطلع لحصد تفاهم جديد معها لتأمين مصالحها الاقتصادية، وإن كان هذه المرة في ليبيا. المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض السورية وعضو اللجنة الدستورية عن المعارضة السورية، يحيى العريضي، عبر عن انزعاجه وعدم تفهمه لهذا الصمت التركي تجاه عملية التصعيد العسكري التي تشنها قوات النظام السوري وحليفته روسيا على إدلب الواقعة شمال غربي سوريا.
وأوضح في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية: «لا نتفهم الصمت التركي إزاء ذبح إدلب قتلاً وبرداً... فتركيا هي أحد الضامنين لمنطقة خفض التصعيد في المحافظة التي عقدت بالأساس لحماية المدنيين، وهناك اتفاقيات بينهم وبين الروس والإيرانيين بهذا الشأن ومن أجله أقاموا 12 نقطة مراقبة... نحن نستغرب ونسألهم أيضاً بكل صراحة لماذا لم يحركوا فصائل المعارضة الموالية لهم لنجدة أهالي إدلب، تلك الفصائل التي تقدمت ورافقت العملية التركية (نبع السلام) في شرق الفرات ضد الوحدات الكردية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي... هل تحريكهم لن يجدي أمام قوة الطيران الروسي وسياسة الأرض المحروقة المتبعة حالياً بالمحافظة...عليهم التوضيح؟!».
ودعا العريضي لتحري الدقة حول الأخبار والمعلومات المتداولة بشأن قيام تركيا بتجنيد وإرسال مقاتلين ينتمون إلى فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى ليبيا ليشاركوا كمرتزقة في الدفاع عن حليفتها حكومة الوفاق، مشدداً: «لو ثبتت صحة تلك الأحاديث فلا يوجد وصف لها عندي سوى أنها فعل حقير من قبل الفصائل التي سمحت بذلك، وهو تصرف مدان مائة في المائة... لكن نحتاج إلى التأكد بصور ووقائع؛ لأنه ربما يكون الهدف من وراء ترويج تلك الأخبار هو نسف مصداقية من يقاوم الاستبداد».
وفي رده على ما يتردد عن وجود تفاهم مسبق بين الروس والأتراك قبل عملية «نبع السلام» يقضي بإطلاق يد تركيا شرق الفرات، مقابل ترك إدلب لروسيا والنظام، أجاب العريضي «كل الاحتمالات تبقى ورادة... لكني لا أميل لمثل هذه التحليلات السهلة، وبرأيي أن كثرة اللاعبين الدوليين تحديداً بالساحة السورية وتقاطع المصالح فيما بينهم هو ما يدفع إلى أن تقع منطقة سوريا ما بقبضة هذا الطرف أو ذاك».
أما فيما يتعلق بما يتردد حول أن أحد أسباب الصمت التركي هو الرغبة في التخلص من عبء محاربة الفصائل المتطرفة بالمحافظة، وترك هذه المشقة للنظام وروسيا، قال العريضي: «وجود عناصر (جبهة النصرة) المدرجة على لوائح الإرهاب الدولية ضمن صفوف هيئة تحرير الشام الفصيل صاحب الهيمنة الأوسع على إدلب يدعم بطبيعة الحال ذرائع النظام وروسيا ليستمروا في عملياتهم العسكرية تحت غطاء محاربة الإرهاب، وربما لم ترغب تركيا في التورط بالأمر، لكننا نعتقد أنه كان بإمكانها التحرك مبكراً حيال هذه المعضلة والضغط على النصرة والضغط على روسيا أيضاً، خاصة أن الجميع يعلم أن البلاء الأكبر جراء هذا التصعيد الراهن ينصبّ على المدنيين الأبرياء نساء وأطفال».
وأبدى الأكاديمي السوري أسفه إزاء اقتصار الدور التركي على اكتفاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بصب جام غضبه على الأوروبيين فقط، وتهديدهم بالتلويح بأن بلاده لن تتحمل المزيد من اللاجئين السوريين، موضحاً «الدول تتحرك عبر مصالحها، ولا أعتقد أنه يوجد من هو مستعد لأجل صالح السوريين أن تتأثر علاقته بدول كبرى كروسيا... الجميع شاهد وفوداً تركية ذهبت لروسيا وتم الحديث عن مناقشة وقف القصف، لكننا للآن لم نشهد أي ترجمة على الأرض لتلك المناقشات لم نسمع أن منسوب الدم والدمار قد انخفض».
من جانبه، وصف النائب السابق بـ«هيئة التفاوض السورية» خالد المحاميد، المتطلعين لأي دور للجيش التركي لمواجهة التقدم الروسي وإنقاذ أهل إدلب برواد «عالم الأوهام». وأوضح المحاميد: «إدلب تقتل... وإردوغان يكرر مشهده السينمائي بتهديد الأوروبيين بالنازحين أو جحافل البرابرة كما يصورهم الذين سيغزون لشواطئهم... والحقيقة أنه تفاهم مع روسيا بشأن اجتياح الأخيرة لإدلب، بالأساس هذا التفاهم كان قد تأجل تنفيذه لفترة طويلة لحين الانتهاء من خطر «داعش» في عموم سوريا، والآن ومع بدء العملية لم يعد أمام إردوغان سوى توجيه رسائل للاستهلاك الإعلامي فيما يتعلق بالتشاور مع الروس لإيقاف الضربات والقصف... أو تصريحات قياداته بالإبقاء على نقاط المراقبة التركية بالمحافظة، بالطبع طول هذا الإبقاء يتحدد وفقاً للسعر الذي سيعرض عليه مقابل إخلائها».
وفنّد المعارض البارز الأسباب التي دفعت تركيا للتخلي عن إدلب رغم أن ذلك يحرمها من نفوذ استراتيجي مهم داخل سوريا بالمستقبل، موضحاً: «أعين السلطان العثماني باتت مركزة بالقفز على الفرصة الراهنة في ليبيا وشواطئ البحر المتوسط الجنوبية عبر إنقاذ رئيس حكومة الوفاق فايز السراج الذي يغرق ويحتاج إلى أي حبل للنجاة ووجد ضالته بالسلطان العثماني وما سيوفره له من سلاح ومرتزقة... كما أن إدلب اليوم ليست من ضمن المناطق الجاهزة التي يحتاج إليها إردوغان اليوم لإعادة اللاجئين السوريين في بلاده إليها، خاصة مع تصاعد التوتر والضغط الشعبي التركي ضدهم».
ووجه المحاميد انتقادات حادة لمؤسسات المعارضة السورية المتعاقبة، محملاً إياهم جزءاً من مسؤولية المأساة التي تعيشها المحافظة. أوضح «لقد تجاهلوا نداءاتنا وتحذيراتنا كمعارضة وطنية من خطورة الفصائل المسلحة والجهادية التي تبادلت السيطرة والتلاعب بمقدرات إدلب خلال سنوات الثورة الأولى، التي كان أغلبها ممولاً قطرياً ومدرباً بتركيا، كما تجاهلت القيادة الراهنة لتلك المؤسسات في السنوات الأخيرة تحذيراتنا من خطورة تحول إدلب لإمارة وملجأ لكل المتطرفين من كل أنحاء سوريا لقد حولوها لقندهار جديدة وتم وصمها وأهلها بالإرهاب... ونحن الآن نسأل من ملأوا آذاننا بالحديث عن الخيرات والمساعدات الإنسانية القطرية والتركية أين الجميع مما يعيشه أهل إدلب من كارثة إنسانية والنزوح والمبيت بالعراء والتواجد بأشباه المخيمات في ظل موجات الصقيع، فضلاً عن الحدود التركية المغلقة بوجوههم».
المحاميد - الذي قدم استقالته من موقعه نهاية عام 2018 اعتراضاً على سلوك مؤسسات، المعارضة طبقاً لقوله - استنكر بشدة تصوير بعض قيادات المعارضة لأنفسهم بموقف المتفاجئ من الخطوة التركية بتجنيد مقاتلين سوريين وإرسالهم كمرتزقة إلى ليبيا، موضحاً: «الكثير من قيادات المعارضة حمّلوا الأعلام والرموز التركية بأكثر من محفل؛ ولذا فليس بمستغرب أن تتحول الفصائل إلى مرتزقة عند الأتراك ويحملوا العلم التركي بلا خجل في معاركهم بالداخل السوري... اليوم، إردوغان يقدمهم للعالم أجمع في صورتهم الحقيقية كمرتزقة لمن يدفع الثمن سواء ليبيا أو غيرها، فأين المفاجأة؟ تلك الفصائل فقدت شعبيتها واحترامها بالداخل السوري. وللأسف، لا يوجد من يحاسب قيادات المعارضة على هذا الخطأ أو غيره».
ولم يبتعد المعارض المستقل سمير النشار عن الرأي السابق، في التأكيد على أن ابتلاع النظام والروس لمناطق خفض التصعيد وآخرها إدلب خلال العامين الأخيرين قد تم بمباركة تركية صامتة. وأوضح: «صانع القرار التركي حصل عبر عملياته العسكرية الثلاث بسوريا على التوالي، أي درع الفرات، وغضن الزيتون، ونبع السلام على المواقع التي تشكل أولوية له، بدلاً من مناطق خفض التصعيد التي سمح بابتلاعها... أقصى ما تخشاه تركيا الآن هو أن يتم تجميع الآلاف من السوريين من إدلب بالقرب من حدودها المغلقة بوجوههم، أي أن يشكلوا كارثة إنسانية ربما يهتز لها العالم ويتم إلقاء اللوم عليها... ولذا؛ تهدد بشدة بورقة النازحين، لكن الأوروبيين بالمقابل يدركون جيداً أن تركيا لن تفتح أبوابها بالأساس لهؤلاء اللاجئين ليتدفقوا من شواطئها لبلادهم، وأنها فقط تحاول ابتزازهم للحصول على مساعدات مالية أو دعمهم لها في نزاعها مع كل من قبرص واليونان حول مصادر الطاقة بالبحر المتوسط».
وتابع: «تركيا تسعى جاهدة للآن ورغم التصعيد السوري الروسي المكثف على إدلب بالعمل على إقناع الفصائل الموالية لها هناك بفتح الطرق الدولية دمشق حلب» التي كان إردوغان قد اتفق مع بوتين على فتحها في سوتشي في سبتمبر (أيلول) 2018، ورفصت الفصائل مراراً هذا الأمر... إذ إن فتح هذه الطرق هو الهدف الرئيسي للتصعيد العسكري؛ كونها تمثل حلقة محورية بالغة الأهمية في محاولة إحياء الاقتصاد السوري المتداعي على أثر الحصار والعقوبات الدولية، فضلاً عن أن سيطرة النظام على إدلب ستدعم موقف النظام السوري وحلفائه بأي مفاوضات، وكذلك في المطالبة بخروج القوات الأجنبية التي دخلت وتمركزت بمناطق سوريا دون موافقة منه، أي الأتراك والأميركيين». وأردف: «الأتراك والروس يحافظون بدرجة كبيرة على سياسات التهدئة بينهم، وأتوقع أن تستمر التفاهمات التي تصب في صالحهما في الساحتين السورية أو الليبية، وذلك رغم اختلاف الأهداف والحلفاء في كل ساحة».
إدلب تتعرض للقصف والتهجير... وتساؤلات حول دور أنقرة
إدلب تتعرض للقصف والتهجير... وتساؤلات حول دور أنقرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة