بعض الصيحات تفرض نفسها وتصعد للواجهة، حتى وإن لم تحتل مكانة بارزة على ممشى عروض الأزياء. هذا الحديث ينطبق على صيحة أزياء فراء الأغنام المصنَّع. فمنذ أن تسللت النسمات الباردة ونحن نشاهد شلالاً من أزياء «الشيرلينغ» في كل مكان، سواء ضمن موضة الشارع، أو داخل محلات الموضة الشهيرة.
رواج الفراء المصنَّع لم يكن السبب الوحيد الذي جعلنا نتوقف عنده؛ بل تاريخه الممتد، ومراحل التحول التي مر بها على مر العصور.
فهذه الرحلة تحمل دلالات على قوة الموضة التي تُبدِّل الرسائل والانطباعات بمنتهى الحرفية.
كان من الطبيعي أن يظهر «الشيرلينغ» على ممشى عروض أزياء خريف وشتاء 2019، فهو خيار مثالي في وقت تسير فيه الموضة باتجاه أخلاقي يبحث عن طرق استدامة لا تضر بأي كائن حي.
عند تناول صيحة فراء الغنم وما جاءت به لموضة 2019، تتجه الأنظار نحو المصمم هادي سليمان، المدير الإبداعي لدار أزياء «سيلين»؛ كونه من بين أكثر من استعانوا بفراء الأغنام ليضيفوا لمسة من الدفء على تصاميمهم.
قدم سليمان موضة «الشيرلينغ» من خلال معاطف من الجلد والشمواه، أو من خلال تفاصيل ظهرت على الياقات وحواشي الأكمام، وبداخل أحذية البوت.
دور أزياء أخرى تناولت هذه الخامة بنمط مختلف، وفي الإكسسوارات أكثر. «شانيل» مثلاً قدمته من خلال بوت مزود بفراء الغنم مع الجلد الأسود، وحقيبة كلاسيكية من الجلد الأسود غُطيت بزخارف من فراء الغنم، كما جاء شعار الدار من الفراء نفسه.
وعلى الرغم من أن الحقيبة وحدها لن تحقق الدفء المطلوب، فإن النظر إليها يعطي شعوراً بدفقات حرارية، لذلك قدم عدد من دور الأزياء حقائب عصرية ومتنوعة من «الشيرلينغ»، مثل «بوس» التي طرحت منتجاتها باللون البيج من خلال حقيبة مربعة ومزودة بمشبك ذهبي، لتمزج بين تفاصيل عصرية مع لمسات فاخرة.
ومن بين العلامات الأخرى التي قدمت حقائب «الشيرلينغ» نذكر على سبيل المثال: «فندي»، و«برادا»، و«ماكس مارا»، و«أوف وايت».
من ناحية أخرى، شاهدنا نجمات اعتمدن هذه الصيحة، مثل سيلينا غوميز، وعارضة الأزياء الشهيرة إميلي راتاجكوسكي.
تقول منسقة الموضة نورهان حسام لـ«الشرق الأوسط» عن هذه الصيحة، إنها: «لا يمكن اعتبارها موضة جديدة؛ بل تعود إلى أربعينات القرن الماضي، وتتسلل إلى الموضة على مدار سنوات؛ لكنها راجت أكثر خلال العامين الأخيرين».
وأرجعت نورهان هذا الرواج إلى كون «الشيرلينغ» خامة دافئة، وفي الوقت نفسه تأتي الآن بتصاميم عصرية مناسبة للإطلالات اليومية، فضلاً عن أنها ليست باهظة الثمن مقارنة بالفراء الطبيعي أو حتى الجلد الطبيعي.
- تاريخ يعود إلى العصر الحجري
قَطع فراء الأغنام شوطاً طويلاً قبل الوصول إلى شعبيته ضمن الأزياء، وصعوده ممشى العروض كخيار أنيق. لفهم الرحلة التاريخية لهذه الخامة علينا أن نعود إلى العصر الحجري، حين بدأ الإنسان يستعمل الجلود وفراء الغنم للاحتماء من عوامل الطقس القاسية.
خلال العصر الحديدي، 1200 عام قبل الميلاد (تقريباً)، كان فراء الغنم علامة على الوضع الاجتماعي، وكلما كانت الجودة أفضل عكس ذلك زيادة الجاه والرفعة الاجتماعية.
وظل فراء الغنم يتطور ويرتبط بالأزياء وباستخدامات نفعية أخرى. مثلاً في أوراسيا استخدم كبطانة للقبعات، ليس بدافع وظيفي فحسب؛ بل أيضاً للتميز والأناقة.
أما البداية الحقيقية لاستخدام فراء الغنم في تصميم الأزياء، فكانت في العصر الفيكتوري؛ حيث ظهرت لأول مرة معاطف «الشيرلينغ» بتصاميم قريبة مما هي عليه اليوم. فقد أصبح حينها خامة مهمة تحمي من البرد القارس.
وفي أربعينات القرن الماضي، ارتدى الطيارون الأميركيون سترات منفوخة ومبطنة بفراء الغنم، مع ياقات وأكمام من الفراء نفسه. تحولت شعبية «الشيرلينغ» من الاستخدامات النفعية إلى نمط عصري، حين تسللت إلى الموضة على يد نجوم هوليوود من الرجال، منهم الممثل مارلون براندو الذي ظهر في عام 1954 بجاكيت مزدان بفراء الأغنام، وبعده الممثل جيمس دين عام 1956 بمعطف من النمط نفسه.
لم تختف موضة فراء الأغنام خلال الحقب المتتالية؛ لكنه ظل محتكراً من قبل الرجال، حتى صعد بنمط جديد من خلال أحذية «Ugg» المبطنة من الداخل بفراء الغنم، لتبدأ هذه الخامة غزوها للأزياء النسائية. ظلت موضة «الشيرلينغ» بارزة لسنوات بفضل اكتساح هذا الحذاء، وبداية من 2010 «بدأ كثير من المتسوقين الابتعاد عن دعم أحذية «Ugg» نظراً لمعالجتها المشكوك فيها للأغنام»، وذلك بحسب ما ورد في تقرير لمجلة «فوربس» العام الماضي.
لم يختف فراء الغنم من ساحة الموضة، إلا أنه شهد صعوداً وهبوطاً حسب ما يقدمه المصممون كل موسم. مثلاً استخدمته دار الأزياء «بيربري» في الخمس السنوات السابقة لتقديم معاطف وسترات مكتنزة تناسب الشتاء، كذلك دور بارزة مثل «برادا»، و«كوتش»، و«بوتيغا فينيتا»، وغيرها، كانت تقدم «الشيرلينغ» لكن بشكل محدود.
- بديل أخلاقي للفراء
عاد فراء الأغنام للصعود مرة أخرى عام 2018، كبديل للفراء الصناعي. وأرجع البعض هذه الخطوة إلى قرار عدد من دور الأزياء الراقية، مثل «بيربري»، و«غوتشي»، و«فيرساتشي»، و«ميزون مارجيلا»، و«شانيل»، ومؤخراً المصممة ديان فون فورستنبرغ، التوقف عن استعمال الفراء الطبيعي من منظور أخلاقي وبيئي. في الوقت نفسه، اتخذت أزياء فراء الغنم اتجاها تصاعدياً، وما زال واعداً لتقديم مزيد من الخيارات، لا سيما أنه مزيج من جلد الغنم الطبيعي والفراء المصنَّع، وما زال المصنِّعون والمصممون يجتهدون لإيجاد طرق تحقق مزيداً من معايير الموضة الأخلاقية، بإيجاد خيارات بديلة لطُرق نزع فراء الغنم.
من جانبها ترى نورهان حسام أن «الشيرلينغ» ليس بديلاً للفراء، وتشرح أن «الفراء يحمل كثيراً من الترف والفخامة، أما فراء الأغنام فهو قطعة عملية تحقق الدفء بأسلوب عصري وشبابي». وتضيف: «صحيح أن الصيحتين بارزتان؛ لكن هذا لا يعني أنه يمكن استبدال الفراء الطبيعي بقطعة من (الشيرلينغ)».
وعموماً، فإن التصاميم التي تقدم فراء الغنم كبطانة داخلية، تجمع الوظيفية بالأناقة عندما تكون في جاكيت فاخر من الجلد أو الشمواه مثلاً، وتكون أكثر أناقة من القطع المصممة بالكامل من فراء الغنم.