«كتائب حزب الله» العراقية تبحث خيارات الرد على أميركا

«الحرس» الإيراني أكد أن من حقها «الثأر»... والسيستاني انتقد «الممارسات غير القانونية لبعض الأطراف»

مقاتلون من «كتائب حزب الله» يعاينون أمس الدمار الذي خلّفه قصف أميركي لأحد مقراتهم في القائم غرب العراق (أ.ب)
مقاتلون من «كتائب حزب الله» يعاينون أمس الدمار الذي خلّفه قصف أميركي لأحد مقراتهم في القائم غرب العراق (أ.ب)
TT

«كتائب حزب الله» العراقية تبحث خيارات الرد على أميركا

مقاتلون من «كتائب حزب الله» يعاينون أمس الدمار الذي خلّفه قصف أميركي لأحد مقراتهم في القائم غرب العراق (أ.ب)
مقاتلون من «كتائب حزب الله» يعاينون أمس الدمار الذي خلّفه قصف أميركي لأحد مقراتهم في القائم غرب العراق (أ.ب)

في وقت أعلنت فيه «كتائب حزب الله» في العراق أنها في حالة استنفار لدراسة الخيارات المتاحة أمامها للرد على القصف الأميركي لمقراتها في العراق وسوريا، فشل البرلمان العراقي في عقد جلسة للرد على هذا القصف.
«الكتائب»، في بيان لها، أعلنت أن الرد على القصف الأميركي بانتظار الأوامر، في وقت بادر فيه عدد من أعضاء البرلمان العراقي من كتل شيعية مقربة من «الحشد الشعبي» إلى جمع تواقيع لإدراج طلب إخراج القوات الأميركية من العراق في تشريع يصدره البرلمان. لكنه ورغم الإدانات من كتل سياسية مختلفة، فإن البرلمان العراقي فشل في عقد جلسة كاملة النصاب أمس بحيث تحولت جلسته إلى تداولية فقط وهي ليست جلسة رسمية.
والأهم من موقف البرلمان هو ما صدر عن المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني الذي نادراً ما يعبر عن مواقف تفصيلية خارج خطب الجمعة. ففي بيان له؛ أدان المرجع «الاعتداء الآثم الذي استهدف جمعاً من المقاتلين المنضوين في القوات العراقية الرسمية وأدّى إلى استشهاد وجرح عدد كبير منهم»، وفي الوقت نفسه الذي حدد فيه ثوابت أمام كل الأطراف في كيفية التعامل مع هذا التطور؛ حيث شدد السيستاني على «ضرورة احترام السيادة العراقية وعدم خرقها بذريعة الردّ على ممارسات غير قانونية تقوم بها بعض الأطراف»، فإنه عدّ أن «السلطات الرسمية العراقية هي وحدها المعنية بالتعامل مع تلك الممارسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنعها». كما دعا السيستاني إلى «العمل على عدم جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية وتدخل الآخرين في شؤونه الداخلية».
وإذا كان السيستاني يحذر من تحويل العراق ساحة لتصفية الحسابات، فإن «الحرس الثوري» الإيراني له رأي آخر؛ إذ أكد في بيان أمس أن «الثأر والرد على الجريمة حق طبيعي للشعب والقوى المدافعة عن العراق». ووصف البيان، الذي نشره موقع «سباه نيوز»، الهجوم على مقار «كتائب حزب الله» بأنه «إرهابي» و«اعتداء». وخاطب البيان المرجعية والشعب العراقي وعموم العراقيين خصوصاً فصائل «الحشد الشعبي» العراقي بأن «إخراج الإرهابيين المحتلين الأميركيين يضمن الاستقرار والأمن في هذا البلد»، مشيراً إلى أن «(الحشد الشعبي) يحتفظ بحق الثأر والرد على الجريمة الأميركية الكبيرة».
الرئيس العراقي برهم صالح كان له موقف قريب من موقف السيستاني؛ إذ أدان هو أيضاً القصف ووصفه بأنه «انتهاك لسيادة العراق»، لكنه شدد أيضاً على وجوب «تأمين حماية البعثات والسفارات، والقواعد العسكرية العراقية والقوات الدولية المساندة لجهود العراق في مواجهة الإرهاب» وعلى «ضرورة تجنيب العراق تبعات الصراعات الإقليمية والدولية».
وبالعودة إلى الدعوات لإخراج الأميركيين من العراق الذي كان معولاً عليه في جلسة البرلمان أمس، فإن عدم انعقاد الجلسة يعكس الانقسام الحاد داخل المشهد العراقي سواء لجهة الوجود الأميركي في العراق وطبيعة هذا الوجود، أو لجهة الموقف من بعض الفصائل المسلحة التي تجاهر بالعداء للولايات المتحدة الأميركية لصالح إيران كما تعلن موالاتها لإيران من منطلق عقائدي؛ وفي مقدمة هذه الفصائل «كتائب حزب الله» التي هي النسخة العراقية من «حزب الله» اللبناني. ورغم عدم مشاركتها المعلنة في الحياة السياسية العراقية؛ حيث لم تشارك في الانتخابات النيابية العراقية مثل فصائل أخرى ومنها «بدر» بزعامة هادي العامري أو «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وبالتالي لم تحصل على وزارات، فإنه يشار دائماً إلى دور غامض يلعبه مسؤول الملف العراقي في «حزب الله» محمد كوثراني على صعيد تشكيل الحكومات العراقية المختلفة.
و«الكتائب» من حيث الهيكلية التنظيمية، تعد أحد أبرز الفصائل المسلحة العراقية ذات الولاء الواضح لإيران وذلك عبر الارتباط العقائدي بولاية الفقيه الإيرانية وهو ما يسمح لها بالحصول على التمويل والتدريب والتسليح.
وبعض ألوية «الكتائب» منضوية في «هيئة الحشد الشعبي» وتوجد عند الحدود العراقية - السورية وهو ما جعلها في مواجهة مباشرة مع الإسرائيليين، تارة، والأميركيين، تارة أخرى. ففي الصيف الماضي كانت معسكراتها واحدة من الأهداف الرئيسية للطائرات المسيرة التي استهدفت تلك المعسكرات. ومع أن الحكومة العراقية لم تعلن حتى الآن نتائج التحقيقات في الاستهداف المتكرر لمعسكرات «الحشد»، فإن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي كان لمح إلى أن إسرائيل هي من تقف خلف ذلك. إسرائيل كانت قد ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين استهدفت أحد قياديي الكتائب واسمه أبو علي الدبي في مدينة القائم عند الحدود العراقية - السورية بطائرة مسيرة وأردته قتيلاً.
لكن القصف الذي وقع أول من أمس واستهدف «اللواء 45» من «الحشد»، التابع لـ«الكتائب» تبنته الولايات المتحدة رداً على قيام «الكتائب» بقصف قاعدة «كيه1» الجمعة الماضي. غير أن الكتائب لم تعلن عن استهدافها القاعدة التي يوجد فيها الجنود الأميركيون حيث أدى الحادث إلى مقتل متعاقد أميركي.
هذه الحالة تشبه الحالات الكثيرة التي يجري فيها توجيه الصواريخ أو قذائف الهاون التي تستهدف إما محيط السفارة الأميركية بالمنطقة الخضراء في بغداد، أو أماكن أو معسكرات يوجد فيها أميركيون؛ حيث كثيراً ما يجري تقييد الحادثة ضد مجهول أو حتى توجيه أصابع الاتهام لتنظيم «داعش» الذي لم يثبت على وجه قاطع أن لديه قواعد صواريخ في بغداد بما في ذلك بالقرب من أحياء غالبية سكانها من الشيعة وهو أمر مستبعد لاختلاف البعد العقائدي وكون البيئة طاردة للتنظيم.
الآن وبعد الاستهداف المباشر من قبل الأميركيين لأحد المعسكرات التابعة لـ«الكتائب»، فإن المواجهة باتت على المكشوف بين الطرفين، خصوصاً أن الهدف المعلن للتنظيم المرتبط بإيران هو إخراج الأميركيين من العراق. وباستثناء هذا المعلن؛ فإن عملهم يتسم بالغموض والسرية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.