برنامج سعودي للابتعاث الخارجي في مجالات الثقافة

مستشار وزير الثقافة: دفعنا لذلك نقص وجود معاهد عليا متخصصة

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان
TT

برنامج سعودي للابتعاث الخارجي في مجالات الثقافة

الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان
الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان

تدخل الثقافة السعودية مرحلة جديدة، بعد إعلان وزير الثقافة، أمس، إطلاق أول برنامج للابتعاث الثقافي، في مجالات: علم الآثار، والتصميم، والمتاحف، والموسيقى، والمسرح، وصناعة الأفلام، والآداب والفنون البصرية، وفنون الطهي.
ومن المتوقع أن تسهم الخطوة الثقافية في تطوير وتجديد الحراك الثقافي وإيجاد مبدعين سعوديين متخصصين، كلٌ في مجاله.
ويؤكد سلطان البازعي، مستشار وزارة الثقافة، أن كل قطاعات الثقافة ينقصها وجود معاهد عليا لتدريس هذه التخصصات، قائلاً: «الحاجة الآن إلى مثل هذه التخصصات تزداد، مع الاهتمام بالثقافة كنمط حياة حسب (رؤية المملكة 2030)». مبيناً أنه حين أعلنت استراتيجية وزارة الثقافة كان التعليم جزءاً أساسياً من هذا الاهتمام، ضمن استراتيجية الوزارة.
وأفاد البازعي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن ذلك يتمثل في تأسيس الأكاديميات للفنون التي أعلن عنها وزير الثقافة، موضحاً أنه الآن تظل الحاجة قائمة إلى أعداد كبيرة لتغطية الاحتياجات في كل قطاعات الثقافة الـ16، التي سبق أن أعلنت الوزارة اهتمامها بها، وبسبب ذلك جاء هذا الإعلان، بحسب البازعي، مشيراً إلى التفاهم الذي تم بين وزارة الثقافة ووزارة التعليم، وإعلان البرنامج لينطلق مع بداية العام المقبل 2020. وبسؤال البازعي عن العدد المتوقع أن تضمه الدفعة الأولى لبرنامج الابتعاث الثقافي، يجيب: «التركيز على الجودة وعلى تأهيل المتقدمين للبرنامج؛ لأن الأساس في مسار الثقافة يعتمد على درجة كبيرة على الاستعداد الشخصي لدى المتقدم».
كما أكد أن دراسة الفنون تتطلب وجود الموهبة، وليست كأي علم آخر يُدرس، قائلاً: «لا بد من الاستعداد الذاتي لدى المتقدم أو المتقدمة»، مشيراً إلى أن الانتقاء سيكون على أساس الجودة؛ لضمان أفضل المخرجات لبرنامج الابتعاث الثقافي.
وسيبدأ فتح باب التسجيل في برنامج الابتعاث الثقافي في 19 يناير (كانون الثاني) المقبل، وفق 3 مسارات رئيسية؛ الأول يشمل الطلاب والطالبات السعوديين الدارسين حالياً على حسابهم الخاص في الخارج في تخصصات ثقافية وفنية، حيث سيُضمون إلى برنامج الابتعاث الثقافي وفق لوائح البرنامج وآلياته.
في حين يشمل المسار الثاني من تقدموا مسبقاً بطلبات ابتعاث لدراسة الثقافة والفنون ولديهم قبول من الجامعات المعتمدة، وسيُبتعثون في عام 2020 فور استكمالهم متطلبات وشروط البرنامج، أما المسار الثالث، فيشمل الطلاب والطالبات الراغبين في تقديم طلبات جديدة للانضمام إلى برنامج الابتعاث الثقافي لبدء الدراسة عام 2021. وستخصص وزارة الثقافة منصة إلكترونية شاملة، لاستقبال طلبات الانضمام إلى برنامج الابتعاث الثقافي في بداية عام 2020.
وأكد الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان وزير الثقافة السعودي، أمس، أن التعليم الركيزة الأساسية التي سيبنى عليها القطاع الثقافي الذي تتطلع له المملكة؛ كون التركيز على النشء أساس أي مشروع تطويري للقطاع الثقافي والفني، منوهاً بالدعم الكبير الذي يجده القطاع الثقافي في المملكة من رعاية ودعم غير محدودين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع؛ إيماناً بأهمية هذا القطاع في تحسين جودة الحياة وتمكين المواهب الوطنية وخلق فرص الحوار وتعزيز تبادل الخبرات مع العالم.
وقال وزير الثقافة، إن «برنامج الابتعاث الثقافي هو المرحلة الأولى من مشروع تعليمي متكامل يبدأ من التعليم العام ولا يتوقف عند التعليم الجامعي، ويستهدف تطوير الثقافة السعودية وفق منظور شامل يضع التعليم أساساً لصناعة وتطوير الكوادر الوطنية المتخصصة في المجالات الثقافية والفنية وتأهيلهم وتدريبهم لتطوير بناء القدرات في القطاع الثقافي السعودي، وتلبية احتياجات سوق العمل المتزايدة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».