2019... سنة هزيمة «داعش»

خسر فيها التنظيم ما بقي من «دولته»... وفقد «رأسه»

ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

2019... سنة هزيمة «داعش»

ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)
ضابطا تحليل جنائي يقومان بتحقيقات قرب جسر «لندن بريدج» في العاصمة البريطانية حيث الحادث الإرهابي بقتل شخصين طعناً بالسكين في نوفمبر 2019 (أ.ف.ب)

كانت سنة 2019، بامتياز، سنة هزيمة تنظيم داعش. ففيها خسر هذا التنظيم المتطرف آخر معقل له في بلدة الباغوز بريف دير الزور، شرق سوريا، وفيها أيضاً فقد التنظيم «رأسه»، ورمزه؛ أبو بكر البغدادي، بعملية كوماندوس أميركية في قرية بريشة بريف إدلب، شمال غربي سوريا. مثّل الحدثان، وبينهما شهور قليلة فقط، أبرز دليل على أن التنظيم الذي سيطر في أوج قوته على مساحة تعادل حجم بريطانيا أقام عليها «دولة» تمتد من العراق إلى سوريا، انتهى كلياً أو أنه يوشك على ذلك.
ولكن هل أصبح «داعش» فعلاً شيئاً من الماضي، لا يُذكر سوى بمذابحه وبأنهار الدم التي سفكها، تماماً كما يُذكر اليوم الخمير الحمر وزعيمهم بول بوت في كمبوديا في سبعينات القرن الماضي (1975 - 1979)؟

شكّل يوم 23 مارس (آذار) من هذه السنة يوماً أساسياً في تاريخ «داعش». ففيه انتهى التنظيم «جغرافياً»، بحسب التعبير المستخدم غربياً الذي يؤرخ للنهاية الفعلية لـ«دولة الخلافة» المزعومة التي لم يبقَ منها سوى اسم يشير إلى «دولة» لم يعد لها وجود على الأرض.
قاتل التنظيم حتى الرمق الأخير في الباغوز، تلك البلدة الصغيرة على ضفاف نهر الفرات. احتمى مقاتلوه وأفراد عوائلهم في كهوف ومغاور صخرية، بجانب مخيّم كبير ضم نازحين من مناطق مختلفة. لجأوا إلى هناك بعدما طُردوا من كل معاقلهم السابقة في سوريا، مثل منبج غرب الفرات بشمال سوريا، والرقة، شرق النهر، نزولاً عبر البلدات الممتدة على جانبي حوض الفرات بريف دير الزور والتي كانت لوقت طويل قاعدة أساسية للتنظيم. في نهاية المطاف، لجأ إلى الباغوز مئات المقاتلين الذين رفضوا رفع الراية البيضاء أمام تقدّم «قوات سوريا الديمقراطية»، وهي تحالف كردي - عربي قاد الحملة ضد «داعش» بدعم جوي وبري من قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. في الباغوز قاتل «الدواعش» حتى نفدت ذخيرتهم. عندها فقط خرجوا من مغاورهم مستسلمين.
كان بين مقاتلي الباغوز، بلا شك، بعض أشد الغلاة في «داعش». فقد أصر هؤلاء على ولائهم للتنظيم حتى بعد أن انهارت دولته المزعومة، وتمسكوا بالقتال تحت رايته على رغم الفظاعات التي ارتكبها خلال سنوات حكمه لمناطق واسعة في سوريا والعراق بين عامي 2014 و2019.
ومع انجلاء غبار المعركة تبيّن أن زعيم «داعش»، البغدادي، لم يكن بين مقاتليه الأسرى. هل فر خلال المعركة، أم قبلها أو حتى بعدها؟ التحقيقات التي خضع لها بلا شك عناصر «داعش» في الباغوز ربما كشفت للمحققين، سواء من أكراد «سوريا الديمقراطية» أو من قوات التحالف الدولي: هل كان البغدادي فعلاً مع مقاتليه قبل سقوط الباغوز؟ في أي حال، لم يدُم غياب زعيم «داعش» طويلاً. فقد كان مضطراً أن يخاطب مؤيديه ويطمئنهم إلى أن المعركة مستمرة، حتى ولو لم يعد لدولتهم أي وجود ملموس على الأرض.

البغدادي ـ بن لادن
وهكذا، في 29 أبريل (نيسان)، وعبر شريط فيديو نادر، ظهر البغدادي مفترشاً الأرض وبجانبه رشاش، ومحاطاً بمجموعة من قادته وهم يعرضون عليه ملفات يحمل كل منها اسم «ولاية» من الولايات التي بايعت «داعش»... من تركيا، إلى اليمن وليبيا، مروراً بالقوقاز والصومال وخراسان وغيرها من «الولايات» التي أراد البغدادي أن يُظهرها ليؤكد أن «دولته» لم تنتهِ، بل هي «باقية وتتمدد»، بحسب الشعار الذي دأب «داعش» على تكراره.
أعاد هذا المشهد، في الواقع، التذكير بسلسلة أحداث حصلت قبل قرابة عقدين من الزمن، ولكن في مكان آخر ومع تنظيم مختلف خرج «داعش» من رحمه. ففي ديسمبر (كانون الأول) 2001، كان تنظيم «القاعدة» يلفظ أنفاسه الأخيرة، أو هكذا ساد الاعتقاد آنذاك. استسلم مقاتلوه أمام القوات الخاصة الأميركية وقوات أفغانية في جبال تورا بورا، شرق أفغانستان. قاتلوا حتى الرمق الأخير أيضاً. ظهروا أمام مغاورهم المحفورة في الصخور وغبار القصف الأميركي يغطيهم. كان زعيمهم أسامة بن لادن بينهم، لكنه نجح في الفرار أمام تقدم القوات الخاصة الأميركية واختفى في مناطق الحدود الأفغانية - الباكستانية. لم يظهر سوى عبر أشرطة فيديو. كان يفترش الأرض وبجانبه رشاشه، متحدثاً عن توسع «القاعدة» بدل انحسارها. كانت جماعته تتوسع فعلاً من خلال جماعات تبايعها وتفتتح فروعاً باسمها في مناطق مختلفة حول العالم. وهكذا ظهرت «القاعدة» عبر «وكلاء معتمدين»، مثل «بلاد الرافدين» (أبو مصعب الزرقاوي) و«المغرب الإسلامي» (أبو مصعب عبد الودود) و«جزيرة العرب» (ناصر الوحيشي)، بالإضافة إلى فروع أخرى أصغر وأقل نفوذاً.
ظل بن لادن يقض مضاجع الأميركيين لسنوات عبر أشرطته المصوّرة والمسموعة، إلى أن تمكنوا من الوصول إليه في مخبئه بأبوت آباد الباكستانية حيث قتله فريق كوماندوس أميركي في الأول من مايو (أيار) 2011، ورموا بجثته في البحر.
بدا البغدادي، من خلال شريطه المصوّر ومن خلال شريط سمعي آخر وُزّع في 16 سبتمبر (أيلول)، كأنه يحاول تكرار تجربة أسامة بن لادن، من خلال إثبات أن «دولة» تنظيمه «باقية وتتمدد»، رغم هزيمتها في سوريا والعراق، وذلك من خلال فروع «داعش» المختلفة حول العالم، أو من خلال «جنوده» الذين ينفذون هجمات، بأي «سلاح» يمكنهم أن يحوزوا عليه، سواء كان ذلك سكين مطبخ أو شاحنة، وذلك ضمن إطار ما بات يُعرف بعمليات «الذئاب المنفردة». لكن زعيم «داعش» لم تُتَح له فرصة الوقت الطويل التي أتيحت لزعيم «القاعدة». ففي حين لم يتمكن الأميركيون من الوصول إلى بن لادن سوى بعد 10 سنوات من فراره من تورا بورا، فإنهم احتاجوا هذه المرة إلى بضعة شهور فقط للوصول إلى البغدادي بعد انتهاء معركة الباغوز.
في 26 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أنزلت طائرات مروحية جنوداً من القوات الخاصة الأميركية (قوات دلتا) في قرية بريشة بريف إدلب، على بعد كيلومترات معدودة من الحدود التركية. وكما حصل في أبوت آباد، تمكن الجنود الأميركيون بسرعة من الوصول إلى البغدادي الذي فر، بحسب ما تقول الرواية الأميركية الرسمية، في نفق محفور أسفل مخبئه. لاحقه كلب مدرّب داخل النفق، فما كان منه سوى أن فجّر نفسه (مع اثنين من أطفاله). انتشل الأميركيون أشلاءه ودفنوها في البحر، ثم قصفوا المنزل ومحوه من الخريطة. تزامن إنهاء الأميركيين «أسطورة البغدادي» مع نجاحهم في قتل مساعده الأبرز الناطق باسم تنظيمه «أبو حسن المهاجر» (بريف حلب الشمالي)، ومع إعلان تركيا أنها اعتقلت أفراداً من أسرته في مناطق تقع تحت نفوذها في سوريا وحتى داخل تركيا نفسها.
بعد أيام من مقتل البغدادي، سمّى «داعش» زعيماً جديداً له تحت اسم «أبو إبراهيم الهاشمي القرشي»، في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2019. قد يكون من المبكر الآن الحكم على «أبو إبراهيم»، نجاحاً أو فشلاً، كونه لم يتولَّ قيادة «داعش» سوى قبل أسابيع، علماً بأنه ورث تنظيماً منهكاً لم يعد له وجود ملموس سوى في مناطق نائية موزعة على أنقاض «الدولة» التي أقام عليها «خلافته» المزعومة عام 2014، في كل من العراق وسوريا.
تمرد منخفض الوتيرة

يقول العقيد مايلز كاغينز، الناطق باسم قوات التحالف لهزيمة «داعش»، إن وجود هذا التنظيم بات اليوم محصوراً في مناطق جبلية أو صحراوية نائية في كل من العراق وسوريا. ويوضح في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن تقديرات التحالف تضع عناصر «داعش» حالياً بحدود «بضعة آلاف» يتوزعون بين سوريا والعراق، وينتشرون على وجه الخصوص في «سلسلة كهوف ومغاور» بمناطق جبلية نائية أو صحراوية. ويشرح أن هؤلاء يقومون حالياً بعمليات ضمن ما يُطلق عليه وصف «التمرد منخفض الوتيرة» (low level insurgency) وذلك عبر قوس يمتد من غرب العراق عبر صحراء الأنبار إلى الأطراف الجنوبية لمحافظة نينوى بشمال البلاد، مروراً بمناطق جبلية متفرقة في محافظات مثل صلاح الدين وديالى. ويلفت إلى أن للتنظيم أيضاً وجوداً في مناطق تقع مباشرة إلى الشمال من العاصمة بغداد، مثل سامراء (التي يتحدر منها زعيم «داعش» السابق أبو بكر البغدادي). أما في سوريا، فيشير العقيد كاغينز إلى أن «داعش» ما زال منتشراً في البادية السورية مترامية الأطراف، من جنوب البلاد إلى شرقها.
وفي تقدير الناطق باسم التحالف، فإن «التمرد منخفض الوتيرة» لا يشكّل تهديداً يمكن مقارنته بذلك الذي مثّله التنظيم لدى صعوده الصاروخي في أواخر عام 2013 ومنتصف عام 2014، عندما تساقطت المدن السورية والعراقية في أيديه كأوراق الخريف، بدءاً بالرقة وانتهاء بالموصل، وكلتاهما تحوّلت لاحقاً إلى عاصمة فعلية لـ«الدولة» التي أقامها «داعش». ويقول كاغينز، في هذا الإطار، إن عمليات «داعش» حالياً تقوم أساساً على شن هجمات بأعداد صغيرة، أو القيام باغتيالات لمسؤولين محليين أو عناصر من قوات الأمن، أو زرع عبوات ناسفة، أو فرض إتاوات على السكان، ومحاولة ترهيبهم. ويضيف أن التنظيم لم يعد يملك الآليات العسكرية التي وقعت في أيديه في عام 2014 وساعدته في إلحاق الهزيمة بالقوات العراقية. ويلفت أيضاً إلى أن القوات الأمنية العراقية التي أعيد بناؤها بعد انهيارها في الموصل وتكريت عام 2014، باتت أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق، كما أنها باتت اليوم «تأخذ زمام المبادرة» في ملاحقة خلايا «داعش» في أنحاء العراق. كما أن «قوات سوريا الديمقراطية» (100 ألف مقاتل تقريباً) باتت هي الأخرى قوة يُحسب لها الحساب بعد الدعم الذي تلقته على مدى السنوات الماضية من التحالف الدولي، وكذلك نتيجة خبرتها الميدانية في الحرب ضد التنظيم (تكبد هذا التحالف العربي - الكردي قرابة 10 آلاف قتيل ضد «داعش»).

نسخة ثانية من «داعش»
وفي مقابل الثقة التي يبديها العقيد كاغينز، ثمة مخاوف لا يمكن تجاهلها من عودة «داعش» بنسخة جديدة نتيجة الأوضاع المستجدة في سوريا والعراق. ففي الأولى، أدى تدخل عسكري تركي إلى طرد «قوات سوريا الديمقراطية» من شريط حدودي يمتد من رأس العين إلى تل أبيض في شمال شرقي البلاد، وإلى عودة القوات النظامية السورية إلى أجزاء واسعة من أرياف الحسكة والرقة وحلب للحلول محل «قوات سوريا الديمقراطية». وأدى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في أكتوبر (تشرين الأول)، نيته سحب القوات الأميركية من سوريا وعدم تدخله لمنع القوات التركية من التدخل عسكرياً لإقامة ما تصفه أنقرة بـ«المنطقة الآمنة» في شمال شرقي سوريا، إلى زعزعة ثقة الأكراد السوريين بحلفائهم الأميركيين. وتراجع ترمب لاحقاً، كما يبدو، بإعلان إبقاء قوات أميركية لحماية آبار النفط في شرق سوريا ومنع وقوعها في أيدي «داعش» أو قوات حكومة دمشق. أما في العراق، فتبدو الصورة أيضاً ملبدة، في ظل احتجاجات شعبية دامية ضد الحكومة العراقية، وفي ظل توتر على الأرض بين القوات الأميركية وميليشيات متحالفة مع إيران تلجأ بين الحين والآخر إلى توجيه «رسائل صاروخية» إلى قواعد عسكرية عراقية ينتشر فيها الأميركيون.
لكن العقيد كاغينز يقلل من خطورة هذه الصورة. إذ يلفت إلى أن الاحتجاجات الشعبية في العراق لا تشمل المناطق التي تنتشر فيها القواعد الأميركية كونها تتركز أساساً في الجنوب (بالإضافة إلى بغداد بالطبع). ويشير إلى أن الصواريخ التي تُطلق على قواعد انتشار التحالف تؤثر سلباً على دوره، بمعنى أنها تدفعه إلى التركيز على حماية عناصره بدل التركيز أكثر على التنسيق مع القوات العراقية في ملاحقة عناصر «داعش». أما في سوريا، فيقول العقيد الأميركي إن قوات التحالف تنتشر إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية» حول آبار النفط في شرق البلاد، كما أنها تنتشر في قاعدة التنف التي وصفها بأنها «استراتيجية» في عمق البادية السورية، إلى جانب فصيل «مغاوير الثورة» المعارض للنظام.

فروع «داعش»
وإذا كانت الصورة التي يقدمها التحالف صحيحة، فإن «داعش» لا يبدو في وضع يسمح له بتشكيل تهديد جدي في سوريا أو العراق. والظاهر أن انكماش التنظيم ليس ظاهرة محصورة في هذين البلدين، بل يشمل أيضاً فروعه حول العالم. ففي اليمن، حيث حاول «داعش» أن يوسع نفوذه مستغلاً الفوضى التي يعيشها هذا البلاد، نجحت قوة سعودية خاصة، بالتعاون مع قوات يمنية، في اعتقال رأس التنظيم «أبو أسامة المهاجر» خلال عملية ضد مخبئه في يونيو (حزيران) الماضي. ومنذ ذلك الوقت، شهد نشاط «داعش اليمن» انحساراً ملحوظاً، لكنه لم ينتهِ بالطبع. أما في خراسان التي راهن «داعش» على جعلها قاعدة أساسية له، فقد ظهرت مؤشرات إلى تراجع كبير لنشاطه فيها، وتحديداً أفغانستان، مع نهايات سنة 2019. ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أعلنت الحكومة الأفغانية أن فرع «داعش» الأفغاني «هُزم في ننغرهار» معقل التنظيم الأساسي بشرق البلاد. وتنسحب هذه الصورة بدورها على وضع فروع «داعشية» أخرى حول العالم. ففي ليبيا، تعرض «داعش» لسلسلة ضربات جوية شنتها طائرات أميركية على مخابئه في جنوب البلاد، حيث انكفأ منذ طرده من معقله الأساسي في سرت الساحلية عام 2016. وفي سيناء المصرية، تراجع نشاط فرع «داعش» المحلي تراجعاً كبيراً في ضوء عملية واسعة شنتها قوات الأمن المصرية منذ أكثر من سنة، وأدت إلى مقتل مئات من عناصر التنظيم وطرده من معاقله الأساسية. ولا يعني هذا التراجع في نشاط فروع «داعش» أن خطرها قد انتهى، علماً بأنها جميعها قد بايعت مجدداً خليفة البغدادي، أبو إبراهيم، بل إن بعضها أظهر إصراراً على رفع وتيرة عملياته، كما ظهر من خلال هجمات فرع «داعش» في منطقة الساحل الأفريقي، ومن خلال هجمات «الذئاب المنفردة» لمناصري التنظيم حول العالم التي شهدت بدورها تصعيداً لافتاً بدا كأنه رد على مقتل البغدادي.
ومع انتهاء سنة وبداية أخرى، سيظل «داعش» بلا شك يمثل تهديداً عالمياً، رغم «اختفاء دولته» في سوريا والعراق، وانحسار نشاط فروعه حول العالم. هل يموت «داعش» بموت أبو بكر البغدادي، أم يعيد أبو إبراهيم القرشي إحياءه؟ ستظهر ملامح هذا الجواب على الأرجح خلال 2020. وهي على الأبواب.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.