تاريخ {التصميم الصناعي}... تطور الرؤية الفنية من الحقبة السوفياتية وحتى اليوم

الطابع «العسكري» يهيمن على جزء كبير من تصاميم المعدات والأدوات للاستخدامات المدنية

جانب من معرض {التصميم الصناعي}
جانب من معرض {التصميم الصناعي}
TT

تاريخ {التصميم الصناعي}... تطور الرؤية الفنية من الحقبة السوفياتية وحتى اليوم

جانب من معرض {التصميم الصناعي}
جانب من معرض {التصميم الصناعي}

نظم «متحف التصميم» الروسي معرضا فريدا من نوعه، لا يتناول، كما جرت العادة، عروضا للأزياء، أو تاريخ الموضة، وإنما اختار موضوعا له تاريخ «التصميم الصناعي» في روسيا منذ الحقبة السوفياتية وحتى اليوم. وبينما يبقى تصميم الأزياء خاضعا لمزاجية المصمم ورؤيته الفنية للتوجهات الرئيسية خلال هذا الموسم أو ذاك، يكشف معرض التصميم الصناعي عن تأثير كبير لنهج سياسة الدولة السوفياتية ومن ثم الروسية في صياغة الخطوط الرئيسية للتصميم الصناعي، في تصميم التلفاز على سبيل المثال، أو السيارات، وحتى السماور وغيره من معدات وأدوات.
في الصالة الغربية من معرض «تريتياكوفسكايا» الشهير انتشرت مجموعة كبيرة من المعدات والآليات المتنوعة، التي أنتجها المجمع الصناعي السوفياتي ومن ثم الروسي، وتروي كل واحدة منها مرحلة من مراحل تطور الرؤية الفنية في التصميم الصناعي الروسي، والعوامل التي تأثر بها، من خلال حكايات متناقلة حول الظروف التي أدت إلى ظهور هذا المنتج أو ذاك وفق تصميم فني محدد. تقول أليكساندرا سانكوفا، مديرة متحف موسكو للتصميم إن «هذا أول معرض للتصميم الصناعي، يجيب على سؤال حول ظهور معداتنا بهذا الشكل، ولماذا كانت سيارات الأطفال تشبه في الواقع الدبابات الصغيرة»، ورأت أن المعرض بشكل عام يروي حكاية الطريق الخاص للتنمية في روسيا.
يتناول المعرض التصميم الصناعي منذ 1940 وحتى عام 2020، وهو مقسم إلى مساحات حسب «نوع الصناعات»؛ حيث يعرض قسم تطور التصميم في الصناعات الفضائية، وآخر في الصناعات الثقيلة، وثالث في صناعة الراديو والتلفاز، فضلا عن قسم يعرض تطور التصميم في صناعة المعدات المنزلية. ويلاحظ الزائر خلال تجواله بين مختلف مناطق العرض هيمنة الطابع «العسكري» على جزء كبير من تصاميم المعدات والأدوات للاستخدامات المدنية. في هذا الصدد تقول سانكوفا إن «مجمل التصميم الصناعي في روسيا ارتبط تاريخيا بصناعات الدفاع؛ حيث تم استخدام معظم المنتجات الصناعية في أغراض عسكرية وفي الفضاء بداية، ومن ثم تم تحويلها أو الاستفادة من أفكارها في تصميم منتجات للحياة اليومية». من جانب آخر تأثر التصميم الصناعي بشكل واضح بـ«النزعات» التي كانت مهيمنة في الدولة والمجتمع منذ الأربعينات في القرن الماضي، منها على سبيل المثال «الهوس» بالتحليق نحو الفضاء وتحقيق إنجازات في هذا المجال.
على سبيل المثال يقف في زاوية واحد من أقسام المعرض سماور، الذي يستخدمه الروس تقليديا لإعداد الشاي. اللافت في هذا السماور أن تصميمه العام جاء على شكل قريب من تصميم صواريخ الفضاء، أما القسم الرئيسي منه الذي يجري فيه تسخين الماء، فقد جاء على شكل قمر صناعي. ويعكس هذا المثال تأثير الاهتمام الواسع بالفضاء على تصميم الأدوات المنزلية. وهناك أيضاً الكاميرا ماركة «غوريزونت» إنتاج مجمع «شفابي»، أو كاميرا «فوتو سنايبر» السوفياتية، وغيرها من ماركات لكاميرات من إنتاج الحقبة السوفياتية، كانت على شكل بندقية مع سنادة خلفية على الكتف. وفي إحدى الروايات حول ظهور الكاميرا بهذا الشكل، يُقال إن ضابطا سوفياتيا رفيع المستوى قال خلال رحلة صيد: «لماذا لا يوجد لدينا كاميرا مع سنادة على الكتف، مثل البندقية، ويمكن التقاط صور بواسطتها لمسافات بعيدة؟». بعد هذه الحادثة تم تصميم كاميرا «غوريزونت»، والتي يبدو من يستخدمها مثل صياد يحمل بندقية.
وخصص القائمون على المعرض مساحات تروي جانبا من تطور التصميم الصناعي في مجال تصميم السيارات الكهربائية. وتقف هناك سيارة أنتجها مجمع «كلاشنيكوف» عام 2019، ورغم جمالها فإن تصميم تلك السيارة يعبر عن بعض «الخشونة» و«الصلابة» وتبدو مثل سيارة «باتمان» في الفيلم الخيالي الشهير، كما تبدو مثل عربة عسكرية إلى حد ما.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».