أظهرت الحرب على أطراف العاصمة الليبية طرابلس، التي دخلت شهرها التاسع، قدراً كبيراً من التنافس الدولي، إما باتجاه إذكائها، وإما بإخماد جذوتها، في وقت يقول فيه «الجيش الوطني» إنه يطوي المسافات لـ«حسمها قريباً»، فيما بدا وكأنها خطوة لقطع الطريق أمام دخول تركيا على خط المواجهة.
في ظل هذه الأجواء يرى الليبيون أن بلادهم الغنية بالنفط، باتت ضحية صراع القوى الدولية التي تريد إعادة رسم خريطتها، على نحو يتفق مع نفوذها ومصالحها المستقبلية، وأن تلك القوى لم تتخذ منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) الماضي أي خطوة إيجابية باتجاه لجمها؛ واكتفت فقط بطرح «مواقف متناقضة».
ووسط دعوات قادة فرنسا وألمانيا وإيطاليا كافة أطراف النزاع في ليبيا لوقف القتال، ذهب صالح أفحيمة، عضو مجلس النواب، في حديثه إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن «قرار وقف الحرب ليس في يد القوى الدولية؛ بل تملكه القيادة العامة لـ(الجيش الوطني) والشعب الليبي فقط».
وقال النائب المؤيد لعمليات «الجيش الوطني»، إن القوى الدولية «لا تملك إنهاء الحرب؛ لكنها تملك في المقابل سبل وقف ضخ السلاح للميليشيات المسلحة في طرابلس»، مبرزاً أن الجيش «يستهدف إنهاء سيطرتها هناك، بهدف إعادة الاستقرار والأمن إليها». ومنذ أن دعا المشير خليفة حفتر، القائد العام، قوات الجيش، قبل أيام للتقدم نحو قلب طرابلس، استعداداً لـ«المعركة الحاسمة»، وانتزاع السيطرة على العاصمة، تباينت ردود أفعال قوى أجنبية وإقليمية، بين داعم لهذا التحرك ومعارض له، وسط تحذيرات من تحول البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، وتحصيل مكاسب اقتصادية. وعلَّقت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على تصاعد الأحداث في ليبيا، قائلة: «من الواضح في هذه المرحلة أن ليبيا باتت مكاناً لحرب بالوكالة»، ورأت أنه «لا يمكن لأي من الأطراف هناك العمل بمفرده وبقوته الخاصة».
وأمام تباين المواقف الدولية، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه لن يتخلى عن «الجيش الوطني»، من منطلق أن ليبيا «أمن قومي لمصر»، وشدد على أن «بلاده لن تسمح لأحد بالسيطرة على ليبيا»، وذلك بعد أيام من تلويح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإرسال قوات تركية إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق الوطني في طرابلس.
في سياق ذلك، قال سياسي ليبي، موالٍ لقوات «الوفاق»، إن بلاده تحولت إلى «ساحة لصراع القوى الدولية التي انتقلت من ردهات مجلس الأمن الدولي إلى محاور القتال، وباتت كل دولة تريد الانتصار لفريق من المتقاتلين لحسابات شخصية»، مضيفاً: «سمعنا أن موسكو التي كانت تدعم حفتر، تتفق مع أنقرة لدعم قوات (الوفاق)، فهل يعقل هذا؟ نحن أمام لعبة دولية بالمقام الأول، ولو تركَنا العالم لأنفسنا فقد نتمكن من حل مشكلاتنا. إنها لعنة النفط التي قضت على القذافي».
وتنتج ليبيا ما بين 1.2 مليون و1.3 مليون برميل يومياً، وهو أعلى مستوى في ست سنوات للبلد العضو بمنظمة «أوبك»، والذي يسعى جاهداً للعودة إلى طاقته الإنتاجية، قبل الانتفاضة التي أسقطت نظام معمر القذافي عام 2011؛ حيث كانت تبلغ وقتها 1.6 مليون برميل يومياً.
وتبعاً لتغير المواقف الدولية وتبدلها، فجَّر الكرملين مفاجأة، في بيان نقلته وكالة «رويترز»، مفاده أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيبحث مع نظيره التركي رجب طيب إردوغان، خطة تركية لتقديم دعم عسكري لحكومة «الوفاق»، المعترف بها دولياً، خلال محادثات مرتقبة في تركيا الشهر المقبل، وذلك في خطوة تتناقض مع دعوات دولية للعودة إلى الحل السياسي، عبر مؤتمر برلين المرتقب.
غير أن أفحيمة رأى أن الحل السياسي «لن ينجح ما دامت الميليشيات المسلحة بقيت تسيطر على جزء من العاصمة الليبية».
وكانت تركيا قد أحالت إلى برلمانها اتفاقاً ثنائياً مع حكومة طرابلس للتصديق عليه، في خطوة تعجل بإرسال مساعدات عسكرية للحكومة التي يرأسها فائز السراج؛ لكن قادة «الجيش الوطني» قللوا من أهمية أي تحريك للقوات التركية، وقالوا إنها لن تستطيع القدوم إلى ليبيا، مهددة بنسف أي قطعة بحرية تقترب من مياهها الإقليمية.
وأمام هذا التصعيد المتزايد، يتخوف الليبيون من أن الحرب التي دخلت مرحلة الاستنزاف، بحسب توصيف الناطق العسكري لـ«الجيش الوطني»، اللواء أحمد المسماري، ستتحول عما قريب إلى حرب شوارع؛ لكن ما زال هناك عدد من أهالي طرابلس يرى أن «حكومة (الوفاق) مسيطرة على مقاليد الأمور، وأن المعارك الساخنة وساعة الصفر ليست موجودة إلا في وسائل الإعلام الموالية لحفتر».
كيف تحولت ليبيا إلى «ساحة لمصالح الوكلاء الدوليين»؟
كيف تحولت ليبيا إلى «ساحة لمصالح الوكلاء الدوليين»؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة