ضمن احتفالية «مهرجان الفنون الإسلامية» التي تنظمها «دائرة الثقافة» في الشارقة وبلغت دورتها الثانية والعشرين، حيث يشارك أكثر من 100 فنان من 31 دولة، يعرض «مركز مرايا للفنون» في منطقة القصباء ثلاثة تجهيزات ضخمة، جميعها مستوحاة من مفهوم «المدى» بمعناه الإسلامي، وما يمكن أن يوحيه لفنانين آتين من ثقافات أخرى، أو لفنان مغمسة يومياته بهذه الثقافة. المقارنة قد تبدو محببة في هذا المكان الجميل والمجهز جيداً بطوابقه الثلاثة، المخصصة للفن العربي المعاصر بمختلف تجلياته، بحيث أعطيت لكل فنان المساحة الواسعة التي تناسب فكرته، و«المدى» الذي يبحث للتعبير عنه. وخارج «مركز مرايا»، وفي القصباء أيضاً، عملان في الهواء الطلق، أحدهما لفنانَين مصريين، وآخر لفنان روسي.
داخل المركز، أسترالي، وصيني ومصري، اجتمعوا في مكان واحد، ليأتي كل منهم بتصوره لـ«المدى»، موضوع المهرجان لهذه السنة، الذي تدور حوله مجمل الأعمال من تشكيلية وحوارات وندوات وورش، ومعارض للخط.
الداخل إلى «مركز مرايا» يزور في البدء صالة خصصت للفنان الأسترالي جيمس تابسكوت، حيث حولها إلى ما يشبه آلة الزمن، التي نراها في أفلام الخيال العلمي. يدخل الزائر إلى غرفة مظلمة يظن من يلجها أنها مجرد سواد دامس، لكنه سرعان ما يكتشف كلما تقدم في المسار أنها تضيء في نهايتها بدائرة نارية يتوسطها ظلمة داكنة ويسمع خرير ماء، كأنما وهو يسير على بلاطات قليلة رصفت بها الأرض يقطع جدولاً صغيراً ينساب نزولاً. رحلة الذهاب والإياب باتجاه الحلقة المضاءة والمشعة في العتمة، تستغرق ثواني قليلة، لكنها تجربة أراد منها هذا الأسترالي المغرَم بتحويل استخدامات المواد وتغيير مفاهيمها وطريقة استعمالها، إلى جعل العابر يكتشف معنى جديداً للماء والمسافة، والأفق، كما النار والضوء. الغرفة تبدو لداخلها وكأنها تنزلق نزولاً، لكنها في حقيقة الأمر، مجرد مساحة مسطحة كل ما يعيشه الإنسان في داخلها هو محض خدع فنية لذيذة القصد منها ايهامه بالرهبة.
الفنان المصري أحمد قرعلي في الصالة الفسيحة المجاورة التي خصصت له أبدع وأثار اهتمام الزوار الذين تسابقوا على التقاط الصور مع عمله اللافت، حيث استخدم طبقات قماش الشيفون الرقيق جداً ليغطي بها الحائط الكبير من أعلاه وحتى الأرض على طريقته الخاصة. غلالات بيضاء شفافة للغاية علقها طبقات تلو الأخرى كما نعلق الستائر، لكنه ترك بينها مسافات وفرّغ أجزاء منها على شكل أقواس متتالية. تنظر إليها من بعيد فتظن أنك أمام قباب وقناطر وأبواب ونوافذ لمدينة إسلامية. عمل شفيف يثير مشاعر رومانسية من جهة، لكنه يغري أيضاً بالدخول بين الستائر الثمانية المتتابعة، والتنقل بين طبقاتها واكتشاف الطريقة التي ركبت بها في حين ضوء النهار الحقيقي الآتي من النوافذ الزجاجية للغرفة، خلف الستائر يخترق طبقات الشيفون، ويجعلها أكثر سحراً.
وقرعلي مهتم بهندسة المساجد المملوكية في مصر. ومصدر وحيه في هذا العمل وأعمال أخرى له، هي البوابات العملاقة في هذه المساجد التي تؤدي إلى ممر مظلم وضيق تأخذك في العادة إلى دائرة واسعة ومفتوحة مليئة بالضوء توصل إلى قاعات الصلاة. ويفضل الفنان أن يعتبر عمله منحوتة في القماش والضوء على أن يرى فيه تجهيزاً بالمعنى المتعارف عليه.
وفي صالة ثالثة كبيرة جداً خصصت للفنان الصيني لي هونجيو قرر أن يفرشها برمتها بما أسماه حديقة إسلامية. هذه الحديقة مصنوعة كل عناصرها من الورق الملون. والفنان عُرف بإنجاز أعمال مختلفة، بعضها تماثيل أو تجهيزات، تظنها نحتاً في الرخام أو الحجر، لكنها في الحقيقة مجرد أوراق شكّلها بيديه. وهذه المادة المطواعة ارتأى لي هونجيو أن يجعلها في الشارقة، وسيلته لتشكيل الأزهار والنوافير والبرك، وكل ما تنطوي عليه حديقة غنّاء، بألوان أهم ما فيها الاشتغال على تدرجات الألوان، بشكل لا بد احتاج إلى عمل إلكتروني دقيق، إضافة إلى المهارة اليدوية.
واستخدم لي هونجيو في هذا العمل الضخم 53 ألف صحيفة ورقية، ألصقها ببعضها بعضاً بشكل فني، وعمل على قصها وتشذيبها بمعدات خاصة، لتكتسب الشكل الذي يناسب تصميمه. وقد اعتمد في تشكيل الورق ولصقه ببعضه بعضاً تصميم الأكورديون الذي نراه في أوراق الزينة المستخدمة في المنازل أو ما يمكن أن نسميه تقنية «قرص العسل» المتبعة في عمل الفوانيس الصينية.
ومعلوم أن الحضارة الصينية القديمة اشتهرت بصناعة الورق، وهو ما لا يزال الصينيون، يجدون فيه مصدر إلهام لهم ولي هونجيو استخدم في الشارقة المسدسات والرشاشات الورقية لبناء حديقته وعمل نوافيره، كرمز للقوة، في محاولة منه للقول إن معدات الحروب قد تكون أجمل حين تستخدم في الدفاع عن السلام والطبيعة. وهو منذ عام 2012 يستعمل تقنياته هذه ويجول في معارض كبيرة، حيث عرض في أستراليا وأميركا وغيرهما.
وإلى جانب هذه التجهيزات الثلاثة التي يستقبلها «مركز مرايا» في الشارقة، تم افتتاح عملين في اليوم نفسه، في الهواء الطلق على مقربة من المركز في منطقة القصباء. أحدهما هو استكمال لجدارية كان قد أنجزها الفنانان المصريان مجدي الكفراوي ومحمد عبد العزيز، العام الماضي. وقد عاد الفنانان هذه السنة، ليكملا عملها من خلال رؤيتهما للفنون الإسلامية التشكيلية بألوانها الزاهية، وحروفياتها العربية التي تمتزج بتلاوين وأشكال مختلفة تمنح هذا الحي الجميل الذي تقطعه المياه وتزينه جسور المشاة نفحاً مختلفاً.
أما العمل الثاني الذي افتتح في الهواء الطلق أيضاً فهو «الحديقة الهندسية» للروسي دانيلا شوزي، الذي وجد مكانه في أروقة هذا الحي الجميل، حيث يدخل المتفرج مع رسوماته وتصاميمه في رحلة أقرب إلى السفاري بسبب استخدامه حيل الخداع البصري في تشكيله لهذه الحديقة التي تخلط بين النباتات الخضراء والأشكال الهندسية الإسلامية.
هذه الأعمال الفنية التشكيلية تستقبلها الشارقة في إطار احتفاليتها بالدورة الـ22 لـ«مهرجان الفنون الإسلامية» المستمر لمدة 40 يوماً. وهي احتفالية تتضمن المعارض والورش الفنية، كذلك المحاضرات واللقاءات والندوات حتى 21 من الشهر المقبل. ويستقبل المهرجان هذه السنة أكثر من 100 فنان آتين من بلدان عربية وأجنبية يقدمون كلاً على طريقته، وتبعاً لرؤيته، أعمالاً تعكس مفهومهم للإسلام، ورؤيتهم لثقافة أهله. وتعرض حالياً في إمارة الشارقة ضمن نطاق هذا المهرجان 241 عملاً، تحفة لهواة الفنون، بسبب تقنياتها المختلفة، ومشارب الفنانين ومدارسهم المتباينة، حيث يأتي هذا التنوع حين يتواجد في وقت واحد وفي أماكن متجاورة، متعة للمقارنة والمفاضلة، وفهم اختلافات الرؤيا اللامحدودة إلى الموضوع عينه.
تجهيزات «مركز مرايا للفنون» تثير إعجاب الزائرين في الشارقة
ضمن نشاطات «مهرجان الفنون الإسلامية»
تجهيزات «مركز مرايا للفنون» تثير إعجاب الزائرين في الشارقة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة