السيسي يؤكد دور الجيش في «حماية مدنية الدولة»

قال إن القوات المسلحة مسؤولة عن منع مصر «من السقوط» مرة أخرى

TT

السيسي يؤكد دور الجيش في «حماية مدنية الدولة»

فيما بدا استبعاداً لوصول الإخوان للحكم مرة أخرى، ذكَّر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بدور القوات المسلحة في حماية «مدنية الدولة»، قائلاً، أمس، إن «هناك مهمة للجيش أرجو أن يتم إلقاء الضوء عليها، وهي الحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنع سقوطها».
ويشير السيسي إلى التعديلات الدستورية، التي أُقرت في أبريل (نيسان) الماضي، والتي عززت دور الجيش في البلاد، بإضافة مهام «صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحريات وحقوق الأفراد»، بجانب حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها. وقال السيسي، خلال افتتاحه مجمع إنتاج حيواني في محافظة الفيوم (جنوب القاهرة)، إن «القوات المسلحة مسؤولة عن الأمن القومي والحفاظ على الدولة المصرية ومنعها من السقوط والحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها».
وبرر الرئيس المصري مشاركة الجيش في مشروعات تنموية باعتبارها بمثابة «أمن قومي»، قائلا: «جعلنا الجيش يسهم بجزء من قدراته حتى يساعدنا باعتبار أنها مهمة أمن قومي في الحفاظ على الدولة واستقرارها وهي مهمة مستقرة للجيش... وهناك مهمة أخرى للجيش أرجو أن يتم إلقاء الضوء عليها إعلاميا وهي الحفاظ على المسار الدستوري ومدنية الدولة وديمقراطيتها ومنع سقوطها».
وأكد السيسي أن حديثه يستند إلى نص الدستور، موجها الشكر لرئيس مجلس النواب علي عبد العال، حيث جاءت التعديلات بناء على مقترحات برلمانية. وقال السيسي: «سواء كنا موجودين أو غير موجودين بقيت مسؤولية القوات المسلحة الحفاظ على هذه الدولة من عدم السقوط مرة أخرى». وعُزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان، في يوليو (تموز) 2013 بعد عام فقط من حكمه، إثر احتجاجات واسعة، مهدت لوصول السيسي للحكم في يونيو (حزيران) 2014.
وفي عام 2014 صنفت السلطات المصرية الجماعة «تنظيما إرهابيا» رسمياً. ويحاكم الآلاف من قادة وعناصر التنظيم في تهم تتعلق بارتكاب أعمال عنف.
من جهة أخرى، تناول السيسي في كلمته أمس مشاكل القطاع العام، مؤكدا أن المشكلة التي تواجه القطاع العام ليست في تنفيذ المشروعات لكن في ثقافة الإدارة التي تشكلت عبر سنين طويلة وهي أن المال العام والمنشآت الخاصة به «مباحة».
وقال السيسي: «مشكلتنا ليست في التنفيذ ولكن في الإدارة، لو كان المطلوب رفع كفاءة 51 مزرعة خلال سنة أو سنتين، فنحن مستعدون لذلك ولتدبير الأموال المطلوبة... لكن القضية قضية إدارة وثقافة تشكلت عبر سنين طويلة في أن المال العام والمنشآت الخاصة به مباحة وبالتالي تعمل وتنفق الأموال والنتيجة غير مرضية، نرى القطاع الخاص ينشئ مزرعة أقل من مزارع الدولة وينجح ويكبر ويتضاعف، أما مزارع الدولة تتآكل سنة بعد سنة».
وأردف السيسي قائلاً: «السوق المصرية كبيرة ويوجد طلب عليها، أي شخص ينفذ مشروعاً للأكل والشرب وأي مستلزمات أخرى للأكل والشرب وأي مستلزمات أخرى الناس تحتاج إليها سوف ينجح إذا أدير بشكل جيد... هؤلاء موظفون ويتقاضون رواتبهم من الدولة بما يعني أن جزءاً كبيراً من المشروع من موازنة الدولة... رغم ذلك لم تنجح مشروعات... وهذا مؤشر لنا على أننا محتاجون أن نتوقف». كما أكد السيسي أن الدولة معنية باستعادة كفاءة كل البحيرات للخدمة والإنتاج سواء كانت على البحر المتوسط أو حتى داخل الدولة بما فيها حتى بحيرة ناصر الموجودة في أسوان، لتعود مرة ثانية للخدمة.
وقال الرئيس السيسي إن «النقطة الثانية التي أرغب التحدث فيها هي عن التوزيع الجغرافي للمشروعات الهدف منها إيجاد فرص عمل في تلك المناطق، فمثلا محافظة الفيوم تم تنفيذ مشروع مجمع الإنتاج الحيواني، فضلا عن مشروع آخر يتم على مسافة 40 كيلومترا خاص بالصوب الزراعية». وعلق اللواء مصطفى أمين مدير جهاز مشروعات الخدمة الوطنية أنها تقدر بـ3 آلاف صوبة على مساحة 15 ألف فدان.
وأشار السيسي إلى أن تدخل الدولة في إقامة مشروعات هدفه «المساهمة في إيجاد حلول حقيقية وفرص عمل حقيقية». واستدرك «يتساءل بعض المواطنين الاستهداف من تكليف إقامة بعض المشروعات هل هو الاستحواذ الاقتصادي أم إيجاد فرص عمل وحل بعض المسائل وتحقيق توازن... أؤكد كل المشروعات التي نفتتحها نحن على استعداد لدخول القطاع الخاص إذا رغب في المشاركة». وقال السيسي: «شركات القوات المسلحة أو شركات جهاز الخدمة العامة سوف تنزل البورصة المصرية، وبذلك لم نتح الفرصة فقط للقطاع الخاص بل لكل المواطنين».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.