حضور سعودي بارز خارجياً يتوّج برئاسة «مجموعة العشرين»

تحالفات وشراكات لتعزيز الأمن ودعم الاستقرار في المنطقة والعالم

الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
TT

حضور سعودي بارز خارجياً يتوّج برئاسة «مجموعة العشرين»

الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)

في الأيام الأخيرة من عام 2019، بدأت السعودية تحصد ثمار جهدها السياسي الذي عملت عليه طوال عام لم يشهد ركوداً في أحداثه على امتداد شهوره، مع تسارع الأحداث على المستويين الإقليمي والدولي.
شهد 2019 كثيرا من المتغيرات في المشهد السياسي السعودي، باتفاقات تبعث السلام في المنطقة، وتحالفات سياسية وعسكرية تشكلت لردع أي تهديد يواجه دول الإقليم، وشراكات يرقى بعضها إلى مستوى استراتيجي بين السعودية وعدد من الدول، إضافة إلى الاتفاقيات بمختلف أشكالها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتوجت السعودية العام بتسلمها لرئاسة مجموعة العشرين التي ستحتضن قمتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وبدأت استضافة الاجتماعات التحضيرية لها قبل أيام. كما كانت الرياض مقراً لبعث الاستقرار والسلام في اليمن بعد توقيع «اتفاق الرياض» في 5 نوفمبر الماضي، ويضاف إلى ذلك تطور العلاقات السعودية - الروسية وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض، وتحسن العلاقات السعودية - العراقية وإعادة فتح المعابر بين البلدين، وجهود دبلوماسية كثيرة حملت رسائل عدة.

مجموعة العشرين

ومن أهم معالم الحصاد الدبلوماسي السعودي الذي تواصل في عدد من الملفات، هو تسلم السعودية رئاسة مجموعة العشرين من اليابان مطلع الشهر الحالي، وتمتد رئاستها إلى نهاية نوفمبر 2020، وصولاً إلى انعقاد قمة القادة بالرياض يومي 21 و22 نوفمبر من العام المقبل.
وتستضيف المملكة في هذه الفترة أكثر من مائة اجتماع، إضافة إلى المؤتمرات وورشات العمل التي تقام على هامشها. وتعد السعودية الدولة الأولى عربياً في رئاسة مجموعة العشرين، ما يؤكد مكانتها وثقلها في الساحة الدولية. وستبحث قمة المجموعة التي بدأت بعد أزمة آسيا في عام 1999، وتطورت بعدما واجه العالم الأزمة المالية في 2008، وتم بعدها الاتفاق على رفع التمثيل إلى قادة الدول، عدداً من الملفات الاقتصادية والاجتماعية في العالم.

قمم مكة الثلاث

وسبق هذه القمة، عقد ثلاث قمم خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة، في أواخر مايو (أيار) الماضي، إذ كانت القمتان الخليجية والعربية طارئتين، بعد يوم من عقد القمة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي. وناقشت القمم الثلاث أزمات المنطقة، فيما ركزت القمتان الطارئتان على التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، إضافة إلى تركيز القمة الإسلامية على عدد من القضايا أبرزها القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف و«الإسلاموفوبيا» والوضع الإنساني في العالم الإسلامي، وأكدت مركزية قضية فلسطين والقدس بالنسبة للأمة الإسلامية.
وكان من نتائج القمة الإسلامية، إقرار 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة يمثلون 27 مكوناً إسلامياً من مختلف المذاهب والطوائف، وفي طليعتهم كبار مفتيها، «وثيقة مكة المكرمة» دستوراً تاريخياً لإرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة من جهة ثانية.
وحملت القمم الثلاث التي شهدت حضوراً لقادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، رسائل واضحة للنظام الإيراني بضرورة وقف تجاوزاته وتدخلاته في المنطقة العربية.

«اتفاق الرياض» وإعمار اليمن

كانت الرياض مقصد الباحثين عن السلام في اليمن، لمناقشة الخلافات وتغليب الحكمة والحوار ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إذ شهدت توقيع اتفاق مصالحة بين الطرفين برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
الجهود الدبلوماسية في هذا الاتفاق، بدأت بالتقاء الطرفين في السعودية من 20 أغسطس (آب) وحتى 24 أكتوبر (تشرين الأول) وتوجت بتوقيع «اتفاق الرياض» في 5 نوفمبر الماضي. وقاد هذا الاتفاق إلى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة اليمنية، إضافة إلى إعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة، وتوحيد الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن. كما تضمن الاتفاق وضع أطر للترتيبات السياسية والاقتصادية بتشكيل حكومة كفاءات سياسية، إضافة إلى الترتيبات العسكرية والأمنية.
إضافة إلى ذلك، بذل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في 2019 جهوداً إغاثية ملموسة في مختلف المحافظات اليمنية، إذ دعم قطاعات حيوية هي الصحة والتعليم والكهرباء والطاقة والزراعة والثروة السمكية والمياه والسدود والطرق والموانئ والمطارات والمباني الحكومية.

حيوية بين الرياض وبغداد

ومن جنوب السعودية إلى شمالها، وتحديداً العراق الذي شهدت العلاقات معه تطوراً ورغبة من الجانبين في ترفيعها، إذ زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي السعودية في أبريل (نيسان) الماضي، وتأكدت رغبة تعميق العلاقات بتوقيع الطرفين 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم في جوانب عدة، ومشاركة وفود تجارية وأخرى سياسية في تجديد العلاقة.
وتلت هذه الزيارة، زيارة أخرى لرئيس الوزراء العراقي في سبتمبر (أيلول) الماضي جاءت بعد تزايد التوترات في المنطقة، إذ بحث مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز العلاقات الثنائية والجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع الإقليمية، وتعزيز الدور العراقي في تخفيف توترات المنطقة، وحرية الملاحة البحرية.

تحالفات تعزز من أمن المنطقة

التهديدات المتصاعدة في المنطقة قادت إلى تعزيز السعودية شراكاتها وتحالفاتها لتعزيز أمن المنطقة التي تشهد تهديدات متنوعة، وهذا ما جعل السعودية شريكاً رئيسياً ومركزياً مع شركاء من مختلف دول العالم في عدد من التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وشكلت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً لحماية الملاحة البحرية، وأعنت السعودية بعد ذلك أنها قررت الانضمام إليه، إلى جانب عدد من الدول الخليجية والمملكة المتحدة وأستراليا. ويهدف هذا التحالف إلى ضمان حرية الملاحة والممرات المائية في مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.
وجاء التحالف بعد استهداف إيران ناقلات نفط في خليج عمان في يونيو (حزيران) الماضي، ما أبرز التحدي الرئيسي أمام المجتمع الدولي لحماية خطوط إمدادات الطاقة، وضرورة اتخاذ إجراءات تعمل على سلامة مرور الناقلات النفطية.

شراكات مع آسيا

وفي إطار تعزيز العلاقات مع دول آسيا التي تتزايد أهميتها على الساحة الدولية، دشنت السعودية مع الصين شراكة أكثر شمولية للاستثمار في المستقبل بحزمة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للصين في فبراير (شباط) الماضي، والتي شهدت اجتماعات بين الجانبين لاستعراض العلاقات الاستراتيجية توجت باتفاقيات مليارية. كما شهدت العلاقات مع اليابان في 2019 تطوراً أكبر، امتداداً للرؤية السعودية - اليابانية المشتركة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول)، شهدت الرياض زيارة تاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليجتمع مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز في قمة بحثت عدداً من الملفات الإقليمية والدولية، إضافة إلى ملف الطاقة الذي يشهد تعاوناً مستمراً بين البلدين في إطار «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط.

السودان... البلد لا الأشخاص

وتضمنت الجهود الدبلوماسية السعودية دعم السودان في مختلف المجالات بعد 8 أشهر من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أدت إلى إطاحة الرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً من حكمه. وشهد السودان في أغسطس الماضي التوقيع على «الوثيقة الدستورية» للمرحلة الانتقالية، كما عملت الحكومة السعودية مع السودان من كثب لإزالة اسمه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، إضافة إلى إزالة العقوبات الدولية السابقة على الخرطوم.
وشجعت السعودية الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب السودان وهو يفتح صفحة جديدة في تاريخه. وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير ممثلاً للمملكة في حفل التوقيع على «الوثيقة الدستورية» التي حددت أسس الشراكة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى التغيير.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».