الاقتصاد السعودي... تحريك رافعة التحوّل

تفعيل قطاعات حيوية وموارد مالية جديدة في 2019

طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
TT

الاقتصاد السعودي... تحريك رافعة التحوّل

طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي

يمكن تصنيف 2019 بأنه عام تحريك الرافعات الاقتصادية التي ترسم لها السعودية أدواراً جوهرية في الاقتصاد الوطني في رحلة التخلص من هيمنة النفط كمورد رئيس لموازنة الدولة ومصدر الدخل الاستراتيجي، إذ تبرهن سلسلة القرارات ومستجدات التشريعات والقوانين، بالإضافة إلى الممارسات المنفَّذة على أرض الواقع في تطبيق الاستراتيجيات تحت مظلة «رؤية المملكة 2030»، جدية مرحلة التحول وفعالية المضي نحو تحقيق هدف التحرر الاقتصادي من معضلة مصدر الدخل الواحد إلى اقتصاد منوع ذي موارد مالية متعددة.
ولا يمكن في استعراض لأبرز الروافع الاقتصادية التي فعّلتها المملكة في 2019 إلا الحديث عن درة تاج الاقتصاد الوطني شركة «أرامكو» السعودية التي دخلت أواخر العام مخاض التحول إلى الملكية الخاصة بعملية طرح عام أوّلي تعد الأضخم على مستوى الأسواق المالية، في وقت لا بد من الإشارة إلى أن الدولة بادرت ولا تزال بتفعيل السياق المالي عبر تطوير جوهري للقطاع المالي وتعميق أسواق المال وزيادة الشمول المالي والتحول إلى المجتمع اللانقدي.
وفي نطاق مقارب، سجلت تحركات الدولة باتجاه رفع مواردها المالية غير النفطية مؤشرات قوية شهدتها قطاعات العائد الضريبي، ومخرجات القطاع الخاص، ومحفزات الأعمال في جميع أشكالها، وتطوير أجهزة الدولة وتقوية مواردها. وفي ملحق الحصاد السنوي، تستعرض «الشرق الأوسط» جملة من أبرز الروافع الاقتصادية التحولية التي حرّكتها السعودية خلال العام.
إنفاق تريليوني
قبل الحديث عن الروافع الاقتصادية، لا بد من التوطئة بما أصرّت عليه ميزانية السعودية من المضي قدماً في تطلعات مشروع النهوض الاقتصادي السعودي المرتكزة على محور التحول وتعزيز التنمية بجميع أشكالها، إذ تستمر تقديرات الدولة بإنفاق تريليوني للعام المقبل 2020 بتقدير بلغ 1.020 تريليون ريال (272 مليار دولار)، في إطار تبحث من خلاله عن تقوية الاقتصاد الوطني عبر قناة تنفيذ برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».
وقال تقرير صدر عن وزارة المالية حينها إن المملكة تتبنى سياسات اقتصادية ومالية تهدف من خلالها لرفع معدلات النمو الاقتصادي واستدامتها، مع التركيز على نمو الناتج غير النفطي، لافتة إلى مواصلة العمل لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وخلق فرص العمل والاستمرار في تنفيذ المشاريع الكبرى.
الاكتتاب التاريخي
لنبدأ مما يحدث الآن، إذ عاشت السعودية واقتصاد العالم، وعلى وجه التحديد قطاع الصناعة المالية، أواخر 2019 مخاض الطرح العام الأضخم على مستوى العالم لأسهم شركة «أرامكو السعودية» التي جاءت قبيل سنوات وتحديداً في عام 2016 كفكرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال حوار تلفزيوني آنذاك، في خضمّ تفعيل الاقتصاد السعودي والاستفادة من محصلات الاكتتاب في تدعيم موارد الدولة.
وجذب اكتتاب «أرامكو» المنتهي أخيراً، انتباه الاقتصاد العالمي والأسواق الدولية بعد أن كانت «أرامكو» إحدى أبرز الكلمات المتداولة في الأخبار والمتابعات الاقتصادية، إذ انطلقت في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عملية طرح انتهت في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2019، مسجلةً أضخم اكتتاب أوّلي يشهده العالم وسط إقبال واسع النطاق للمساهمة فيه من السعوديين والمقيمين، ساهم في مضاعفة الطلب 4 مرات عما تم طرحه.
وشهد الاكتتاب شراء 5 ملايين مساهم لمليار سهم، كما سجلت شريحة المؤسسات المستثمرة حجم اكتتاب ضخماً قوامه 397 مليار ريال (105.8 مليار دولار)، فيما بلغ مجموع طلبات الاكتتاب في عملية الطرح 446 مليار ريال (119 مليار دولار)، مقابل المستهدف وهو 96 مليار ريـال (25.6 مليار دولار).
وتعكس الأرقام تعزيزاً لتوجهات الدولة ومرئياتها في هذا الطرح لأهم شركة وطنية، إذ يعوّل عليها كثيراً في أن تكون مساهماً كبيراً في التخلص من الاعتماد على مورد النفط كمصدر وحيد، وينتظر أن يستفيد صندوق الاستثمارات العامة من المستحصلات في توظيفها استثمارياً وتحقيق دخل يعود على خزينة الدولة.
تعزيز الإيرادات
ومن بين الرافعات التي قامت بها الدولة لدعم اقتصاد السعودية، إلى جانب طرح «أرامكو»، المضي في توسيع آفاق موارد الدولة المالية لتعزيز الإيرادات من خلال تفعيل الأداة الضريبية، إذ تم إقرار ضريبة القيمة المضافة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن شهدت السنوات الثلاث الماضية فرض ضرائب الدخل والاستقطاع والسلع الانتقائية.
وينتظر أن تشكل عوائد الضريبة المضافة قوة جديدة تضاف إلى خزينة الدولة، إذ وفقاً لتقديرات وزير المالية محمد الجدعان، فإن العائدات خلال السنة الأولى من الضريبة المضافة تبلغ 47 مليار ريال (12.5 مليار دولار)، ما يعني أن المحفز الضريبي بات له أثر ملموس على مداخيل البلاد.
وحسب البيانات الأخيرة، استطاعت المملكة جمع ما قيمته 203 مليارات ريال (54.1 مليار دولار) عبر مستحصلات ضريبية من الدخل، والمكاسب الرأسمالية، والسلع، والتجارة، والضرائب الأخرى.
وكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين، أمام أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، الخطاب الفصل للسياسة الداخلية والخارجية للمملكة في نوفمبر المنصرم، إذ تضمنت جوانب كثيرة من دعائم التوجه الاقتصادي الحالي، لتحقيق استقرار مالي واقتصادي أكبر وتنمية مستدامة، كان بينها تنفيذ جميع الإصلاحات الداعمة لنمو الاقتصاد وتنويع نشاطاته وتعزيز الإيرادات وكفاءة الإنفاق.
بيئة الأعمال
ولتحقيق أهدافها المرجوة، قامت المملكة ببذل جهود كبيرة في تسهيل ممارسة الأعمال، كإحدى الرافعات التي تعوّل عليها في أن تكون سبباً للدفع ببيئة صحية مغرية نحو مزيد من فرص الأعمال وبالتالي النمو الاقتصادي غير النفطي، حيث استمرت في سن الأنظمة ووضع القرارات الممكنة له، لتتقدم بوضوح إلى مراكز متقدمة في تصنيفات منظمات عالمية.
وباتت السعودية هذا العام أكثر الدول تقدماً في مجال الإصلاح الاقتصادي من بين 190 دولة حول العالم، وتأتي هذه القفزة النوعية التي حققتها المملكة بتقدمها 30 مرتبة في مجال سهولة ممارسة الأعمال 2020، حسب التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إضافةً إلى تقدمها في تقرير التنافسية العالمي 2019 الصادر عن مركز التنافسية العالمي، كإحدى ثمار العمل القائم لتحقيق «رؤية 2030».
ومن بين الإصلاحات التي عملت عليها السعودية تسهيل بدء النشاط التجاري، والتجارة عبر الحدود، والحصول على الكهرباء، في وقت وجّهت الدولة الجهات الحكومية بمضاعفة الجهود لتحسين بيئة الأعمال ورفع تنافسية المملكة لتحقيق هدف الوصول إلى مصافّ الدول العشر الأكثر تحفيزاً للأعمال في العالم.
الاستثمار الأجنبي
ونتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي نفّذتها المملكة، تضاعف عدد الشركات الأجنبية المستثمرة في السعودية خلال النصف الأول، مقابل الفترة ذاتها من العام المنصرم، إذ تم إصدار 792 رخصة استثمار أجنبي حتى منتصف سبتمبر (أيلول) 2019، فيما زاد عدد الشركات الأجنبية المسجلة بنهاية النصف الأول من 2019 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 100%.
ولتعزيز قدرة المملكة التنافسية وتحسين البيئة الاستثمارية، تمت إعادة هندسة التراخيص الاستثمارية في 9 قطاعات بنسبة 55%، وهي: الصحة، والتعليم، والاتصالات، والنقل، والتجارة، والثقافة، والسياحة، والزراعة، والصناعة، وتقليص إجراءات حصول المستثمر الأجنبي على الترخيص الاستثماري إلى وثيقتين، وخلال 3 ساعات فقط.
وقامت السعودية بإصدار وسن أكثر من 30 نظاماً وتشريعاً خلال عامين، بهدف تحفيز الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز البيئة الاستثمارية، ومنها نظام الإفلاس، ونظام الشركات المهنية، ونظام الرهن التجاري، ونظام الإقامة المميزة للأجانب، والتأشيرات السياحية والتجارية، والفعاليات.
وأتاحت المملكة تملك المستثمر الأجنبي بنسبة 100% في قطاعات التجزئة والصحة والإعلام والتعليم، كما عززت الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بالبيئة الاستثمارية لرفع ثقة المستثمرين، ما نتج عنه ضخ الاستثمار الأجنبي بأكثر من 14.4 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية.
القطاعات غير النفطية
ويأتي تحفيز القطاعات غير النفطية بأنشطتها كافة باعتبارها ركيزة للتحرر من النفط، ورافعة اقتصادية بالغة الأهمية، ما أسهم، حسب البيانات الرسمية الأخيرة، في ارتفاع نسبة نمو القطاعات غير النفطية حتى النصف الأول من العام الحالي بنحو 2.5% مقارنةً بـ2.3% في المدة ذاتها من العام الماضي، ليحقق بذلك هذا القطاع أكبر نمو له منذ عام 2015. يأتي ذلك وسط ارتفاع إنتاجية العامل في القطاع الخاص غير النفطي بنحو 3.3% حتى النصف الأول من 2019.
وهنا لا بد من الإشارة إلى دفع السعودية نحو المحتوى المحلي، باعتباره أداة مهمة لتحفيز الصناعة والإنتاج المحلي، إذ كلفت السعودية في 2019 هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية مسؤولية تعزيز المساهمة في التنمية الاقتصادية، لضمان زيادة مشاركة العناصر الوطنية على مستوى القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول والتقنية.
الصناعة المالية
وبين الروافع الاقتصادية التي تعوّل عليها الحكومة السعودية، يبرز القطاع المالي، إذ ينتظر أن يسهم تطوير الصناعة المالية وتنمية مصادر التمويل وتوسيع أبواب الدعم المالي للمشروعات ابتداءً من المتناهية الصغر إلى المشروعات العملاقة، في تعزيز الاقتصاد السعودي.
ويأتي في مقدمة الصناعة المالية رفع الشمول المالي بمختلف أشكاله لتعزيز حركة التدفق النقدي، إذ عملت مؤسسة النقد العربي السعودي على تعزيز رفع مستوى الشمول المالي في المملكة وبالتحديد تعزيز وصول الأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الخدمات المالية وتيسير الحصول على خدمات التمويل.
وحسب موقع مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، فإن العمل ماضٍ لرفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى رفع نسبة التمويل المخصص لها إلى 20%، وكذلك زيادة عدد البالغين الذين لديهم حسابات مصرفية إلى 90%، باعتبار ذلك من أبرز الأهداف التي تسعى الرؤية إلى تحقيقها.
إلى ذلك، تقع السوق المالية في القلب من هذه التطورات إذ تشهد سنوياً قفزات على صعيد تطوير التشريعات والقوانين ذات العلاقة، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي اعتمد مجلس هيئة السوق المالية قواعد طرح الأوراق المالية والالتزامات المستمرة المعدلة (قواعد الطرح)، ضمن مساعيه لرفع جاذبيتها للمستثمرين بجميع فئاتهم، كما تم السماح لجميع فئات المستثمرين الأجانب المقيمين منهم وغير المقيمين بالاستثمار بشكل مباشر في أسهم المصدر الأجنبي المدرجة في السوق الرئيسية.
واستهدفت التعديلات في جانب آخر، تشجيع دخول المُصدر الأجنبي إلى السوق الرئيسية وزيادة جاذبية السوق المحلية وتعميقها وتعزيز دورها في تكوين رؤوس الأموال. كما دخلت السوق المالية هذا العام مرحلة تاريخية لتصبح سوق الأسهم بين أكبر عشر أسواق مالية في العالم مع إدراج سهم «أرامكو» بقيمة سوقية تقارب تريليوني دولار.
ومع تسهيل الأعمال والإجراءات، تحول تصنيف السوق المالية السعودية من سوق أولية إلى سوق ثانوية، على مستوى الأسواق العالمية، وباتت تشرف حالياً على 100 شركة مالية وبنك استثماري، بينما تنقسم سوق الأسهم الرئيسية إلى 21 قطاعاً بعدد 198 شركة مدرجة. ويبلغ عدد الصكوك والسندات التي تحتضنها 69 صكاً تمثل إصدارات بقيمة 340 مليار ريال (90.6 مليار دولار) بينها 64 مليار ريال إصدارات حكومية.
التحول الرقمي
يعد التحول من تقليدية التعاملات إلى صناعة التعاملات الإلكترونية، أحد أهداف الرؤية، بل يعد رافعة من الروافع المنتظرة في تسيير حركة التحول الاقتصادي، إذ جرى هذا العام تطوير وتحسين البنى التحتية التشريعية والتقنية والتركيز ضمن مشروع تحقيق التحول الرقمي وبناء منظومة حكومية فعالة للتعاملات الإلكترونية، مما سيدفع إلى اقتصاد رقمي مزدهر يعزز من إسهام المملكة التقني عالمياً.
وأكد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي، أن بلاده أصبحت منصة جاذبة للاستثمار، بينما يجري العمل حالياً لتشكيل مجلس جديد للتجارة الإلكترونية في السعودية ليتواكب مع الزخم الكبير في التفاعل التجاري عبر الشبكة العنكبوتية في البلاد. وأوضح القصبي أن 85% من خدمات وزارة التجارة والاستثمار باتت تقدم إلكترونياً، مشيراً إلى أنه منذ عام 2016 حتى نهاية الربع الثالث من عام 2019 تم منح 2437 رخصة استثمار للمستثمرين الأجانب، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن المملكة أصبحت تعدّ من أوائل الدول الـ10 في التسوق وعمليات الشراء الإلكترونية.
أمام ذلك، أشارت نتائج مسح إحصائي رسمي سعودي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، أخيراً، إلى أن نسبة الأسر التي لديها إمكانية النفاذ إلى الإنترنت بلغت 92.7% وبلغت نسبة الأسر التي يتوفر لديها خط هاتف ثابت بالمسكن 27.07%، أما نسبة الأسر التي يتوفر لديها هاتف متنقل فبلغت 99.2%.
استضافة «العشرين»
وأخيراً، لا يمكن التغاضي عن مشهد استضافة السعودية «مجموعة العشرين» التي تمثل الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم والأكثر تأثيراً في مشهد التنمية الدولية، إذ تسلمت السعودية مطلع الشهر الجاري، راية استضافة هذا التجمع العالمي. وفي وقت ينتظر أن ينعقد في السعودية ما لا يقل عن 150 لقاءً بين اجتماعات مطوّلة وورش عمل رسمية وودية، ستكون المملكة محط أنظار العالم خلال 2020 بتوافد كبار مسؤولي العالم على مختلف المستويات من القطاعات الحيوية كافة والمرتبطة بالاقتصاد والأعمال والمجتمع والبيئة والصحة والتعليم والقوى العاملة حتى لحظة انعقاد قمة قادة الدول العشرين المنتظرة في نوفمبر 2020.

قطاعات جديدة

> من بين روافع الاقتصاد السعودي المنظورة التي تم تحريكها في 2019، دخول قطاعات حيوية جديدة تتطلع الدولة لأن يكون لها سهم بارز في الناتج المحلي الإجمالي في خضم السعي إلى بناء مقومات اقتصادية متينة وخلق فرص استثمارية واعدة، يأتي بينها فتح قطاع السياحة وبدء العمل في إصدار «التأشيرة السياحية» تحقيقاً للرؤية، إذ ينتظر أن تسهم التنمية السياحية كأحد محفزات النمو الاقتصادي في جذب استثمارات وتوفير مليون فرصة وظيفية وتخفيض البطالة 6% وزيادة حصة مساهمة القطاع إلى 10% من الدخل القومي.
وفي جانب آخر، جاء تدشين برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية مطلع عام 2019، كأحد أهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر التنفيذية لـ«رؤية 2030»، تجسيداً لهدف أن تكون السعودية مركزاً عالمياً في مجال الطاقة والصناعة والتقنية ومنصة عالمية للخدمات اللوجيستية. ويتزامن ذلك مع تطوير حكومي لدور الصناديق التنموية لسد الاحتياجات الاقتصادية ودعم إيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص المحلي.
وإضافةً إلى ذلك، تم خلال العام تبني مشاريع عدة تتعلق بالطفرة الاقتصادية الجديدة المرتبطة بالتقنيات، إذ تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي التي من شأنها تعزيز استثمار الدولة للتطورات التقنية، كما تمت استضافة مركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة في المملكة.
ويأتي الترفيه الذي تأسست من أجله هيئة مستقلة في السعودية، كأحد منابع الاستثمار الجديدة المرتقبة في المملكة، حيث يُنتظر أن يسهم في إيجاد البيئة اللازمة لتشكل مقومات الصناعة من صناع ومسوقين ومستهلكين، وما يصاحب ذلك من خدمات ونشاطات متعددة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
TT

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)
جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب والمعقّد. ولا شك أن أهم هذه التحوّلات سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، وتراجع النفوذ الإيراني الذي كان له الأثر المباشر في الأزمات التي عاشها لبنان خلال السنوات الأخيرة، وهذا فضلاً عن تداعيات الحرب الإسرائيلية وآثارها التدميرية الناشئة عن «جبهة إسناد» لم تخفف من مأساة غزّة والشعب الفلسطيني من جهة، ولم تجنّب لبنان ويلات الخراب من جهة ثانية.

إذا كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان قد انتهت إلى اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية دولية، وإشراف أميركي ـ فرنسي على تطبيق القرار 1701، فإن مشهد ما بعد رحيل الأسد وحلول سلطة بديلة لم يتكوّن بعد.

وربما سيحتاج الأمر إلى بضعة أشهر لتلمُّس التحدّيات الكبرى، التي تبدأ بالتحدّيات السياسية والتي من المفترض أن تشكّل أولوية لدى أي سلطة جديدة في لبنان. وهنا يرى النائب السابق فارس سُعَيد، رئيس «لقاء سيّدة الجبل»، أنه «مع انهيار الوضعية الإيرانية في لبنان وتراجع وظيفة (حزب الله) الإقليمية والسقوط المدوّي لحكم البعث في دمشق، وهذا إضافة إلى الشغور في رئاسة الجمهورية، يبقى التحدّي الأول في لبنان هو ملء ثغرات الدولة من أجل استقامة المؤسسات الدستورية».

وأردف سُعَيد، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «بعكس الحال في سوريا، يوجد في لبنان نصّ مرجعي اسمه الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني، وهذا الدستور يجب أن يحترم بما يؤمّن بناء الدولة والانتقال من مرحلة إلى أخرى».

الدستور أولاً

الواقع أنه لا يمكن لمعطيات علاقة متداخلة بين لبنان وسوريا طالت لأكثر من 5 عقود، و«وصاية دمشق» على بيروت ما بين عامَي 1976 و2005 - وصفها بعض معارضي سوريا بـ«الاحتلال» - أن تتبدّل بين ليلة وضحايا على غرار التبدّل المفاجئ والصادم في دمشق. ثم إن حلفاء نظام دمشق الراحل في لبنان ما زالوا يملكون أوراق قوّة، بينها تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ 26 شهراً وتقويض كل محاولات بناء الدولة وفتح ورشة الإصلاح.

غير أن المتغيّرات في سوريا، وفي المنطقة، لا بدّ أن تؤسس لواقع لبناني جديد. ووفق النائب السابق سُعَيد: «إذا كان شعارنا في عام 2005 لبنان أولاً، يجب أن يكون العنوان في عام 2024 هو الدستور أولاً»، لافتاً إلى أن «الفارق بين سوريا ولبنان هو أن سوريا لا تملك دستوراً وهي خاضعة فقط للقرار الدولي 2254. في حين بالتجربة اللبنانية يبقى الدستور اللبناني ووثيقة الوفاق الوطني المرجعَين الصالحَين لبناء الدولة، وهذا هو التحدي الأكبر في لبنان».

وشدّد، من ثم، على ضرورة «استكمال بناء المؤسسات الدستورية، خصوصاً في المرحلة الانتقالية التي تمرّ بها سوريا»، وتابع: «وفي حال دخلت سوريا، لا سمح الله، في مرحلة من الفوضى... فنحن لا نريد أن تنتقل هذه الفوضى إلى لبنان».

العودة للحضن العربي

من جهة ثانية، يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة عمّا كان الوضع عليه في العقود السابقة. ولا يُخفي السياسي اللبناني الدكتور خلدون الشريف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن لبنان «سيتأثّر بالتحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، وحتميّة انعكاس ما حصل في سوريا على لبنان». ويلفت إلى أن «ما حصل في سوريا أدّى إلى تغيير حقيقي في جيوبوليتيك المنطقة، وسيكون له انعكاسات حتمية، ليس على لبنان فحسب، بل على المشرق العربي والشرق الأوسط برمته أيضاً».

الاستحقاق الرئاسي

في سياق موازٍ، قبل 3 أسابيع من موعد جلسة انتخاب الرئيس التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه برّي في التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، لم تتفق الكتل النيابية حتى الآن على اسم مرشّح واحد يحظى بأكثرية توصله إلى قصر بعبدا.

وهنا، يرى الشريف أنه بقدر أهمية عودة لبنان إلى موقعه الطبيعي في العالم العربي، ثمّة حاجة ماسّة لعودة العرب إلى لبنان، قائلاً: «إعادة لبنان إلى العرب مسألة مهمّة للغاية، شرط ألّا يعادي أي دولة إقليمية عربية... فلدى لبنان والعرب عدوّ واحد هو إسرائيل التي تعتدي على البشر والحجر». وبغض النظر عن حتميّة بناء علاقات سياسية صحيحة ومتكافئة مع سوريا الجديدة، يلفت الشريف إلى أهمية «الدفع للتعاطي معها بإيجابية وانفتاح وفتح حوار مباشر حول موضوع النازحين والشراكة الاقتصادية وتفعيل المصالح المشتركة... ويمكن للبلدين، إذا ما حَسُنت النيّات، أن يشكلّا نموذجاً مميزاً للتعاون والتنافس تحت سقف الشراكة».

يحتاج لبنان في المرحلة المقبلة إلى مقاربة جديدة

النهوض الاقتصادي

وحقاً، يمثّل الملفّ الاقتصادي عنواناً رئيساً للبنان الجديد؛ إذ إن بناء الاقتصاد القوي يبقى المعيار الأساس لبناء الدولة واستقرارها، وعودتها إلى دورها الطبيعي. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قال الوزير السابق محمد شقير، رئيس الهيئات الاقتصادية في لبنان، إن «النهوض الاقتصادي يتطلّب إقرار مجموعة من القوانين والتشريعات التي تستجلب الاستثمارات وتشجّع على استقطاب رؤوس الأموال، على أن يتصدّر الورشة التشريعية قانون الجمارك وقانون ضرائب عصري وقانون الضمان الاجتماعي».

شقير يشدّد على أهمية «إعادة هيكلة القطاع المصرفي؛ إذ لا اقتصاد من دون قطاع مصرفي». ويشير إلى أهمية «ضبط التهريب على كل طول الحدود البحرية والبرّية، علماً بأن هذا الأمر بات أسهل مع سقوط النظام السوري، الذي طالما شكّل عائقاً رئيساً أمام كل محاولات إغلاق المعابر غير الشرعية ووقف التهريب، الذي تسبب بخسائر هائلة في ميزانية الدولة، بالإضافة إلى وضع حدّ للمؤسسات غير الشرعية التي تنافس المؤسسات الشرعية وتؤثر عليها».

نقطة جمارك المصنع اللبنانية على الحدود مع سوريا (آ ف ب)

لبنان ودول الخليج

يُذكر أن الفوضى في الأسواق اللبنانية أدت إلى تراجع قدرات الدولة، ما كان سبباً في الانهيار الاقتصادي والمالي، ولذا يجدد شقير دعوته إلى «وضع حدّ للقطاع الاقتصادي السوري الذي ينشط في لبنان بخلاف الأنظمة والقوانين، والذي أثّر سلباً على النمو، ولا مانع من قوننة ليعمل بطريقة شرعية ووفق القوانين اللبنانية المرعية الإجراء». لكنه يعبّر عن تفاؤله بمستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، قائلاً: «لا يمكن للبنان أن ينهض من دون علاقات طيّبة وسليمة مع العالم العربي، خصوصاً دول الخليج... ويجب أن تكون المهمّة الأولى للحكومة الجديدة ترسيخ العلاقات الجيّدة مع دول الخليج العربي، ولا سيما المملكة العربية السعودية التي طالما أمّنت للبنان الدعم السياسي والاقتصادي والمالي».

ضبط السلاح

على صعيد آخر، تشكّل الملفات الأمنية والعسكرية سمة المرحلة المقبلة، بخاصةٍ بعد التزام لبنان فرض سلطة الدولة على كامل أراضيها تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية. ويعتبر الخبير العسكري والأمني العميد الركن فادي داوود، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تنفيذ القرار 1701 ومراقبة تعاطيها مع مكوّنات المجتمع اللبناني التي تحمل السلاح، هو التحدّي الأكبر أمام المؤسسات العسكرية والأمنية». ويوضح أن «ضبط الحدود والمعابر البرية مع سوريا وإسرائيل مسألة بالغة الدقة، سيما في ظل المستجدات التي تشهدها سوريا، وعدم معرفة القوة التي ستمسك بالأمن على الجانب السوري».

مكافحة المخدِّرات

وبأهمية ضبط الحدود ومنع الاختراق الأمني عبرها، يظل الوضع الداخلي تحت المجهر في ظلّ انتشار السلاح لدى معظم الأحزاب والفئات والمناطق اللبنانية، وهنا يوضح داوود أن «تفلّت السلاح في الداخل يتطلّب خطة أمنية ينفّذها الجيش والأجهزة الأمنية كافة». ويشرح أن «وضع المخيمات الفلسطينية يجب أن يبقى تحت رقابة الدولة ومنع تسرّب السلاح خارجها، إلى حين الحلّ النهائي والدائم لانتشار السلاح والمسلحين في جميع المخيمات»، منبهاً إلى «معضلة أمنية أساسية تتمثّل بمكافحة المخدرات تصنيعاً وترويجاً وتصديراً، سيما وأن هناك مناطق معروفة كانت أشبه بمحميات أمنية لعصابات المخدرات».

حقائق

علاقات لبنان مع سوريا... نصف قرن من الهيمنة

شهدت العلاقات اللبنانية - السورية العديد من المحطات والاستحقاقات، صبّت بمعظمها في مصلحة النظام السوري ومكّنته من إحكام قبضته على كلّ شاردة وواردة. وإذا كان نفوذ دمشق تصاعد منذ دخول جيشها لبنان في عام 1976، فإن جريمة اغتيال الرئيس اللبناني المنتخب رينيه معوض في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 - أي يوم عيد الاستقلال - شكّلت رسالة. واستهدفت الجريمة ليس فقط الرئيس الذي أطلق مرحلة الشروع في تطبيق «اتفاق الطائف»، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها وحلّ كل الميليشيات المسلّحة وتسليم سلاحها للدولة، بل أيضاً كلّ من كان يحلم ببناء دولة ذات سيادة متحررة من الوصاية. ولكنْ ما إن وُضع «اتفاق الطائف» موضع التنفيذ، بدءاً بوحدانية قرار الدولة، أصرّ حافظ الأسد على استثناء سلاح «حزب الله» والتنظيمات الفلسطينية الموالية لدمشق، بوصفه «سلاح المقاومة لتحرير الأراضي اللبنانية المحتلّة» ولإبقائه عامل توتر يستخدمه عند الضرورة. ثم نسف الأسد «الأب» قرار مجلس الوزراء لعام 1996 القاضي بنشر الجيش اللبناني على الحدود مع إسرائيل، بذريعة رفضه «تحويل الجيش حارساً للحدود الإسرائيلية».بعدها استثمر نظام دمشق انسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي كان يحتلها في جنوب لبنان خلال مايو (أيار) 2000، و«جيّرها» لنفسه ليعزّز هيمنته على لبنان. غير أنه فوجئ ببيان مدوٍّ للمطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراحل نصر الله بطرس صفير في سبتمبر (أيلول) 2000، طالب فيه الجيش السوري بالانسحاب من لبنان؛ لأن «دوره انتفى مع جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان».مع هذا، قبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، أعلن نظام بشار الأسد رغبته بالتمديد للحود ثلاث سنوات (نصف ولاية جديدة)، ورغم المعارضة النيابية الشديدة التي قادها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، مُدِّد للحود بالقوة على وقع تهديد الأسد «الابن» للحريري ووليد جنبلاط «بتحطيم لبنان فوق رأسيهما». وهذه المرة، صُدِم الأسد «الابن» بصدور القرار 1559 عن مجلس الأمن الدولي، الذي يقضي بانتخاب رئيس جديد للبنان، وانسحاب الجيش السوري فوراً، وحلّ كل الميليشيات وتسليم سلاحها للدولة اللبنانية. ولذا، عمل لإقصاء الحريري وقوى المعارضة اللبنانية عن السلطة، وتوِّج هذا الإقصاء بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في أكتوبر (تشرين الأول) 2004، ثمّ باغتيال رفيق الحريري يوم 14 فبراير (شباط) 2005، ما فجّر «ثورة الأرز» التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان يوم 26 أبريل (نيسان)، وتبع ذلك انتخابات نيابية خسرها حلفاء النظام السوري فريق «14 آذار» المناوئ لدمشق.تراجع نفوذ دمشق في لبنان استمر بعد انسحاب جيشها بضغط أميركي مباشر. وتجلّى ذلك في «الحوار الوطني اللبناني»، الذي أفضى إلى اتخاذ قرارات بينها «ترسيم الحدود» اللبنانية السورية، وبناء علاقات دبلوماسية مع سوريا وتبادل السفراء، الأمر الذي قبله بشار الأسد على مضض. وأكمل المسار بقرار إنشاء محكمة دولية لمحاكمة قتلة الحريري وتنظيم السلاح الفلسطيني خارج المخيمات - وطال أساساً التنظيمات المتحالفة مع دمشق وعلى رأسها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» - وتحرير المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. حرب 6002مع هذا، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو (تموز) 2006، التي أعلن «حزب الله» بعدها «الانتصار على إسرائيل»، استعاد النظام السوري بعض نفوذه. وتعزز ذلك بسلسلة اغتيالات طالت خصومه في لبنان من ساسة ومفكّرين وإعلاميين وأمنيين - جميعهم من فريق «14 آذار» - وتوّج بالانقلاب العسكري الذي نفذه «حزب الله» يوم 7 مايو 2008 محتلاً بيروت ومهاجماً الجبل. وأدى هذا التطور إلى «اتفاق الدوحة» الذي منح الحزب وحلفاء دمشق «الثلث المعطِّل» في الحكومة اللبنانية، فمكّنهم من الإمساك بالسلطة.يوم 25 مايو 2008 انتخب قائد الجيش اللبناني ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، وفي 13 أغسطس (آب) من العام نفسه عُقدت قمة لبنانية ـ سورية في دمشق، وصدر عنها بيان مشترك، تضمّن بنوداً عدّة أهمها: «بحث مصير المفقودين اللبنانيين في سوريا، وترسيم الحدود، ومراجعة الاتفاقات وإنشاء علاقات دبلوماسية، وتبنّي المبادرة العربية للسلام». ولكن لم يتحقق من مضمون البيان، ومن «الحوار الوطني اللبناني» سوى إقامة سفارات وتبادل السفراء فقط.ختاماً، لم يقتنع النظام السوري في يوم من الأيام بالتعامل مع لبنان كدولة مستقلّة. وحتى في ذروة الحرب السورية، لم يكف عن تعقّب المعارضين السوريين الذي فرّوا إلى لبنان، فجنّد عصابات عملت على خطف العشرات منهم ونقلهم إلى سوريا. كذلك سخّر القضاء اللبناني (خصوصاً المحكمة العسكرية) للتشدد في محاكمة السوريين الذين كانوا في عداد «الجيش السوري الحرّ» والتعامل معهم كإرهابيين.أيضاً، كان للنظام السوري - عبر حلفائه اللبنانيين - الدور البارز في تعطيل الاستحقاقات الدستورية، لا سيما الانتخابات الرئاسية والنيابية وتشكيل الحكومات، بمجرد اكتشاف أن النتائج لن تكون لصالحهم. وعليه، قد يكون انتخاب الرئيس اللبناني في 9 يناير (كانون الثاني) المقبل، الاستحقاق الأول الذي يشهده لبنان من خارج تأثير نظام آل الأسد منذ نصف قرن.