الاقتصاد السعودي... تحريك رافعة التحوّل

تفعيل قطاعات حيوية وموارد مالية جديدة في 2019

طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
TT

الاقتصاد السعودي... تحريك رافعة التحوّل

طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي
طرح «أرامكو» من أهم حلقات تفعيل التحول للتنوع الاقتصادي

يمكن تصنيف 2019 بأنه عام تحريك الرافعات الاقتصادية التي ترسم لها السعودية أدواراً جوهرية في الاقتصاد الوطني في رحلة التخلص من هيمنة النفط كمورد رئيس لموازنة الدولة ومصدر الدخل الاستراتيجي، إذ تبرهن سلسلة القرارات ومستجدات التشريعات والقوانين، بالإضافة إلى الممارسات المنفَّذة على أرض الواقع في تطبيق الاستراتيجيات تحت مظلة «رؤية المملكة 2030»، جدية مرحلة التحول وفعالية المضي نحو تحقيق هدف التحرر الاقتصادي من معضلة مصدر الدخل الواحد إلى اقتصاد منوع ذي موارد مالية متعددة.
ولا يمكن في استعراض لأبرز الروافع الاقتصادية التي فعّلتها المملكة في 2019 إلا الحديث عن درة تاج الاقتصاد الوطني شركة «أرامكو» السعودية التي دخلت أواخر العام مخاض التحول إلى الملكية الخاصة بعملية طرح عام أوّلي تعد الأضخم على مستوى الأسواق المالية، في وقت لا بد من الإشارة إلى أن الدولة بادرت ولا تزال بتفعيل السياق المالي عبر تطوير جوهري للقطاع المالي وتعميق أسواق المال وزيادة الشمول المالي والتحول إلى المجتمع اللانقدي.
وفي نطاق مقارب، سجلت تحركات الدولة باتجاه رفع مواردها المالية غير النفطية مؤشرات قوية شهدتها قطاعات العائد الضريبي، ومخرجات القطاع الخاص، ومحفزات الأعمال في جميع أشكالها، وتطوير أجهزة الدولة وتقوية مواردها. وفي ملحق الحصاد السنوي، تستعرض «الشرق الأوسط» جملة من أبرز الروافع الاقتصادية التحولية التي حرّكتها السعودية خلال العام.
إنفاق تريليوني
قبل الحديث عن الروافع الاقتصادية، لا بد من التوطئة بما أصرّت عليه ميزانية السعودية من المضي قدماً في تطلعات مشروع النهوض الاقتصادي السعودي المرتكزة على محور التحول وتعزيز التنمية بجميع أشكالها، إذ تستمر تقديرات الدولة بإنفاق تريليوني للعام المقبل 2020 بتقدير بلغ 1.020 تريليون ريال (272 مليار دولار)، في إطار تبحث من خلاله عن تقوية الاقتصاد الوطني عبر قناة تنفيذ برامج تحقيق «رؤية المملكة 2030».
وقال تقرير صدر عن وزارة المالية حينها إن المملكة تتبنى سياسات اقتصادية ومالية تهدف من خلالها لرفع معدلات النمو الاقتصادي واستدامتها، مع التركيز على نمو الناتج غير النفطي، لافتة إلى مواصلة العمل لتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد وخلق فرص العمل والاستمرار في تنفيذ المشاريع الكبرى.
الاكتتاب التاريخي
لنبدأ مما يحدث الآن، إذ عاشت السعودية واقتصاد العالم، وعلى وجه التحديد قطاع الصناعة المالية، أواخر 2019 مخاض الطرح العام الأضخم على مستوى العالم لأسهم شركة «أرامكو السعودية» التي جاءت قبيل سنوات وتحديداً في عام 2016 كفكرة من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال حوار تلفزيوني آنذاك، في خضمّ تفعيل الاقتصاد السعودي والاستفادة من محصلات الاكتتاب في تدعيم موارد الدولة.
وجذب اكتتاب «أرامكو» المنتهي أخيراً، انتباه الاقتصاد العالمي والأسواق الدولية بعد أن كانت «أرامكو» إحدى أبرز الكلمات المتداولة في الأخبار والمتابعات الاقتصادية، إذ انطلقت في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي عملية طرح انتهت في 4 ديسمبر (كانون الأول) 2019، مسجلةً أضخم اكتتاب أوّلي يشهده العالم وسط إقبال واسع النطاق للمساهمة فيه من السعوديين والمقيمين، ساهم في مضاعفة الطلب 4 مرات عما تم طرحه.
وشهد الاكتتاب شراء 5 ملايين مساهم لمليار سهم، كما سجلت شريحة المؤسسات المستثمرة حجم اكتتاب ضخماً قوامه 397 مليار ريال (105.8 مليار دولار)، فيما بلغ مجموع طلبات الاكتتاب في عملية الطرح 446 مليار ريال (119 مليار دولار)، مقابل المستهدف وهو 96 مليار ريـال (25.6 مليار دولار).
وتعكس الأرقام تعزيزاً لتوجهات الدولة ومرئياتها في هذا الطرح لأهم شركة وطنية، إذ يعوّل عليها كثيراً في أن تكون مساهماً كبيراً في التخلص من الاعتماد على مورد النفط كمصدر وحيد، وينتظر أن يستفيد صندوق الاستثمارات العامة من المستحصلات في توظيفها استثمارياً وتحقيق دخل يعود على خزينة الدولة.
تعزيز الإيرادات
ومن بين الرافعات التي قامت بها الدولة لدعم اقتصاد السعودية، إلى جانب طرح «أرامكو»، المضي في توسيع آفاق موارد الدولة المالية لتعزيز الإيرادات من خلال تفعيل الأداة الضريبية، إذ تم إقرار ضريبة القيمة المضافة في يناير (كانون الثاني) الماضي، بعد أن شهدت السنوات الثلاث الماضية فرض ضرائب الدخل والاستقطاع والسلع الانتقائية.
وينتظر أن تشكل عوائد الضريبة المضافة قوة جديدة تضاف إلى خزينة الدولة، إذ وفقاً لتقديرات وزير المالية محمد الجدعان، فإن العائدات خلال السنة الأولى من الضريبة المضافة تبلغ 47 مليار ريال (12.5 مليار دولار)، ما يعني أن المحفز الضريبي بات له أثر ملموس على مداخيل البلاد.
وحسب البيانات الأخيرة، استطاعت المملكة جمع ما قيمته 203 مليارات ريال (54.1 مليار دولار) عبر مستحصلات ضريبية من الدخل، والمكاسب الرأسمالية، والسلع، والتجارة، والضرائب الأخرى.
وكانت كلمة خادم الحرمين الشريفين، أمام أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، الخطاب الفصل للسياسة الداخلية والخارجية للمملكة في نوفمبر المنصرم، إذ تضمنت جوانب كثيرة من دعائم التوجه الاقتصادي الحالي، لتحقيق استقرار مالي واقتصادي أكبر وتنمية مستدامة، كان بينها تنفيذ جميع الإصلاحات الداعمة لنمو الاقتصاد وتنويع نشاطاته وتعزيز الإيرادات وكفاءة الإنفاق.
بيئة الأعمال
ولتحقيق أهدافها المرجوة، قامت المملكة ببذل جهود كبيرة في تسهيل ممارسة الأعمال، كإحدى الرافعات التي تعوّل عليها في أن تكون سبباً للدفع ببيئة صحية مغرية نحو مزيد من فرص الأعمال وبالتالي النمو الاقتصادي غير النفطي، حيث استمرت في سن الأنظمة ووضع القرارات الممكنة له، لتتقدم بوضوح إلى مراكز متقدمة في تصنيفات منظمات عالمية.
وباتت السعودية هذا العام أكثر الدول تقدماً في مجال الإصلاح الاقتصادي من بين 190 دولة حول العالم، وتأتي هذه القفزة النوعية التي حققتها المملكة بتقدمها 30 مرتبة في مجال سهولة ممارسة الأعمال 2020، حسب التقرير الصادر عن مجموعة البنك الدولي، إضافةً إلى تقدمها في تقرير التنافسية العالمي 2019 الصادر عن مركز التنافسية العالمي، كإحدى ثمار العمل القائم لتحقيق «رؤية 2030».
ومن بين الإصلاحات التي عملت عليها السعودية تسهيل بدء النشاط التجاري، والتجارة عبر الحدود، والحصول على الكهرباء، في وقت وجّهت الدولة الجهات الحكومية بمضاعفة الجهود لتحسين بيئة الأعمال ورفع تنافسية المملكة لتحقيق هدف الوصول إلى مصافّ الدول العشر الأكثر تحفيزاً للأعمال في العالم.
الاستثمار الأجنبي
ونتيجة للإصلاحات الاقتصادية التي نفّذتها المملكة، تضاعف عدد الشركات الأجنبية المستثمرة في السعودية خلال النصف الأول، مقابل الفترة ذاتها من العام المنصرم، إذ تم إصدار 792 رخصة استثمار أجنبي حتى منتصف سبتمبر (أيلول) 2019، فيما زاد عدد الشركات الأجنبية المسجلة بنهاية النصف الأول من 2019 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي بنسبة 100%.
ولتعزيز قدرة المملكة التنافسية وتحسين البيئة الاستثمارية، تمت إعادة هندسة التراخيص الاستثمارية في 9 قطاعات بنسبة 55%، وهي: الصحة، والتعليم، والاتصالات، والنقل، والتجارة، والثقافة، والسياحة، والزراعة، والصناعة، وتقليص إجراءات حصول المستثمر الأجنبي على الترخيص الاستثماري إلى وثيقتين، وخلال 3 ساعات فقط.
وقامت السعودية بإصدار وسن أكثر من 30 نظاماً وتشريعاً خلال عامين، بهدف تحفيز الاستثمارات الأجنبية، وتعزيز البيئة الاستثمارية، ومنها نظام الإفلاس، ونظام الشركات المهنية، ونظام الرهن التجاري، ونظام الإقامة المميزة للأجانب، والتأشيرات السياحية والتجارية، والفعاليات.
وأتاحت المملكة تملك المستثمر الأجنبي بنسبة 100% في قطاعات التجزئة والصحة والإعلام والتعليم، كما عززت الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بالبيئة الاستثمارية لرفع ثقة المستثمرين، ما نتج عنه ضخ الاستثمار الأجنبي بأكثر من 14.4 مليار دولار في سوق الأسهم السعودية.
القطاعات غير النفطية
ويأتي تحفيز القطاعات غير النفطية بأنشطتها كافة باعتبارها ركيزة للتحرر من النفط، ورافعة اقتصادية بالغة الأهمية، ما أسهم، حسب البيانات الرسمية الأخيرة، في ارتفاع نسبة نمو القطاعات غير النفطية حتى النصف الأول من العام الحالي بنحو 2.5% مقارنةً بـ2.3% في المدة ذاتها من العام الماضي، ليحقق بذلك هذا القطاع أكبر نمو له منذ عام 2015. يأتي ذلك وسط ارتفاع إنتاجية العامل في القطاع الخاص غير النفطي بنحو 3.3% حتى النصف الأول من 2019.
وهنا لا بد من الإشارة إلى دفع السعودية نحو المحتوى المحلي، باعتباره أداة مهمة لتحفيز الصناعة والإنتاج المحلي، إذ كلفت السعودية في 2019 هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية مسؤولية تعزيز المساهمة في التنمية الاقتصادية، لضمان زيادة مشاركة العناصر الوطنية على مستوى القوى العاملة والسلع والخدمات والأصول والتقنية.
الصناعة المالية
وبين الروافع الاقتصادية التي تعوّل عليها الحكومة السعودية، يبرز القطاع المالي، إذ ينتظر أن يسهم تطوير الصناعة المالية وتنمية مصادر التمويل وتوسيع أبواب الدعم المالي للمشروعات ابتداءً من المتناهية الصغر إلى المشروعات العملاقة، في تعزيز الاقتصاد السعودي.
ويأتي في مقدمة الصناعة المالية رفع الشمول المالي بمختلف أشكاله لتعزيز حركة التدفق النقدي، إذ عملت مؤسسة النقد العربي السعودي على تعزيز رفع مستوى الشمول المالي في المملكة وبالتحديد تعزيز وصول الأفراد والمنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الخدمات المالية وتيسير الحصول على خدمات التمويل.
وحسب موقع مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما»، فإن العمل ماضٍ لرفع مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى رفع نسبة التمويل المخصص لها إلى 20%، وكذلك زيادة عدد البالغين الذين لديهم حسابات مصرفية إلى 90%، باعتبار ذلك من أبرز الأهداف التي تسعى الرؤية إلى تحقيقها.
إلى ذلك، تقع السوق المالية في القلب من هذه التطورات إذ تشهد سنوياً قفزات على صعيد تطوير التشريعات والقوانين ذات العلاقة، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي اعتمد مجلس هيئة السوق المالية قواعد طرح الأوراق المالية والالتزامات المستمرة المعدلة (قواعد الطرح)، ضمن مساعيه لرفع جاذبيتها للمستثمرين بجميع فئاتهم، كما تم السماح لجميع فئات المستثمرين الأجانب المقيمين منهم وغير المقيمين بالاستثمار بشكل مباشر في أسهم المصدر الأجنبي المدرجة في السوق الرئيسية.
واستهدفت التعديلات في جانب آخر، تشجيع دخول المُصدر الأجنبي إلى السوق الرئيسية وزيادة جاذبية السوق المحلية وتعميقها وتعزيز دورها في تكوين رؤوس الأموال. كما دخلت السوق المالية هذا العام مرحلة تاريخية لتصبح سوق الأسهم بين أكبر عشر أسواق مالية في العالم مع إدراج سهم «أرامكو» بقيمة سوقية تقارب تريليوني دولار.
ومع تسهيل الأعمال والإجراءات، تحول تصنيف السوق المالية السعودية من سوق أولية إلى سوق ثانوية، على مستوى الأسواق العالمية، وباتت تشرف حالياً على 100 شركة مالية وبنك استثماري، بينما تنقسم سوق الأسهم الرئيسية إلى 21 قطاعاً بعدد 198 شركة مدرجة. ويبلغ عدد الصكوك والسندات التي تحتضنها 69 صكاً تمثل إصدارات بقيمة 340 مليار ريال (90.6 مليار دولار) بينها 64 مليار ريال إصدارات حكومية.
التحول الرقمي
يعد التحول من تقليدية التعاملات إلى صناعة التعاملات الإلكترونية، أحد أهداف الرؤية، بل يعد رافعة من الروافع المنتظرة في تسيير حركة التحول الاقتصادي، إذ جرى هذا العام تطوير وتحسين البنى التحتية التشريعية والتقنية والتركيز ضمن مشروع تحقيق التحول الرقمي وبناء منظومة حكومية فعالة للتعاملات الإلكترونية، مما سيدفع إلى اقتصاد رقمي مزدهر يعزز من إسهام المملكة التقني عالمياً.
وأكد وزير التجارة والاستثمار السعودي الدكتور ماجد القصبي، أن بلاده أصبحت منصة جاذبة للاستثمار، بينما يجري العمل حالياً لتشكيل مجلس جديد للتجارة الإلكترونية في السعودية ليتواكب مع الزخم الكبير في التفاعل التجاري عبر الشبكة العنكبوتية في البلاد. وأوضح القصبي أن 85% من خدمات وزارة التجارة والاستثمار باتت تقدم إلكترونياً، مشيراً إلى أنه منذ عام 2016 حتى نهاية الربع الثالث من عام 2019 تم منح 2437 رخصة استثمار للمستثمرين الأجانب، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن المملكة أصبحت تعدّ من أوائل الدول الـ10 في التسوق وعمليات الشراء الإلكترونية.
أمام ذلك، أشارت نتائج مسح إحصائي رسمي سعودي صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، أخيراً، إلى أن نسبة الأسر التي لديها إمكانية النفاذ إلى الإنترنت بلغت 92.7% وبلغت نسبة الأسر التي يتوفر لديها خط هاتف ثابت بالمسكن 27.07%، أما نسبة الأسر التي يتوفر لديها هاتف متنقل فبلغت 99.2%.
استضافة «العشرين»
وأخيراً، لا يمكن التغاضي عن مشهد استضافة السعودية «مجموعة العشرين» التي تمثل الاقتصادات العشرين الأكبر في العالم والأكثر تأثيراً في مشهد التنمية الدولية، إذ تسلمت السعودية مطلع الشهر الجاري، راية استضافة هذا التجمع العالمي. وفي وقت ينتظر أن ينعقد في السعودية ما لا يقل عن 150 لقاءً بين اجتماعات مطوّلة وورش عمل رسمية وودية، ستكون المملكة محط أنظار العالم خلال 2020 بتوافد كبار مسؤولي العالم على مختلف المستويات من القطاعات الحيوية كافة والمرتبطة بالاقتصاد والأعمال والمجتمع والبيئة والصحة والتعليم والقوى العاملة حتى لحظة انعقاد قمة قادة الدول العشرين المنتظرة في نوفمبر 2020.

قطاعات جديدة

> من بين روافع الاقتصاد السعودي المنظورة التي تم تحريكها في 2019، دخول قطاعات حيوية جديدة تتطلع الدولة لأن يكون لها سهم بارز في الناتج المحلي الإجمالي في خضم السعي إلى بناء مقومات اقتصادية متينة وخلق فرص استثمارية واعدة، يأتي بينها فتح قطاع السياحة وبدء العمل في إصدار «التأشيرة السياحية» تحقيقاً للرؤية، إذ ينتظر أن تسهم التنمية السياحية كأحد محفزات النمو الاقتصادي في جذب استثمارات وتوفير مليون فرصة وظيفية وتخفيض البطالة 6% وزيادة حصة مساهمة القطاع إلى 10% من الدخل القومي.
وفي جانب آخر، جاء تدشين برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية مطلع عام 2019، كأحد أهم وأكبر البرامج الثلاثة عشر التنفيذية لـ«رؤية 2030»، تجسيداً لهدف أن تكون السعودية مركزاً عالمياً في مجال الطاقة والصناعة والتقنية ومنصة عالمية للخدمات اللوجيستية. ويتزامن ذلك مع تطوير حكومي لدور الصناديق التنموية لسد الاحتياجات الاقتصادية ودعم إيجاد فرص استثمارية للقطاع الخاص المحلي.
وإضافةً إلى ذلك، تم خلال العام تبني مشاريع عدة تتعلق بالطفرة الاقتصادية الجديدة المرتبطة بالتقنيات، إذ تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الصناعي التي من شأنها تعزيز استثمار الدولة للتطورات التقنية، كما تمت استضافة مركز عالمي للثورة الصناعية الرابعة في المملكة.
ويأتي الترفيه الذي تأسست من أجله هيئة مستقلة في السعودية، كأحد منابع الاستثمار الجديدة المرتقبة في المملكة، حيث يُنتظر أن يسهم في إيجاد البيئة اللازمة لتشكل مقومات الصناعة من صناع ومسوقين ومستهلكين، وما يصاحب ذلك من خدمات ونشاطات متعددة.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.